الرجال الذين في النفق
كامل النصيرات
ليسوا محاصرين. لا تسمّهم محاصرين. المحاصر هو من يفقد إرادته وهؤلاء تحت الأرض الآن يشدّون إرادة العالم من عُنقه. في الأنفاق الضيقة، حيث لا يصل ضوء الشمس، يتكدّس الغضب الخام، الغضب الذي لم ينجح العالم كله في ترويضه ولا في تجميله بعبارات «قلق» و«دعوات التهدئة».
العالم يريدهم صامتين. يريدهم مستسلمين. يريدهم جثثاً محترقة تحت الأنقاض ليبرّر روايته. لكنه يُفاجأ كل ليلة بأن الأنفاق تولد رجالاً جدداً، كأن التراب نفسه تكاثر وصار مقاتلين.
هؤلاء الآن، في هذه اللحظة، ليسوا «مقاتلي أنفاق»، بل عقدة في حلق كل دولة نافقة، كل إعلامي منافق يبيع الدم بالمسطرة. ماذا يريد المحتل أكثر؟ دمر البيوت، قتل الأطفال، سحق المستشفيات، لكن ما زالت البنادق تطلّ من بطن الأرض وتقول له: «لسّا هون ولسّا واقفين.»
الغضب الحقيقي ليس ما تشعر به أنت أو أشعر به أنا الغضب الحقيقي هو ما يسري الآن في عروق أولئك الرجال وهم يسمعون جدران الأنفاق ترتجف فوق رؤوسهم. غضب يشبه رفض الجثث أن تبرد. يشبه عرق الجنود الذين أدركوا أنهم ليسوا في معركة سياسية، بل في امتحان وجودي: إمّا أن يعيشوا واقفين أو يموتوا واقفين.
حتى الموت عندهم لا يرضى بالانبطاح.
فوق الأرض يحتفل المحتل بصوره المصطنعة، يلوّح بأكاذيبه، ويعدّ «إنجازاته». أمّا تحت الأرض، فتشتعل الحقيقة: رجالٌ محشورون في ممرات لا تتسع لكتفيْن، لكنهم أوسع من كل تصريحات البيت الأبيض.
رجال يضربون الأرض بقبضاتهم فيعود الصدى يعلن أنه ما زال هناك شيء في هذه الأمة لم يمت.
هؤلاء الذين يختنقون الآن من الغبار هم الذين يخنقون أكاذيب العالم. هؤلاء الذين ينزفون في الظلام هم الذين يفتحون جرحاً في جبين المحتل لا يلتئم. الأنفاق ليست قبورهم هي قبور الروايات التي حاولت أن تقتلهم قبل أن تقتلهم الصواريخ. الأنفاق ليست ضعفاً الأنفاق فضحت ضعف العالم كله.
وكلما اشتد الظلام عليهم، عاش فيهم شيء لا يعرف العالم اسمه: عناد يعادل جيشاً وغضبٌ يقاتل حتى لو انقطعت الذخيرة وإيمان أرض لا تخون أصحابها.
كامل النصيرات
ليسوا محاصرين. لا تسمّهم محاصرين. المحاصر هو من يفقد إرادته وهؤلاء تحت الأرض الآن يشدّون إرادة العالم من عُنقه. في الأنفاق الضيقة، حيث لا يصل ضوء الشمس، يتكدّس الغضب الخام، الغضب الذي لم ينجح العالم كله في ترويضه ولا في تجميله بعبارات «قلق» و«دعوات التهدئة».
العالم يريدهم صامتين. يريدهم مستسلمين. يريدهم جثثاً محترقة تحت الأنقاض ليبرّر روايته. لكنه يُفاجأ كل ليلة بأن الأنفاق تولد رجالاً جدداً، كأن التراب نفسه تكاثر وصار مقاتلين.
هؤلاء الآن، في هذه اللحظة، ليسوا «مقاتلي أنفاق»، بل عقدة في حلق كل دولة نافقة، كل إعلامي منافق يبيع الدم بالمسطرة. ماذا يريد المحتل أكثر؟ دمر البيوت، قتل الأطفال، سحق المستشفيات، لكن ما زالت البنادق تطلّ من بطن الأرض وتقول له: «لسّا هون ولسّا واقفين.»
الغضب الحقيقي ليس ما تشعر به أنت أو أشعر به أنا الغضب الحقيقي هو ما يسري الآن في عروق أولئك الرجال وهم يسمعون جدران الأنفاق ترتجف فوق رؤوسهم. غضب يشبه رفض الجثث أن تبرد. يشبه عرق الجنود الذين أدركوا أنهم ليسوا في معركة سياسية، بل في امتحان وجودي: إمّا أن يعيشوا واقفين أو يموتوا واقفين.
حتى الموت عندهم لا يرضى بالانبطاح.
فوق الأرض يحتفل المحتل بصوره المصطنعة، يلوّح بأكاذيبه، ويعدّ «إنجازاته». أمّا تحت الأرض، فتشتعل الحقيقة: رجالٌ محشورون في ممرات لا تتسع لكتفيْن، لكنهم أوسع من كل تصريحات البيت الأبيض.
رجال يضربون الأرض بقبضاتهم فيعود الصدى يعلن أنه ما زال هناك شيء في هذه الأمة لم يمت.
هؤلاء الذين يختنقون الآن من الغبار هم الذين يخنقون أكاذيب العالم. هؤلاء الذين ينزفون في الظلام هم الذين يفتحون جرحاً في جبين المحتل لا يلتئم. الأنفاق ليست قبورهم هي قبور الروايات التي حاولت أن تقتلهم قبل أن تقتلهم الصواريخ. الأنفاق ليست ضعفاً الأنفاق فضحت ضعف العالم كله.
وكلما اشتد الظلام عليهم، عاش فيهم شيء لا يعرف العالم اسمه: عناد يعادل جيشاً وغضبٌ يقاتل حتى لو انقطعت الذخيرة وإيمان أرض لا تخون أصحابها.