الحرب القذرة

الأستاذة رجاء الرحبوي

  • الخميس 01, يوليو 2021 03:04 م
  • الحرب القذرة
قد نتساءل عن أخلاقيات الحرب وما يجب وما لا يجب، حين تفرض على مجتمع آمن تسلط عليه عدو غاشم، وأي عدو هو أنكى وأشر من الكيان الصهيوني الذي تقوم أفكاره ومبادئه على الإجرام بكل أنواعه، من احتلال للأرض وسرقة الممتلكات وتهجير أصحابها، إلى الإبادات الجماعية للأبرياء والمدنين من أصحاب الحق؟

قد نتساءل عن أخلاقيات الحرب وما يجب وما لا يجب، حين تفرض على مجتمع آمن تسلط عليه عدو غاشم، وأي عدو هو أنكى وأشر من الكيان الصهيوني الذي تقوم أفكاره ومبادئه على الإجرام بكل أنواعه، من احتلال للأرض وسرقة الممتلكات وتهجير أصحابها، إلى الإبادات الجماعية للأبرياء والمدنين من أصحاب الحق؟
فلا تحمل حروب الكيان الصهيوني إلا قذارة أفكار ومعتقدات عنصرية ومنحرفة تجاه الإنسان بل تجاه الإنسانية،إنه فكر مريض مأزوم  يعيث فسادا في الأرض دون هوادة، بعدما ضُيّق على الأحرار، وضيّعت الأوطان بسبب سياسات العملاء والأنذال.
حرب تقوم على سياسة النفس الطويل من أجل طغيان الباطل، وتستهدف كل ما من شأنه النهوض بالأمة ومن ذلك:

استهداف الإنسان:

يقوم هذا الاستهداف على تحديد ثلاثة عناصر، أولهما الإنسان الفلسطيني من داخل حدود الوطن، ثم الإنسان المسلم خارج حدود فلسطين، ثم الإنسان بمفهومه الكوني.


فأما الإنسان الفلسطيني:

يحارب بشكل مباشر وبقوانين تعسفية وضعها الاحتلال للتضييق على أصحاب الأرض، ومن ذلك تقييد رقعة السكن، ثم التهجير وتوسيع الاستيطان، ووضع الحواجز بين حدود الوطن الواحد، وينتج عنه الفصل العنصري بين الأقارب وذوي الأرحام، بل أحيانا حرمان الأزواج الذين ينتمون إلى مدن وبلدات مختلفة الالتحاق ببعضهم، خاصة -سكان القدس- في محاولة لإفراغها من سكانها الأصليين. ثم عملية الأسر التي تشمل مختلف الأعمار والأجناس دون محاكمة ولمدة تفوق سنوات عديدة، يكبر فيها الأطفال داخل السجون، ويشيخ الكبار، وتهرم النساء، بل يعتقل في الأسر حديثي العهد بالزواج لمنعهم من الإنجاب وعدم تكثير سواد الشعب الفلسطيني، ما جعل بعض الأسرى يلجؤون إلى عملية تهريب النطف من داخل المعتقلات، كما يفرض على كثير من المرابطين والمرابطات في بيت المقدس الإبعاد وعدم السماح لهم بالدخول لأداء الصلاة فيه نظرا لأدوارهم الريادية في حماية المسجد الأقصى، بل تفرض عليهم غرامات مادية باهضة تثقل كاهلهم من باب الانتقام ومحاولة تكسير إرادتهم الصلبة والقوية والتي لم تنكسر قط، ناهيك عن القتل المباشر الذي وثقته عدة تسجيلات بدم بارد طال حتى بعض من يعانون من إعاقات جسدية...

الإنسان المسلم خارج حدود فلسطين:

وهنا قد نتحدث عن العربي أو غير العربي، وإن كان المستهدف بشكل أكبر الإنسان المسلم العربي، والذي خاض الكيان الصهيوني ضده حروبا أكثر قذارة من سكان فلسطين، خاصة أن هذه الحروب تستهدف الهوية والعقيدة، وذلك من خلال التطبيع المباشر وغير المباشر مع أنظمة هذه الدول، والتي تسعى من خلال الحرب الناعمة جعل الشعوب تقبل بتواجد هذا الكيان، بل تقبل بجرائمه، وتحرف واقع ما يحدث بأرض فلسطين ليصبح الجلاد ضحية والضحية جلادا. و قد استطاع الصهاينة بالفعل تحقيق بعض الأهداف داخل هذه الدول من خلال التطبيع على مستوى المناهج الدراسية وفي الجانب الاقتصادي والسياسي والرياضي وغير ذلك... لكنه وجد أكبر عقبة في استمرار مشروعه داخل الأوطان بتصدي الشعوب الأبية ورفضها الانسلاخ عن هوتيها، ما يؤكد ذلك مسيرات ووقفات شعبية ومواقف تحدت أنظمتها القمعية للتعبير عن تأييدها للقضية الفلسطينية.

الإنسان بمفهومه الكوني:

قد يحز في النفس غياب الضمير الإنساني تجاه ما يقع في أرض فلسطين، خاصة الحرب الإعلامية "القذرة" التي تخفي الحقائق وتروج للأكاذيب، لكن سرعان ما تتغير هذه الموازين كلما نشبت حرب نارية على الشعب الفلسطيني إلا وشهدنا ذلك التضامن العالمي الذي يحفز الضمير على اليقظة دون ميز بين لغة شعب أو جنسه أو لونه، وأقصد به -ضمير الشعوب لا أنظمتها المتواطئة مع أشكال الفساد- تضامن يحي الحس الإنساني بكل معانيه، وبجميع الوسائل الفنية والرياضية والثقافية التي لا تعرف حدود المكان أو الزمان، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن الإنسان السوي بطبعه لا يقبل الظلم أو الحيف تجاه أي فرد من أفراد العالم، وأن الإعلام عامل تغرير وتضليل حين لا توجهه الأيادي الأمينة.
لا يمكن اختصار معاناة الشعب الفلسطيني في بضع أسطر، أو ما يحاك له ولمحيطه بل لعالمه من أشكال الخراب الممنهج من قبل الكيان الصهيوني في صفحات معدودات، ولا يسعفنا المجال لسرد كل التفاصيل المضنية والمؤلمة، إلا أن تجربة الحرب القذرة لابد أن تعلمنا أشكال التصدي الأخلاقي وبناء الذات وفق قيم تساهم في إعمار الأرض وإصلاحها من خلال منهاج قرآني نبوي، في يقين تام أن سنن الله تعالى الماضية في كونه تخبرنا بعلو الفساد عند تخاذل الهمم والانحراف عن المنهج الرباني، والعودة إلى جادة الصواب هي سبيل البناء وسبب من أسباب النصر المبين ودحر المفسدين.