تهويد الأقصى ما بين تزوير السردية واستمرار العدوان
علي حسن إبراهيم
اطلعت على دراسة تناولت تطورات العدوان على الأقصى، بالتزامن مع حرب الإبادة في غزة، ولفت انتباهي ما تضمنته المادة، من محاولة لقلب الحقائق، وتحميل "طوفان الأقصى" كل ما يجري في المسجد من عدوان، من خلال التلميح حينًا، والتصريح أحيانًا أخرى، بأن جملة من الاعتداءات لم تتم إلا ما بعد السابع من أكتوبر، ولو افترضنا أن النتائج الذي وردت في الدراسة لم تُكتب بسوء نية، إلا أنها تزوير فج للحقائق، وقفز متعمد على جملة من المعطيات والوقائع، التي دفعت المقاومة إلى إطلاق هذه العملية، وما زالت مستمرة في المسجد اليوم، نتيجة ظروف سياسية وأمنية ومحاولات إحلال ديني من قبل الاحتلال ومستوطنيه. ولا أريد أن يتحول المقال إلى رد على هذه المادة بقدر تسليط الضوء على جملة من الحقائق التي لا يُمكن التغاضي عنها بحالٍ من الأحوال، تتصل بواقع العدوان على المسجد ومكوناته البشرية.
العدوان على الأقصى سابقٌ للسابع من أكتوبر، واستمر بعده
واحدة من أبرز القضايا التي يسعى الكاتب إلى تحقيقها، أن جملة من الاعتداءات على المسجد جرت ما بعد السابع من أكتوبر، ومنها الادعاء أن الطقوس العلنية كانت سابقًا تؤدى خارج المسجد وخاصة أمام باب القطانين، بينما تحولت إلى داخل الأقصى، في ساحات المسجد الشرقية من الثامن أكتوبر، وهو ادعاء متهافت، يتجاهل الحقائق غير البعيدة عنا، فأداء الطقوس اليهوديّة في المسجد، عدوانٌ قديمٌ مستمر، مرّ من خلال العديد من المحطات، وصولًا إلى عام 2019، حيث اتخذ صورًا أكثر حدةً، في سياق باستراتيجيّة "التأسيس المعنوي للمعبد"، ومنذ ذلك العام تصاعد أداء هذه الطقوس بالشكل والكثافة والحجم، وأعداد المشاركين فيها، وهو تصاعدٌ سعت أذرع الاحتلال منذ اللحظة الأولى أن يتم داخل الساحات الشرقية للأقصى، أما الادعاء بأنه عدوانٌ جديد، فهو يتجاوز الحقيقة بأن محاولة نقل الطقوس إلى الأقصى واحدٌ من أبرز أهداف الاحتلال.
وهنا تبرز حقيقة أخرى، أن الاحتلال استفاد من حالة الخوف التي اعترت في الشارع الفلسطيني، جراء تشديد القبضة الأمنية، وتصاعد القمع واستخدام القوة المفرطة، وما يتصل بتشديد إجراءاته وقيوده داخل المدينة المحتلة، وهو ما انعكس على واقع المسجد، وقدرة الاحتلال على المضي قدمًا في جملة من الاعتداءات على أرض الواقع، ولكنها بطبيعة الحال جزءٌ من مخططات أعم، ممتدة، بدأت منذ سنوات عديدة.
بن غفير واقتحامات الأقصى الحاشدة
تُشير الدراسة آنفة الذكر، إلى أن تصاعد اقتحامات الأقصى، ارتبط بوصول بن غفير إلى السلطة، وهو طرح يتجاهل أن هذه الظاهرة بدأت قبل ذلك بزمن طويل، إذ يُشير الكاتب إلى أن الاقتحامات قبل بن غفير كانت قليلة العدد، بينما تصاعد أعداد المشاركين فيها على أثر وصول بن غفير إلى السلطة، وهو كذلك قفز عن الحقائق، ويحاول ربط العدوان على الأقصى بشخص بن غفير و"الصهيونية الدينيّة" فقط، بينما هو مسار متصاعد ابتدأ مع الحكومات الإسرائيلية السابقة، ولا شك بأن الدعم الكبير الذي يقدمه تيار "الصهيونية الدينيّة"، أثر على حجم الاقتحامات، ودور المنظمات المتطرفة، إلا أن العدوان على الأقصى بدأ منذ أكثر من عشرين عامًا، وقد شهدت حكومات سابقة اقتحامات حاشدة، وقفزات في أعداد المقتحمين.
المشكلة في مثل هذه الأطروحات، أنها تربط العدوان على المسجد بجزء من مكونات الأحزاب الإسرائيلية، وكأن غيابها عن السلطة، سيقلل من المخاطر المحدقة بالمسجد، بينما الحقيقة هي عكس ذلك، فالعدوان على المسجد مسار مستمرّ، تتبناه أذرع الاحتلال المختلفة، ومن يمثلها ويرعى شؤونها ضمن البنى السياسية والأمنية لدى الاحتلال، ولكنها لم تتوقف سابقًا، مع عدم وجود هذه الأحزاب في السلطة، وضمن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة.
مصطلحاتٌ مشوهة
لا شك بأننا بحاجة إلى ضبط المصطلحات، وخاصة تلك المرتبطة بواقع المسجد الأقصى، فتغير مدلول المصطلح يوحي بأن الاعتداء هو الأصل، ولأوضح مقصدي، ينتشر مصطلح الوضع القائم في المسجد، وتتنوع دلالات المصطلح، وهو تنوع لا يصب في خدمة المسجد، بقدر ما يزيد الغموض، ويصعب فهم ما يتعرض له الأقصى، وأبرز هذه المصطلحات هو "الوضع القائم"، والذي نقصد به أن يعود الأقصى إلى واقعه قبل بدأ اقتحامات المستوطنين لباحاته بشكلٍ شبه يوميّ، وأن تكون دائرة الأوقاف الإسلامية هي الجهة القائمة برعاية شؤون المسجد، والمخولة بإدخال السياح إليه، وفق الضوابط التي كان معمولًا بها، والتي تمتلك كل مفاتيح أبواب المسجد، وتتحكم بها، وألا يكون للمستوطنين أي "حق" أو قدرة على الدخول إلى المسجد، أما أي فهم آخر يتضمن بالتصريح أو التلميح، أن الوضع القائم مرتبط باقتحام الأقصى، وأن هناك أوقاتٍ خاصة للمستوطنين، هو تشريع مضمر للتقسيم الزماني، وبوابة لتغييرات لاحقة في فهم المصطلح، سيفتح المجال لتقاسم الأقصى مكانيًا أو غير ذلك من القضايا.
أخيرًا، وبكل أسف تتسق هذه الأطروحات وغيرها الكثير مما لم أورده في هذا المقال، مع ما يريده الاحتلال ويروج له، إن تبني بعض الكتّاب لهذه الأطروحات، في الأوساط الأكاديمية والإعلامية، ينسجم مع ما يريده الاحتلال ويعمل على ترسيخه، إذ تتيح له المضي قدمًا في مخططات السيطرة على المسجد، وتقسيمه، وتحميل أصحاب الحق المدافعين عن الأقصى جريرة الدفاع عن حقهم، ومحاولة حماية مقدساتهم، ولكن التقاعس والخذلان هو ما سمح للاحتلال بالوصول إلى هذه المرحلة لا العكس.
علي حسن إبراهيم
اطلعت على دراسة تناولت تطورات العدوان على الأقصى، بالتزامن مع حرب الإبادة في غزة، ولفت انتباهي ما تضمنته المادة، من محاولة لقلب الحقائق، وتحميل "طوفان الأقصى" كل ما يجري في المسجد من عدوان، من خلال التلميح حينًا، والتصريح أحيانًا أخرى، بأن جملة من الاعتداءات لم تتم إلا ما بعد السابع من أكتوبر، ولو افترضنا أن النتائج الذي وردت في الدراسة لم تُكتب بسوء نية، إلا أنها تزوير فج للحقائق، وقفز متعمد على جملة من المعطيات والوقائع، التي دفعت المقاومة إلى إطلاق هذه العملية، وما زالت مستمرة في المسجد اليوم، نتيجة ظروف سياسية وأمنية ومحاولات إحلال ديني من قبل الاحتلال ومستوطنيه. ولا أريد أن يتحول المقال إلى رد على هذه المادة بقدر تسليط الضوء على جملة من الحقائق التي لا يُمكن التغاضي عنها بحالٍ من الأحوال، تتصل بواقع العدوان على المسجد ومكوناته البشرية.
العدوان على الأقصى سابقٌ للسابع من أكتوبر، واستمر بعده
واحدة من أبرز القضايا التي يسعى الكاتب إلى تحقيقها، أن جملة من الاعتداءات على المسجد جرت ما بعد السابع من أكتوبر، ومنها الادعاء أن الطقوس العلنية كانت سابقًا تؤدى خارج المسجد وخاصة أمام باب القطانين، بينما تحولت إلى داخل الأقصى، في ساحات المسجد الشرقية من الثامن أكتوبر، وهو ادعاء متهافت، يتجاهل الحقائق غير البعيدة عنا، فأداء الطقوس اليهوديّة في المسجد، عدوانٌ قديمٌ مستمر، مرّ من خلال العديد من المحطات، وصولًا إلى عام 2019، حيث اتخذ صورًا أكثر حدةً، في سياق باستراتيجيّة "التأسيس المعنوي للمعبد"، ومنذ ذلك العام تصاعد أداء هذه الطقوس بالشكل والكثافة والحجم، وأعداد المشاركين فيها، وهو تصاعدٌ سعت أذرع الاحتلال منذ اللحظة الأولى أن يتم داخل الساحات الشرقية للأقصى، أما الادعاء بأنه عدوانٌ جديد، فهو يتجاوز الحقيقة بأن محاولة نقل الطقوس إلى الأقصى واحدٌ من أبرز أهداف الاحتلال.
وهنا تبرز حقيقة أخرى، أن الاحتلال استفاد من حالة الخوف التي اعترت في الشارع الفلسطيني، جراء تشديد القبضة الأمنية، وتصاعد القمع واستخدام القوة المفرطة، وما يتصل بتشديد إجراءاته وقيوده داخل المدينة المحتلة، وهو ما انعكس على واقع المسجد، وقدرة الاحتلال على المضي قدمًا في جملة من الاعتداءات على أرض الواقع، ولكنها بطبيعة الحال جزءٌ من مخططات أعم، ممتدة، بدأت منذ سنوات عديدة.
بن غفير واقتحامات الأقصى الحاشدة
تُشير الدراسة آنفة الذكر، إلى أن تصاعد اقتحامات الأقصى، ارتبط بوصول بن غفير إلى السلطة، وهو طرح يتجاهل أن هذه الظاهرة بدأت قبل ذلك بزمن طويل، إذ يُشير الكاتب إلى أن الاقتحامات قبل بن غفير كانت قليلة العدد، بينما تصاعد أعداد المشاركين فيها على أثر وصول بن غفير إلى السلطة، وهو كذلك قفز عن الحقائق، ويحاول ربط العدوان على الأقصى بشخص بن غفير و"الصهيونية الدينيّة" فقط، بينما هو مسار متصاعد ابتدأ مع الحكومات الإسرائيلية السابقة، ولا شك بأن الدعم الكبير الذي يقدمه تيار "الصهيونية الدينيّة"، أثر على حجم الاقتحامات، ودور المنظمات المتطرفة، إلا أن العدوان على الأقصى بدأ منذ أكثر من عشرين عامًا، وقد شهدت حكومات سابقة اقتحامات حاشدة، وقفزات في أعداد المقتحمين.
المشكلة في مثل هذه الأطروحات، أنها تربط العدوان على المسجد بجزء من مكونات الأحزاب الإسرائيلية، وكأن غيابها عن السلطة، سيقلل من المخاطر المحدقة بالمسجد، بينما الحقيقة هي عكس ذلك، فالعدوان على المسجد مسار مستمرّ، تتبناه أذرع الاحتلال المختلفة، ومن يمثلها ويرعى شؤونها ضمن البنى السياسية والأمنية لدى الاحتلال، ولكنها لم تتوقف سابقًا، مع عدم وجود هذه الأحزاب في السلطة، وضمن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة.
مصطلحاتٌ مشوهة
لا شك بأننا بحاجة إلى ضبط المصطلحات، وخاصة تلك المرتبطة بواقع المسجد الأقصى، فتغير مدلول المصطلح يوحي بأن الاعتداء هو الأصل، ولأوضح مقصدي، ينتشر مصطلح الوضع القائم في المسجد، وتتنوع دلالات المصطلح، وهو تنوع لا يصب في خدمة المسجد، بقدر ما يزيد الغموض، ويصعب فهم ما يتعرض له الأقصى، وأبرز هذه المصطلحات هو "الوضع القائم"، والذي نقصد به أن يعود الأقصى إلى واقعه قبل بدأ اقتحامات المستوطنين لباحاته بشكلٍ شبه يوميّ، وأن تكون دائرة الأوقاف الإسلامية هي الجهة القائمة برعاية شؤون المسجد، والمخولة بإدخال السياح إليه، وفق الضوابط التي كان معمولًا بها، والتي تمتلك كل مفاتيح أبواب المسجد، وتتحكم بها، وألا يكون للمستوطنين أي "حق" أو قدرة على الدخول إلى المسجد، أما أي فهم آخر يتضمن بالتصريح أو التلميح، أن الوضع القائم مرتبط باقتحام الأقصى، وأن هناك أوقاتٍ خاصة للمستوطنين، هو تشريع مضمر للتقسيم الزماني، وبوابة لتغييرات لاحقة في فهم المصطلح، سيفتح المجال لتقاسم الأقصى مكانيًا أو غير ذلك من القضايا.
أخيرًا، وبكل أسف تتسق هذه الأطروحات وغيرها الكثير مما لم أورده في هذا المقال، مع ما يريده الاحتلال ويروج له، إن تبني بعض الكتّاب لهذه الأطروحات، في الأوساط الأكاديمية والإعلامية، ينسجم مع ما يريده الاحتلال ويعمل على ترسيخه، إذ تتيح له المضي قدمًا في مخططات السيطرة على المسجد، وتقسيمه، وتحميل أصحاب الحق المدافعين عن الأقصى جريرة الدفاع عن حقهم، ومحاولة حماية مقدساتهم، ولكن التقاعس والخذلان هو ما سمح للاحتلال بالوصول إلى هذه المرحلة لا العكس.