تحديات الشعب الفلسطيني ما بعد وقف العدوان على غزة

مقالات وأبحاث

  • السبت 18, أكتوبر 2025 10:06 ص
  • تحديات الشعب الفلسطيني ما بعد وقف العدوان على غزة
أفضت السنتان الماضيتان وما تخلّلهما من أحداث جسام على صعيد القضية الفلسطينية ببعدها الوطني وكذلك امتداداته الإقليمية والدولية، إلى جملة تحديات صعبة، بعضها مفصلي، وهي في ذات الوقت متداخلة، ولعلنا نشير إلى أن العديد منها ليس وليد المرحلة الماضية تحديدا، ولكنها تعاظمت وفرضت نفسها على المشهد، وبعضها له أثر إيجابي بالبعد التحرري، واستعادة الحقوق الثابتة، والأخرى سلبية ومناحيها في العديد من جوانبها خطيرة، وتصنف بأنها وجودية.
تحديات الشعب الفلسطيني ما بعد وقف العدوان على غزة
ماجد الزير
أفضت السنتان الماضيتان وما تخلّلهما من أحداث جسام على صعيد القضية الفلسطينية ببعدها الوطني وكذلك امتداداته الإقليمية والدولية، إلى جملة تحديات صعبة، بعضها مفصلي، وهي في ذات الوقت متداخلة، ولعلنا نشير إلى أن العديد منها ليس وليد المرحلة الماضية تحديدا، ولكنها تعاظمت وفرضت نفسها على المشهد، وبعضها له أثر إيجابي بالبعد التحرري، واستعادة الحقوق الثابتة، والأخرى سلبية ومناحيها في العديد من جوانبها خطيرة، وتصنف بأنها وجودية.
ولعل جملة المشاهد (في هذه المرحلة من عمر القضية الممتد) التي تصدرت أخبار العالم خلال أيام معدودة- وخُتمت في يوم الاثنين الماضي 13 أكتوبر/تشرين الأول 2025، بين غزة، والقدس المحتلة، وشرم الشيخ- ترسم معالم واضحة إلى حد متقدم للصورة الكاملة لعِظم ما يواجهه الشعب الفلسطيني، وللمسؤوليات الملقاة على عاتقه على المديات الزمنية: القريبة، والمتوسطة، والبعيدة، وسواء بالبعد الرسمي (منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية في الداخل)، أو الفصائلي، أو منظمات المجتمع الأهلي، والشخصيات النافذة، ولا نستثني أحدا من أبناء الشعب الفلسطيني بالمستوى الفردي سواء في داخل فلسطين، أو حيث كانوا في جغرافيا العالم على اتساعه. ولعلنا تاليا نستعرض عناوين التحديات، ثم أفق التعاطي معها فلسطينيا.
غزة وواجب الوفاء (خطة مارشال)
إن ما كابده أهل غزة من أبناء الشعب الفلسطيني من أهوال المذابح والتطهير العرقي والتجويع والتهجير والهدم، يوجب- وبإلحاح ودون تأخير من بقية الكل الفلسطيني- وقفة الأخوّة والوفاء في البعد الإغاثي في كل مجالات الحياة سواء المعيشية أو الطبية أو التعليمية وتفرعاتها بما لا يشعرهم بأدنى درجات التقصير، فيما يمكن أن يشابه “خطة مارشال” لإعادة إعمار غزة، وإرجاعها للحياة الطبيعية.
وهذا يمكن أن يعين أهل غزة في ذات الوقت على القيام بمسؤولياتهم الوطنية الأخرى، وأهمها التجذر في الأرض، ومقاومة مشاريع التهجير وإفشالها.
وفي البعد السياسي فإن ما تضمنته خطة ترامب بشأن مستقبل الوضع في غزة من عناوين وصاية على الشعب الفلسطيني، وسلب السيادة الوطنية، يحتاج إلى رفع الصوت عاليا في رفضه، والعمل على عدم نجاحه.
ومما هو مطلوب عدم إخلاء طرف الاحتلال من كل مسؤولياته عن جرائمه التي ارتكبها في غزة، سواء بإعادة الإعمار، أو في ملاحقته قانونيا عن جرائم الحرب والإبادة الجماعية، وكذلك عدم إعفاء الأطراف التي دعمت دولة الاحتلال في جرائمها، ووضعها أمام استحقاقاتها.
ومن مسؤوليات الشعب الفلسطيني تجاه غزة، العمل على إبقاء غزة حاضرة في ضمير وواقع الشعوب العربية والمسلمة، بل والشعوب قاطبة لناحية إسنادها وعدم قفل ملفات استحقاق الحرب بكل الاتجاهات دون استيفائها.
وهذا بلا شك حال دائم ولا ينتهي، وأن تظل “مظلمة غزة” حاضرة، وأقتبس من أحد النشطاء ما أسماه “عقدة غزة” تلاحق قادة الاحتلال وداعميهم على الدوام، لتقابل مع الفارق ” عقدة الهولوكوست”.
خطة الضم والتهجير والتهويد في الضفة الغربية والقدس
لم يعد المخطط الصهيوني- بكل تفاصيله فيما يتعلق بضم الضفة والعمل على ترسيخ المستوطنات وشرعنتها، وكذلك مخطط التهجير- خافيا، وكذلك الأطماع في الاستيلاء على المسجد الأقصى، وتهويد المدينة المقدسة، وهو ما يمتد إلى السياسة الأميركية بدعمها المطلق دولة الاحتلال في هذه الأبعاد، فإسقاطُ البند 21 من خطة ترامب التي اتفق مع الزعماء العرب والمسلمين عليها، وتراجعُه أمام الرغبة الإسرائيلية لاحقا، وأداؤُه أثناء زيارته فلسطين المحتلة، وتأكيده على وضع القدس، لا تحتاج جميعها لشرح أكثر في طبيعة الأخطار، ونستدعي أيضا وقوفه المعارض في وجه التوجه العالمي للاعتراف بالدولة الفلسطينية.
لقد وفّرت هذه الاعترافات أرضية صلبة للحراك الفلسطيني المأمول في مواجهة المخططات الإسرائيلية، وبالأخصّ على الصعيد القانوني، وعدم شرعيّة الاستيطان والمستوطنين، وكذلك الإجراءات في القدس وضد المقدسيين، ومصادرة الأراضي وهدم البيوت والممارسات اليومية التعسفية بحق أبناء الشعب الفلسطيني في الضفة والقدس.
الأسرى في سجون الاحتلال
إن أسرى الحرية الذين ما زالوا رهن الاعتقال في سجون الاحتلال- تقديرات أعدادهم تزيد على 9 آلاف- كانوا وسيبقون قضية إجماع وطني، والتحدي أمام الشعب الفلسطيني أن يبقوا حاضرين في الضمير الجمعي الوطني، والعمل على ألا تنتهك حقوقهم من قبل الاحتلال، في طور العمل الحثيث على تحريرهم، والعمل على ذلك ضمن ما تنص عليه القوانين الدولية. قضيتهم العادلة تحتاج أن تنبري قطاعات الشعب إلى مأسستها، والعمل مع المجاميع العربية والدولية؛ للضغط على حكومة الاحتلال لإطلاق سراحهم.
أوضاع استثنائية لقطاعات من فلسطينيي الخارج.. لبنان وسوريا نموذجا
ومما نراه من تبعات ملحة وتحتاج إلى التفاتة في خطة التحرك الفلسطيني المفترضة، هو ما يتعرض له بعض قطاعات فلسطينيي الخارج في أماكن تواجدهم المختلفة، وهنا نشير إلى تقدُّم حالَي فلسطينيي لبنان، وسوريا ليوضعا في دائرة الاهتمام والأولوية، وذلك لتأثرهما المباشر بما يجري في فلسطين المحتلة من أحداث، فآثار العدوان على غزة امتدت ميدانيا إلى لبنان، بما يشمل هذا الوجود الفلسطيني ومخيماته هناك. علاوة على الوضع الصعب المزمن سواء من الناحية المعيشية، أو التعقيدات اللبنانية الداخلية.
وعلى الجانب السوري، فإن سقوط بشار الأسد ونظامه ونجاح الثورة عليه، وما تكشف عن تلك المرحلة وسياستها من آثار سلبية على التواجد الفلسطيني، وخصوصا الدمار في مخيم اليرموك، ويُضاف لذلك الاجتياحات الإسرائيلية والاعتداءات المتكررة على المدن، يعني كل ذلك استهدافا مباشرا لما يزيد على 400 ألف فلسطيني بقوا على الأراضي السورية، وما يتطلبه ذلك من رعاية معيشية، ومتابعة للأبعاد القانونية وامتداداتها السياسية سواء في سوريا أو لبنان.
التصدي القانوني لتغول المشروع الصهيوني في العالم
لم يكن أشد المتشائمين من الداعمين للمشروع الصهيوني على أرض فلسطين، يتخيل حجم التراجع في المكانة العالمية لدولة الاحتلال في كافة مجالات الحياة الحيوية، بل وعزلها ونبذها، وهذا يأتي بعد ثمانية عقود من قيام دولة الكيان وبشرعية دولية.
وقد عزا الرئيس الأميركي نفسه تدخله المباشر ورعايته لوقف الحرب والعدوان على غزة وفرضه ما يشبه الوصاية على القرار الإسرائيلي، إلى أنه في بعض أسبابه يعود لتراجع المكانة التي وصلت إليها دولة الاحتلال، وهو الذي قطع على نفسه وعدا في القدس المحتلة وأمام سياسيي الكيان أن يعمل على إعادة تلك المكانة.
وباشر فعلا بخطوات متسارعة وعديدة، ومنها دعوته لرئيس اتحاد كرة القدم العالمي إلى المشاركة في اجتماع القادة في شرم الشيخ، في محاولة للتصدي لحملات المقاطعة العالمية بحرمان فريق دولة الاحتلال من المشاركة في المنافسة أسوة بما حصل مع روسيا.
ويأتي في ذات السياق، ما أعلن عنه نتنياهو نفسه في التعاقد مع منصات التواصل، ودفع أموال لتحسين صورة دولة الاحتلال.
ولا نحتاج لتعمق في الاستكشاف لنصل إلى أن الخطة الإسرائيلية المضادة، تعني الهجوم بكافة الوسائل المتاحة لديهم على كل ما هو فلسطيني، وما يقوي القضية من مصطلحات وأفراد مؤثرين سواء كانوا فلسطينيين أو من الداعمين من غيرهم، وأيضا على المؤسسات والعمل على تشويهها عالميا، كما هو حاصل مع وكالة الأونروا.
كل ذلك يتطلب تصديا حقيقيا بما تسمح به القوانين المحلية والقارية والدولية حول العالم، ويتطلب استنهاض طاقات الشعب الفلسطيني ومعه أبناء الأمة العربية والإسلامية وأحرار العالم حيث كانوا.
ضمان استدامة التضامن العالمي على الصعيدين؛ الرسمي والشعبي
وهنا تبرز التحولات العالمية الإيجابية على صعيد القضية الفلسطينية على المستويين؛ الرسمي والشعبي، وفي كافة المجالات السياسية والشعبية والقانونية والإعلامية، وفي مختلف القطاعات، وبامتداد نوعي لافت، حتى أضحت السردية الفلسطينية بأحرف الحقيقة، وتعرية التزييف الإسرائيلي الذي تسيّد العقل الجمعي الغربي، والعالمي عموما.
وهذا الدعم تمظهر بصور عديدة مذهلة وغير مسبوقة، وساعد الإعلام الجديد ومنصاته في التصاعد الحاد وتدعيم وتسيد القضية الفلسطينية المشهد في شق المظلمة، وفي المقابل الجرائم الإسرائيلية وبشاعتها، وكذا الحال في صور المظاهرات والأنشطة.
ويأتي امتدادا لذلك، المنحى القانونيُّ والملاحقات لدولة الاحتلال وسياسييها وجنودها.
وعلى المستوى السياسي من حكومات وبرلمانات وشخصيات، فإن حجم المقاطعة والوقوف بحزم أمام سياسة دولة الاحتلال قد تنامى.
هذا النمو ليس من السهل محوه سريعا، ولكنه يحتاج لرعاية ضمان استدامته، خاصة في ظل خطة دولة الاحتلال للتأثير عليه سلبا. وهنا يأتي دور الجهد الشعبي الفلسطيني للتجمعات الأهلية حول العالم، ودورها المحوري والحيوي في ذلك، وهذا يتطلب تنسيقا حيويا بينها عابرا للدول بل والقارات؛ لضمان قوة النفاذية والتأثير. ويحتاج التواصل مع الامتدادات العربية والإسلامية؛ لتوسيع الدائرة في ديمومة الحراك.
الوضع الداخلي الفلسطيني والمرجعية القيادية
التحدي المفصلي ذو الأولوية القصوى لدى الشعب الفلسطيني، هو المشهد القيادي والمرجعية التي تسيّر الشأن العام الفلسطيني، فإن محاولات التغييب والشطب للقضية تتجلى في العزلة والتهميش الحقيقي لقيادة السلطة والمنظمة، وهنا جاءت عناوين فرض الوصاية على الشعب الفلسطيني وسلبه سيادته على قراره، وهذا بلا شك نتيجة حتمية للضعف القيادي الفلسطيني، ولعل أحد الأسباب الرئيسية والجوهرية هو تغييب إرادة الشعب برمته في أن يختار قيادته، واختطاف القرار القيادي الفلسطيني، وتسيد منهج الانفراد وسياسة الإقصاء.
وهذا التحدي يكاد أن يكون عاملا مشتركا مع التحديات الستة السابقة، ويزيد صعوبة التعامل معها غياب الطرف الفلسطيني الرسمي والامتدادات الشعبية التي تعبر عن إرادة حقيقية، وهنا ندعو إلى الضغط العاجل من قبل كل القوى الحية في الشعب الفلسطيني: فصائل ومنظمات مجتمع مدني، وشخصيات مستقلة؛ للسعي لتشكيل جبهة وطنية فلسطينية عريضة انتقالية، تتعامل مع القضايا أعلاه وتتصدر المشهد، ومن أدوارها إعادة رسم الهيكل القيادي الفلسطيني، بما يشمل منظمة التحرير الفلسطينية، وهذا يتم بناء على أسس ديمقراطية تعتمد الانتخابات حيث أمكن.
وفي ذات السياق، فإن تشكيل مرجعيات قيادية محلية في الأقطار التي يتواجد عليها أبناء الشعب الفلسطيني- وهذا يتم بانتخابات لمن ارتضى تلك الصيغة- سيضمن هذا سرعة في تشكيل تلك المرجعيات عبر العالم للضغط بشكل حضاري تمثيلي باتجاه التعامل مع القضايا والتحديات الملحة، وأيضا باتجاه تغيير المشهد القيادي الكلي للشعب الفلسطيني في طريق مسيرة التحرير، والعودة الممتدة.