المسجد الأقصى في مهداف ساسة الاحتلال.. قراءة في تصاعد المشاركة الرسمية في اقتحامات الأقصى في عام 2025
علي إبراهيم
من الواضح أن أذرع الاحتلال تمضي قدمًا لحسم هوية المسجد الأقصى، والسعي إلى تحقيق قفزات في العدوان على المسجد، في سياق تحويل الوجود اليهودي في المسجد، من وجودٍ مؤقت إلى وجودٍ دائم، وقد شهد المسجد بالتزامن مع موسم الأعياد العبرية، وعيد “العُرش” على وجه الخصوص، جملةً من الاعتداءات، من بينها المشاركة السياسية في الاقتحامات، والتي وصلت إلى 21 اقتحامًا في الأشهر الماضية من عام 2025، وقد وثقت المقاطع المصورة أداء أعضاء “الكنيست” ووزراء في حكومة الاحتلال للطقوس اليهوديّة العلنية في ساحات المسجد الشرقية، وقد أعلن بن غفير خلال واحدٍ من هذه الاقتحامات “الانتصار” في الأقصى بحسب زعمه. ونسلط الضوء في هذا المقال على مشاركة السياسيين الإسرائيليين في اقتحامات الأقصى، ودورهم في التحريض ضده، وأبرز هذه المحطات في عام 2025.
كيف تتماهى الشخصيات السياسية مع العدوان على المسجد
استطاعت “منظمات المعبد” ترسيخ حضورها في البيئة السياسية الإسرائيليّة بشكلٍ متصاعد في السنوات الماضية، وتحولت من العلاقة مع السياسيين الإسرائيليين، إلى اختراق هذه البيئة من خلال شخصيات تتبنى أطروحاتها بشكلٍ مباشر، ومع تنوع أيديولوجيات السياسيين الإسرائيليين، ووجود فئات لا تهتم كثيرًا بقضية “المعبد”، ينقسم السياسيون الإسرائيليون الذين يتبنون أطروحات “منظمات المعبد” إلى قسمين، الأول أولئك الذين يشاركون في اقتحام المسجد الأقصى، بشكلٍ متكرر أو مرة على الأقل خلال وجودهم في المنصب السياسي، أما الثاني فهم الساسة الإسرائيليون الذين يحرضون ضد الأقصى ومكوناته البشريّة، ولكنهم لا يشاركون في الاقتحامات على اعتبارات دينيّة متعلقة بقضية التطهر، ومن أبرزهم وزير المالية في حكومة الاحتلال بتسلإيل سموتريتش.
وتشكل الاقتحامات السياسية للأقصى أبرز أدوات تفاعل هؤلاء الساسة مع تصاعد أطروحات اليمين المتطرف في دولة الاحتلال، ومع تصاعد الكتلة التي تحرض ضد الأقصى في البيئة السياسية الإسرائيلية، يظهر في المقابل تصاعد حجم هذه المنظمات وحضورها في الانتخابات، وسعي قادة الأحزاب الإسرائيلية إلى الحصول على دعم المنظمات المتطرفة خاصة واليمين الإسرائيلي بشكلٍ عام.
ومع ترسيخ الاقتحامات السياسية في السنوات الماضية، تتطور سلوك السياسيين الإسرائيليين في كيفية تماهيهم مع أطروحات “منظمات المعبد” ومخططاتها تجاه المسجد الأقصى، ويمكننا التركيز على عددٍ من المستويات، أولها المشاركة المباشرة من أعضاء “الكنيست” والوزراء في حكومة الاحتلال في اقتحام الأقصى، والاستفادة من الأعياد اليهوديّة لحشد المزيد من هذه المشاركات، وما يرافق هذه الاقتحامات من تحريضٍ مباشر ضد العنصر البشري الإسلامي، والمطالبة المتكررة بإنهاء دور دائرة الأوقاف الإسلامية.
ويحرص الساسة الإسرائيليين على التفاعل المستمر والمباشر مع مطالبات المنظمات المتطرفة، وخاصة تلك المتعلقة برفع حجم الاقتحامات، والأوقات المتاحة لاقتحام الأقصى، وما يرتبط بالاقتحامات من إفراغ للأقصى. وتحويل مخططات تقسيم الأقصى إلى قوانين في “الكنيست”، وآخرها مشروع القانون الذي أعده عضو “الكنيست” عميت هليفي، لتقسيم المسجد الأقصى مكانيًا، وما يتصل بهذه المخططات بالتأكيد على “حق اليهود” في الأقصى، وإرسال الرسائل إلى المقاومة في قطاع غزة، ووضع السيطرة على الأقصى موازيًا للانتصار في غزة بحسب زعمهم.
حصيلة الاقتحامات السياسية في عام 2025
شهدت أشهر عام 2025 تصاعدًا غير مسبوق في عدد الاقتحامات السياسية للأقصى وكثافتها، فقد بلغت ما بين 1/1/2025 و15/10/2025 نحو 22 اقتحامًا، وهو واحدٌ من أعلى السنوات، التي تشهد تصاعدًا في اقتحامات المسجد السياسية، وهي واحدة من مؤشرات تصاعد العدوان على المسجد، وما يترتب على هذه الاقتحامات من نتائج مرتبطة بترسيخ أداء الطقوس العلنية، والسماح بالرقص والغناء بقرارات مباشرة من المستوى السياسي الإسرائيلي.
وجاءت أولى الاقتحامات السياسيّة للأقصى في هذا العام، في 2/4/2025 من قبل وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير (القوة اليهوديّة)، ونشرت منظمات الاحتلال المتطرفة تسجيلًا مصورًا لأداء بن غفير طقوسًا علنية في ساحات الأقصى الشرقية، وجاء هذا الاقتحام قبل عدة أيام من اقتحامات الأقصى في عيد “الفصح” العبريّ. وكان ثاني اقتحامٍ لبن غفير في 26/5/2025، حين اقتحم الأقصى بالتزامن مع الذكرى العبرية لاحتلال الشطر الشرقي من القدس المحتلة، المعروفة عبريًا بـ”يوم توحيد القدس”، وشهد هذا الاقتحام مشاركة رسمية حاشدة، فإلى جانب بن غفير اقتحم المسجد كل من وزير شؤون النقب والجليل يتسحاق فاسرلاوف (القوة اليهوديّة)، وعددٌ من أعضاء “الكنيست” هم عميت هليفي (ليكود)، وأريئيل كيلنر (ليكود)، وتسيفي سوكوت (القوة اليهوديّة)، ويتسحاق كروزر (القوة اليهوديّة).
وإلى جانب المشاركة السياسيّة الحاشدة في هذا الاقتحام، شهدت هذه الذكرى جملة من الاعتداءات التي قام بها هؤلاء السياسيون، فقد سجل بن غفير مقطع فيديو في باحات المسجد الأقصى ونشره على منصة “إكس” قال فيه: “هناك في الواقع عدد كبير من اليهود يتدفقون إلى هنا، ومن الممتع أن نرى ذلك”، وأضاف: “اليوم، الحمد لله، أصبح من الممكن الصلاة هنا، والسجود هنا، نشكر الله على ذلك”، بحسب تعبيره. أما عضو “الكنيست” تسيفي سوكوت فقد رفع علم الاحتلال أمام مصلى قبة الصخرة، ونشر مقطعًا مصورًا، وهو يرفع العلم، ويقول “اليهود أكثر من العرب هنا، وهذا يحدث اليوم بفضل بن غفير وتغييره في الشرطة”، في إشارة إلى التغييرات التي أحدثها بن غفير، وفتح المجال أمام مزيدٍ من المستوطنين ليؤدوا طقوسهم العلنية في الأقصى.
وفي 11/6/2025 اقتحم بن غفير الأقصى للمرة العاشرة منذ توليه منصبه، ورافق بن غفير في الاقتحام عددٌ من كبار ضباط شرطة الاحتلال، وسط انتشارٍ أمني كثيف لعناصر الاحتلال الأمنية، وشهد هذا اليوم واحدةً من أخطر الإجراءات التي اتخذها بن غفير خلال أشهر 2025، فقد كشفت مصادر عبريّة بأن بن غفير وبّخ عناصر من شرطة الاحتلال رفضوا اقتحام مستوطنين للمسجد الأقصى وهم يغنون ويرقصون، وبحسب صحيفة “هآرتس” العبريّة، وبّخ بن غفير عددًا من كبار ضباط الشرطة الإسرائيلية بسبب تعاملهم مع عددٍ من مقتحمي الأقصى، وجاء التوبيخ على أثر “منع عناصر من الشرطة مجموعة من المصلين (المستوطنين) من الصعود إلى جبل المعبد وهم يغنون ويرقصون”.
وشكل “الفصح العبري” موسمًا لمشاركة السياسيين الإسرائيليين في اقتحام الأقصى وتدنيسه، ففي ثاني أيام هذا العيد في 14/4/2025 شارك عضو “الكنيست” عميت هاليفي في اقتحام الأقصى، ورافقه في الاقتحام الحاخام شمشون إلباوم. وفي 17/4/2025 بالتزامن مع خامس أيام “الفصح” العبري، اقتحم عضو “الكنيست” تسيفي سوكوت الأقصى، وأدى طقوسًا علنية من بينها “السجود الملحمي” الكامل قرب مصلى قبة الصخرة، وعلى أثر الاقتحام قال سوكوت في منشور على منصة “إكس” إنه “مع عظيم الامتنان للمعجزات والانتصارات ومع الصلاة من القلب من أجل عودة كل المختطفين وتحقيق نصر ساحق في الحرب”، وتفاعل مع الاقتحام وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، فقد نشرت وسائل إعلام عبريّة قول بن غفير بأنه “سعيد برؤية عضو الكنيست تسفي سوكوت، مثل آلاف آخرين، ينحني ويصلي أيضا في جبل المعبد” وأضاف “ما لم يُفعل خلال 30 عامًا، يتم في عهدي، وأنا سعيد لأنني كنت محظوظا بنعمة الله لقيادة هذا التغيير الضخم”، في إشارة إلى تصاعد أداء الطقوس العلنية في الأقصى برعاية رسمية إسرائيليّة.
وتزامنًا مع ذكرى “خراب المعبد” في 3/8/2025، شارك عددٌ من السياسيين الإسرائيليين في هذا الاقتحام، إلى جانب مئات المستوطنين الذين دنسوا المسجد الأقصى، فقد شارك فيه وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، وزير النقب والجليل يتسحاق فاسرلاوف، إلى جانب أعضاء “الكنيست” عميت هاليفي وأوشر شيكليم وشارن هسكل.
موجة من الاقتحامات السياسية في عيد “العرش” وبعده
لم تقف المشاركات السياسية الإسرائيلية عند الاقتحامات الماضية، بل شهد عيد “العرش” العبري عددًا من هذه الاقتحامات، ففي 8/10/2025 شارك في اقتحام الأقصى وزير الأمن الداخلي إيتمار بن غفير، وهو الاقتحام الثاني عشر منذ توليه منصبه، إلى جانب وزير التراث عميحاي إلياهو، كما شارك في الاقتحام عضو “الكنيست” يتسحاق كرويزر. وقد شاركوا في أداء الطقوس اليهوديّة العلنية، وكشفت مقاطع مصورة قيادة بن غفير لهذه الطقوس، وفي ذلك دلالة على عمق التبني الرسمي الإسرائيلي لهذه الاعتداءات، وأعلن بن غفير انتصارهم من داخل الأقصى بحسب زعمهم، وفي تسجيل مصور من داخل الأقصى قال بن غفير بأن “صور الأقصى في بيوت غزة لم تنفعهم”، وأن المستوطنين هم من يحسمون المعركة ويحققون النصر بزعمهم من خلال هذا الاقتحام والاستعراض.
وفي 12/10/2025 شارك في الاقتحام عضوا “الكنيست” تسيفي سوكوت الذي استعرض القرابين النباتية، وعاميت هاليفي، الذي التقط صورًا من داخل الأقصى وشهد هذا اليوم مشاركة استيطانية حاشدة في هذه الاقتحامات. وفي 14/10/2025 شارك بن غفير في اقتحام الأقصى، وهو اقتحامه الثاني في أقل من أسبوع، ليصل مجموع مرات اقتحامه للمسجد منذ السابع من أكتوبر 2023 إلى 11 مرة، و15 مرة منذ تشكيل الحكومة الإسرائيلية الحالية،
أبعاد هذا التصاعد في الأشهر الماضية
ويحمل ارتفاع عدد الاقتحامات السياسيّة للأقصى خلال نحو عشرة أشهر، دلالات بالغة الأهمية والخطورة، تؤكد موقع العدوان على الأقصى في سياق العدوان على القدس وكل فلسطين، وإصرار السياسيين الإسرائيليين على تمرير الرسائل من بوابة العدوان على المسجد، وفيما يأتي أبرز أبعاد هذا العدوان:
ترسيخ “السيادة الإسرائيلية” على المسجد الأقصى كرسالة سياسية، تمهيدًا لترسيخ التقسيم الزماني، والانتقال إلى التقسيم المكاني، واستخدام الاقتحامات السياسية أداةً لفرض واقع جديد في الأقصى، من خلال الوجود المكثف لوزراء وأعضاء “الكنيست”، وما يتصل بهذا الحضور من أداء الطقوس اليهوديّة العلنية.
قدرة أذرع الاحتلال التهويديّة على تجاوز الحروب التي خاضها الاحتلال والمضي قدمًا في حشد المستوطنين في اقتحام الأقصى، وانعكاس هذا التصاعد على المشاركة السياسية، وما يرتبط بها بالتحريض على المسجد ودائرة الأوقاف، خاصةً أن المشاركة الفاعلة للسياسيين تُحفز جمهور المستوطنين على المشاركة في العدوان على الأقصى، من خلال إرسال رسالة بأن تدنيس المسجد مدعومٌ رسميًا، ومحصّن بطبيعة الحال قانونيًا وأمنيًا.
ربط الاعتداء على الأقصى بسياق المواجهة مع المقاومة الفلسطينية في غزة، وإصرار المقتحمين من السياسيين على ربط الموضوعين، وهذا ما يُظهر أن الاعتداء على الأقصى أصبح جزءًا من الرد الرسمي الإسرائيلي على المقاومة.
وفي سياق متصل بالنقطة السابقة، ومع استمرار العدوان على غزة، وعدم قدرة الاحتلال على حسم الحرب، لا من خلال اتفاق شامل مع المقاومة، أو من خلال “نصر عسكري” حاسم، تستخدم الأطراف اليمينية المتطرفة في الحكومة الإسرائيلية المسجد الأقصى مجالًا بديل لتحقيق “انتصارات رمزية”، لتعويض العجز في تحقيق نصر عسكري حاسم في غزة، أو وقف التصعيد في الجبهات الأخرى.
علي إبراهيم
من الواضح أن أذرع الاحتلال تمضي قدمًا لحسم هوية المسجد الأقصى، والسعي إلى تحقيق قفزات في العدوان على المسجد، في سياق تحويل الوجود اليهودي في المسجد، من وجودٍ مؤقت إلى وجودٍ دائم، وقد شهد المسجد بالتزامن مع موسم الأعياد العبرية، وعيد “العُرش” على وجه الخصوص، جملةً من الاعتداءات، من بينها المشاركة السياسية في الاقتحامات، والتي وصلت إلى 21 اقتحامًا في الأشهر الماضية من عام 2025، وقد وثقت المقاطع المصورة أداء أعضاء “الكنيست” ووزراء في حكومة الاحتلال للطقوس اليهوديّة العلنية في ساحات المسجد الشرقية، وقد أعلن بن غفير خلال واحدٍ من هذه الاقتحامات “الانتصار” في الأقصى بحسب زعمه. ونسلط الضوء في هذا المقال على مشاركة السياسيين الإسرائيليين في اقتحامات الأقصى، ودورهم في التحريض ضده، وأبرز هذه المحطات في عام 2025.
كيف تتماهى الشخصيات السياسية مع العدوان على المسجد
استطاعت “منظمات المعبد” ترسيخ حضورها في البيئة السياسية الإسرائيليّة بشكلٍ متصاعد في السنوات الماضية، وتحولت من العلاقة مع السياسيين الإسرائيليين، إلى اختراق هذه البيئة من خلال شخصيات تتبنى أطروحاتها بشكلٍ مباشر، ومع تنوع أيديولوجيات السياسيين الإسرائيليين، ووجود فئات لا تهتم كثيرًا بقضية “المعبد”، ينقسم السياسيون الإسرائيليون الذين يتبنون أطروحات “منظمات المعبد” إلى قسمين، الأول أولئك الذين يشاركون في اقتحام المسجد الأقصى، بشكلٍ متكرر أو مرة على الأقل خلال وجودهم في المنصب السياسي، أما الثاني فهم الساسة الإسرائيليون الذين يحرضون ضد الأقصى ومكوناته البشريّة، ولكنهم لا يشاركون في الاقتحامات على اعتبارات دينيّة متعلقة بقضية التطهر، ومن أبرزهم وزير المالية في حكومة الاحتلال بتسلإيل سموتريتش.
وتشكل الاقتحامات السياسية للأقصى أبرز أدوات تفاعل هؤلاء الساسة مع تصاعد أطروحات اليمين المتطرف في دولة الاحتلال، ومع تصاعد الكتلة التي تحرض ضد الأقصى في البيئة السياسية الإسرائيلية، يظهر في المقابل تصاعد حجم هذه المنظمات وحضورها في الانتخابات، وسعي قادة الأحزاب الإسرائيلية إلى الحصول على دعم المنظمات المتطرفة خاصة واليمين الإسرائيلي بشكلٍ عام.
ومع ترسيخ الاقتحامات السياسية في السنوات الماضية، تتطور سلوك السياسيين الإسرائيليين في كيفية تماهيهم مع أطروحات “منظمات المعبد” ومخططاتها تجاه المسجد الأقصى، ويمكننا التركيز على عددٍ من المستويات، أولها المشاركة المباشرة من أعضاء “الكنيست” والوزراء في حكومة الاحتلال في اقتحام الأقصى، والاستفادة من الأعياد اليهوديّة لحشد المزيد من هذه المشاركات، وما يرافق هذه الاقتحامات من تحريضٍ مباشر ضد العنصر البشري الإسلامي، والمطالبة المتكررة بإنهاء دور دائرة الأوقاف الإسلامية.
ويحرص الساسة الإسرائيليين على التفاعل المستمر والمباشر مع مطالبات المنظمات المتطرفة، وخاصة تلك المتعلقة برفع حجم الاقتحامات، والأوقات المتاحة لاقتحام الأقصى، وما يرتبط بالاقتحامات من إفراغ للأقصى. وتحويل مخططات تقسيم الأقصى إلى قوانين في “الكنيست”، وآخرها مشروع القانون الذي أعده عضو “الكنيست” عميت هليفي، لتقسيم المسجد الأقصى مكانيًا، وما يتصل بهذه المخططات بالتأكيد على “حق اليهود” في الأقصى، وإرسال الرسائل إلى المقاومة في قطاع غزة، ووضع السيطرة على الأقصى موازيًا للانتصار في غزة بحسب زعمهم.
حصيلة الاقتحامات السياسية في عام 2025
شهدت أشهر عام 2025 تصاعدًا غير مسبوق في عدد الاقتحامات السياسية للأقصى وكثافتها، فقد بلغت ما بين 1/1/2025 و15/10/2025 نحو 22 اقتحامًا، وهو واحدٌ من أعلى السنوات، التي تشهد تصاعدًا في اقتحامات المسجد السياسية، وهي واحدة من مؤشرات تصاعد العدوان على المسجد، وما يترتب على هذه الاقتحامات من نتائج مرتبطة بترسيخ أداء الطقوس العلنية، والسماح بالرقص والغناء بقرارات مباشرة من المستوى السياسي الإسرائيلي.
وجاءت أولى الاقتحامات السياسيّة للأقصى في هذا العام، في 2/4/2025 من قبل وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير (القوة اليهوديّة)، ونشرت منظمات الاحتلال المتطرفة تسجيلًا مصورًا لأداء بن غفير طقوسًا علنية في ساحات الأقصى الشرقية، وجاء هذا الاقتحام قبل عدة أيام من اقتحامات الأقصى في عيد “الفصح” العبريّ. وكان ثاني اقتحامٍ لبن غفير في 26/5/2025، حين اقتحم الأقصى بالتزامن مع الذكرى العبرية لاحتلال الشطر الشرقي من القدس المحتلة، المعروفة عبريًا بـ”يوم توحيد القدس”، وشهد هذا الاقتحام مشاركة رسمية حاشدة، فإلى جانب بن غفير اقتحم المسجد كل من وزير شؤون النقب والجليل يتسحاق فاسرلاوف (القوة اليهوديّة)، وعددٌ من أعضاء “الكنيست” هم عميت هليفي (ليكود)، وأريئيل كيلنر (ليكود)، وتسيفي سوكوت (القوة اليهوديّة)، ويتسحاق كروزر (القوة اليهوديّة).
وإلى جانب المشاركة السياسيّة الحاشدة في هذا الاقتحام، شهدت هذه الذكرى جملة من الاعتداءات التي قام بها هؤلاء السياسيون، فقد سجل بن غفير مقطع فيديو في باحات المسجد الأقصى ونشره على منصة “إكس” قال فيه: “هناك في الواقع عدد كبير من اليهود يتدفقون إلى هنا، ومن الممتع أن نرى ذلك”، وأضاف: “اليوم، الحمد لله، أصبح من الممكن الصلاة هنا، والسجود هنا، نشكر الله على ذلك”، بحسب تعبيره. أما عضو “الكنيست” تسيفي سوكوت فقد رفع علم الاحتلال أمام مصلى قبة الصخرة، ونشر مقطعًا مصورًا، وهو يرفع العلم، ويقول “اليهود أكثر من العرب هنا، وهذا يحدث اليوم بفضل بن غفير وتغييره في الشرطة”، في إشارة إلى التغييرات التي أحدثها بن غفير، وفتح المجال أمام مزيدٍ من المستوطنين ليؤدوا طقوسهم العلنية في الأقصى.
وفي 11/6/2025 اقتحم بن غفير الأقصى للمرة العاشرة منذ توليه منصبه، ورافق بن غفير في الاقتحام عددٌ من كبار ضباط شرطة الاحتلال، وسط انتشارٍ أمني كثيف لعناصر الاحتلال الأمنية، وشهد هذا اليوم واحدةً من أخطر الإجراءات التي اتخذها بن غفير خلال أشهر 2025، فقد كشفت مصادر عبريّة بأن بن غفير وبّخ عناصر من شرطة الاحتلال رفضوا اقتحام مستوطنين للمسجد الأقصى وهم يغنون ويرقصون، وبحسب صحيفة “هآرتس” العبريّة، وبّخ بن غفير عددًا من كبار ضباط الشرطة الإسرائيلية بسبب تعاملهم مع عددٍ من مقتحمي الأقصى، وجاء التوبيخ على أثر “منع عناصر من الشرطة مجموعة من المصلين (المستوطنين) من الصعود إلى جبل المعبد وهم يغنون ويرقصون”.
وشكل “الفصح العبري” موسمًا لمشاركة السياسيين الإسرائيليين في اقتحام الأقصى وتدنيسه، ففي ثاني أيام هذا العيد في 14/4/2025 شارك عضو “الكنيست” عميت هاليفي في اقتحام الأقصى، ورافقه في الاقتحام الحاخام شمشون إلباوم. وفي 17/4/2025 بالتزامن مع خامس أيام “الفصح” العبري، اقتحم عضو “الكنيست” تسيفي سوكوت الأقصى، وأدى طقوسًا علنية من بينها “السجود الملحمي” الكامل قرب مصلى قبة الصخرة، وعلى أثر الاقتحام قال سوكوت في منشور على منصة “إكس” إنه “مع عظيم الامتنان للمعجزات والانتصارات ومع الصلاة من القلب من أجل عودة كل المختطفين وتحقيق نصر ساحق في الحرب”، وتفاعل مع الاقتحام وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، فقد نشرت وسائل إعلام عبريّة قول بن غفير بأنه “سعيد برؤية عضو الكنيست تسفي سوكوت، مثل آلاف آخرين، ينحني ويصلي أيضا في جبل المعبد” وأضاف “ما لم يُفعل خلال 30 عامًا، يتم في عهدي، وأنا سعيد لأنني كنت محظوظا بنعمة الله لقيادة هذا التغيير الضخم”، في إشارة إلى تصاعد أداء الطقوس العلنية في الأقصى برعاية رسمية إسرائيليّة.
وتزامنًا مع ذكرى “خراب المعبد” في 3/8/2025، شارك عددٌ من السياسيين الإسرائيليين في هذا الاقتحام، إلى جانب مئات المستوطنين الذين دنسوا المسجد الأقصى، فقد شارك فيه وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، وزير النقب والجليل يتسحاق فاسرلاوف، إلى جانب أعضاء “الكنيست” عميت هاليفي وأوشر شيكليم وشارن هسكل.
موجة من الاقتحامات السياسية في عيد “العرش” وبعده
لم تقف المشاركات السياسية الإسرائيلية عند الاقتحامات الماضية، بل شهد عيد “العرش” العبري عددًا من هذه الاقتحامات، ففي 8/10/2025 شارك في اقتحام الأقصى وزير الأمن الداخلي إيتمار بن غفير، وهو الاقتحام الثاني عشر منذ توليه منصبه، إلى جانب وزير التراث عميحاي إلياهو، كما شارك في الاقتحام عضو “الكنيست” يتسحاق كرويزر. وقد شاركوا في أداء الطقوس اليهوديّة العلنية، وكشفت مقاطع مصورة قيادة بن غفير لهذه الطقوس، وفي ذلك دلالة على عمق التبني الرسمي الإسرائيلي لهذه الاعتداءات، وأعلن بن غفير انتصارهم من داخل الأقصى بحسب زعمهم، وفي تسجيل مصور من داخل الأقصى قال بن غفير بأن “صور الأقصى في بيوت غزة لم تنفعهم”، وأن المستوطنين هم من يحسمون المعركة ويحققون النصر بزعمهم من خلال هذا الاقتحام والاستعراض.
وفي 12/10/2025 شارك في الاقتحام عضوا “الكنيست” تسيفي سوكوت الذي استعرض القرابين النباتية، وعاميت هاليفي، الذي التقط صورًا من داخل الأقصى وشهد هذا اليوم مشاركة استيطانية حاشدة في هذه الاقتحامات. وفي 14/10/2025 شارك بن غفير في اقتحام الأقصى، وهو اقتحامه الثاني في أقل من أسبوع، ليصل مجموع مرات اقتحامه للمسجد منذ السابع من أكتوبر 2023 إلى 11 مرة، و15 مرة منذ تشكيل الحكومة الإسرائيلية الحالية،
أبعاد هذا التصاعد في الأشهر الماضية
ويحمل ارتفاع عدد الاقتحامات السياسيّة للأقصى خلال نحو عشرة أشهر، دلالات بالغة الأهمية والخطورة، تؤكد موقع العدوان على الأقصى في سياق العدوان على القدس وكل فلسطين، وإصرار السياسيين الإسرائيليين على تمرير الرسائل من بوابة العدوان على المسجد، وفيما يأتي أبرز أبعاد هذا العدوان:
ترسيخ “السيادة الإسرائيلية” على المسجد الأقصى كرسالة سياسية، تمهيدًا لترسيخ التقسيم الزماني، والانتقال إلى التقسيم المكاني، واستخدام الاقتحامات السياسية أداةً لفرض واقع جديد في الأقصى، من خلال الوجود المكثف لوزراء وأعضاء “الكنيست”، وما يتصل بهذا الحضور من أداء الطقوس اليهوديّة العلنية.
قدرة أذرع الاحتلال التهويديّة على تجاوز الحروب التي خاضها الاحتلال والمضي قدمًا في حشد المستوطنين في اقتحام الأقصى، وانعكاس هذا التصاعد على المشاركة السياسية، وما يرتبط بها بالتحريض على المسجد ودائرة الأوقاف، خاصةً أن المشاركة الفاعلة للسياسيين تُحفز جمهور المستوطنين على المشاركة في العدوان على الأقصى، من خلال إرسال رسالة بأن تدنيس المسجد مدعومٌ رسميًا، ومحصّن بطبيعة الحال قانونيًا وأمنيًا.
ربط الاعتداء على الأقصى بسياق المواجهة مع المقاومة الفلسطينية في غزة، وإصرار المقتحمين من السياسيين على ربط الموضوعين، وهذا ما يُظهر أن الاعتداء على الأقصى أصبح جزءًا من الرد الرسمي الإسرائيلي على المقاومة.
وفي سياق متصل بالنقطة السابقة، ومع استمرار العدوان على غزة، وعدم قدرة الاحتلال على حسم الحرب، لا من خلال اتفاق شامل مع المقاومة، أو من خلال “نصر عسكري” حاسم، تستخدم الأطراف اليمينية المتطرفة في الحكومة الإسرائيلية المسجد الأقصى مجالًا بديل لتحقيق “انتصارات رمزية”، لتعويض العجز في تحقيق نصر عسكري حاسم في غزة، أو وقف التصعيد في الجبهات الأخرى.