التربية والتعليم في زمن التحولات القيمية والأخلاقية

الدكتور صالح نصيرات

  • السبت 13, أغسطس 2022 10:42 ص
  • التربية والتعليم في زمن التحولات القيمية والأخلاقية
من المهم والضروري لكل من يعمل في حقل التربية والتعليم أن يدرك التحولات الكثيرة التي طرأت على مجمل العميلة التربوية – التعليمية. والتحولات التي نشهدها اليوم تتطلب من المهتمين بهذا المجال الحيوي إعادة النظر في كثير من الممارسات والأساليب والمناهج والظروف التي سيعيشها الطالب.

والواضح أن التعليم اليوم قد أخذ منحا خطيرا لأنه يؤسس لمنظومة قيمية جديدة تستند إلى رؤية للعالم تختلف عن الرؤية الدينية للحياة اختلافا كبيرا. فالرؤية الجديدة-القديمة ترفض بشكل كامل الرؤية الإسلامية التي بنيت على أساسها المجتمعات العربية و الإسلامية، واصبحت عبر القرون هي المرجعية التي اتفق عليها المسلمون منذ أن ظهر الإسلام في بلاد العرب. 
وتتخلص الرؤية الجديدة برفض تدخل الدين والقيم التي تتخذ منه مرجعيتها الأساسية. في الحياة. فالمرجعية الجديدة  المتأثرة بالعلمانية الغربية واللبرالية تقيم الحياة على نظريات وفلسفات ظهرت في الغرب الأوروبي في عصر "التنوير"، أي العصر الذي تم فيه حذف الدين وإخراجه من الحياة بسبب الظروف التي نعرفها عن الصراع بن الكنيسة والعلم.
ولأن غالبية من يتحكم في حياة العرب والمسلمين حكومات علمانية اتخذت من الغرب ونظرياته كنظرية دارون في نسختها الاجتماعة والبيولوجية وأفكاره في الحياة مرجعا لها، فإن المتوقع منها أن تستمر في استلهامها لتلك الأفكار، وإعادة صياغة الحياة في المجتمعات العربية و الإسلامية على نهج غرب علماني لا يابه للإسلام عقيدة وشريعة ومنهج حياة.  وما نراه اليوم من هجمة في التعليم، والإعلام، ومنظمات المجتمع المدني على القيم الإسلامية التي كان يتم غرسها من خلال التعليم، ومؤسسة الأسرة، و المسجد والإعلام  يترجم بشكل لا لبس تلك الرؤية  لعلمانية شمولية لا تحترم الدين ولا رموزه، ومستعدة أن تفعل كل ما يمكن مستخدمة سطوة الحكام العلمانيين وموظفيهم الذين يخدمون تلك النقلة بإخلاص وتفان.
ولذلك نرى الهجمة على تلك المؤسسات بدعاوى باطلة لا أساس لها من الصحة. فتارة يزعمون أنهم يريدون التقدم والتحديث والتطوير، وتارة يتهمون كل ما هو إسلامي بأنه يدعو إلى التطرف والغلو ومن ثم الإرهاب. ولذلك تم منح الوزارات والمؤسسات الدينية والثقافية  والتعليم والتربية إلى شحصيات معروفة بالغلو والتطرف العلماني الذي يعتقد بأن الدين سبب التخلف وهذا الأمر ليس اتهاما بل سمعناه في جلساتهم ومواقعهم المختلفة عندما عملنا مع بعضهم في بلاد عربية مختلفة. كما استخدمت وبشكل منظم ومتسق فئة من المرتبطين بمؤسسات ومنظمات غربية وحتى صهيونية في حملتها لتغيير المفاهيم الإسلامية الصحيحة، واخترعت لنا مفاهيم جديدة ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب. ولقد ترسخت لديّ قناعة من خلال التجربة والمعايشة في العمل التربوي على مدى اربعة عقود  مع أفراد من تلك الفئة أن لهم مهمة واضحة ومحددة هي تقديم مفاهيم وقيم حداثية لسلخ المجتمعات المسلمة والعربية عن دينها ولغتها وأسلوب حياتها الخاص. فضلا عن تقدم تعليم مدرسي وجامعي صرفت عليه المليارات للشركات الأمريكية و الأوروبية و الاسترالية والنيوزلندية كما شهدت بنفس في دول لم يستطع ذلك التعليم المكلف ماليا أن يطور بلدا عربيا واحدا. أما قصة الترتيب العالمي لدول معينة من بلاد العرب، فمن لديه معرفة ببواطن الأمور يعرف أن تلك المواقع في الترتيب يتم شراؤها بثمن معلوم. والدليل على ذلك أن المتعلمين في تلك الدول لم يقدموا براءة اختراع واحدة، أو حتى نظرية أو فكرة جديدة لأوطانهم أو للعالم. ويعرفكل من عمل في تلك الدول كيف تتدخل الجهات الحكومة لرفع نتائج الطلبة دون وجه حق. ولذلك همهم الأكبر هو مسح الهوية العربية الإسلامية بتوصات راند وكارنغي ومؤسسات تربوية معروفة بعدم إخلاصها للغة العربية أو الدين أوالقيم الإلهية، من خلال ما يقدمونه من تعليم يحض على التسامح مع العدو في الدين والمحتل للأرض باسم نشر السلام.
ولأن معظم المسؤلين العرب ليسوا أكثر من بيروقراطيين، لا يفقهون في دين أو ثقافة أوعلم، فقد استعانوا بأصحاب الفكر المنحرف من اليسار المتعلمن واليمين المتخلف المتمثل في رجال دين لايتقون الله سبحانه، ولا هم لهم سوى منصب أو جاه. 
إن إعداد المعلم والمنهاج وتطوير أدوات التقويم يخضع اليوم لأطر فكرية ومناهج تفكير همها الأكبر هو أن يكون المعلم بلا قيم، والمناهج خلو من الدين وقيمه، والأسرة بلا دور في التربية والتعليم،  وتكبيلها بقوانين يشرعها  حفنة من الجهلة يتم استغلالهم من قبل أصحاب القرار لتحقيق الأجندات العلمانية. 
إن أبناءنا مقبلون على أيام عصيبة، فهم لن يتلقوا تعليما مناسبا ينمي لديهم التمسك بالعبادات الإسلامية والاهتمام باللغة العربية في التحدث أو الكتابة ليصبحوا أقرب إلى الأعاجم، ولا الاعتزاز بالدين لأن ذلك في نظر واضعي السياسات التربوية عنصرية بغيضة  وتمييز يعاقبون عليه، ولا احترام لخصوصياتهم الثقافية، وتعليما يحضهم على التسامح مع العدو المحتل، والمتطرفين من أصحاب المذاهب والملل التي تقتل إخواننا علنا دون احترام أو تسامح كما يحصل في الهند وبورما والصين وفلسطين. وسيتلقون تعليما لا ينمي مهارات تناسب سوق العمل، أو المهارات الضرورية  لمتابعة ما يجري في ميادين العلم والمعرفة. وما تسمعونه من المسؤلين الذين تفرضهم مؤسسات دولية كالبنك الدولي وسفارات غربية، ليس إلا تدليسا وجعجعة مدفوعة الثمن.