خاطرة (قِصَّة تصفية شركة) ..

الدكتور عبدالله المشوخي

  • الثلاثاء 22, مارس 2022 01:38 ص
  • خاطرة (قِصَّة تصفية شركة) ..
كان يا مكان في قديم الزَّمان رجل فقير الحال يعمل عتّالًا عند تاجر موسر، يحمل بضاعته على ظهره بواسطة حبل إلى سائر المحلَّات الأخرى مقابل أجرة زهيدة.
خاطرة (قِصَّة تصفية شركة).
 
 الدكتور عبدالله المشوخي.


كان يا مكان في قديم الزَّمان رجل فقير الحال يعمل عتّالًا عند تاجر موسر، يحمل بضاعته على ظهره بواسطة حبل إلى سائر المحلَّات الأخرى مقابل أجرة زهيدة.

بعد سنوات، مات التَّاجر وقام أبناؤه بدفنه في فسقيَّة (غرفة تُبنى تحت الأرض من أجل دفن الموتى ولها فتحة صغيرة).

نزل العتَّال مع الجثمان كي يضعه بجوار الموتى، وفي خِضَّم الحُزن غادر الجميع بعد أنْ تمَّ إغلاق فتحة الفسقيَّة على العتَّال.

بعد يومين، تذكَّر أحد أبناء التَّاجر العتَّال، فأسرع إلى الفسقيَّة وفتحها فوجد العتَّال مغمى عليه في الدَّاخل فأخرجه، وبعد أن تعافى أخذ يسأله عمَّا حدث داخل الفسقيَّة، فقال لهم (ياويل أبوكم! يا ويل أبوكم!) اندهش الأبناء وقالوا بلهفة "ماذا رأيت ؟ وماذا سمعت؟" قال: "جاءني ملكان وأخذا يسألاني ماذا تملك؟ قُلت: حبلاً، قالوا ومن أين الحبل؟ وهل ضرَبْت به أحداً؟ وهل حملت به شيئًا مُحرَّما؟ أو مغشوشًا؟ وهل أوزان الأثقال التي كنت تحمِلُها بالحبل وافية وغير منقوصة؟ وهل وهل؟"
ثم قال: "لقد عِشْت في رعب من أجل أسئلة تدور حول ملكيَّة حبل لا يزيد عن نصف متر، فكيف بمساءلة والدكم الذي كان يملِكُ بضاعة متعدِّدة الأصناف ومخازن وعقارات... إلخ ؟".

ما حدث مع العتَّال حدث ما يشابهه معي، ففي يومٍ فكَّرت أن أبنيَ بنايةً مكوَّنة من عِدَّة شُقق كي أبيعها، ونصَحني المُقاول بترخيص شركة بناء كي أتجنَّب دفع ضريبة عند بيع الشُّقق، وبالفعل قُمتُ بترخيص اسم شركة بناء من قِبَل وزارة الصِّناعة والتِّجارة، ثمَّ بعد أيَّام وبعد تفكيرٍ عميق عَدلْتُ عن الموضوع بِرُمَّته وقرَّرت عدم المُضيِّ فيه وغادرت إلى عملي في السّعوديَّة، وبعد عشر سنوات أخبرني ابني أنَّ لي شركة مسجَّلة باسمي ومكتوب أمامها (موقوفة) ، لم أكترث بالموضوع ولكن استشرتُ بعض الخبراء فنصحوني بتصفية الشَّركة التي لم تر النُّور ولم أخطُ بها خطوة واحدة.

ذهبت إلى وزارة الصِّناعة والتِّجارة وشرَحْتُ لهم الوضع، فقالوا لي: قدِّم طلباً لتصفية الشَّركة ويجب عليك أن تُحضر براءة ذِمَّة من الجهات التَّالية:

أمانة العاصمة.

 الضَّمان الاجتماعيّ.

 ضريبة الدَّخل.

 وزارة الصِّناعة والتِّجارة.

 إعلانان في الجريدة.

بدأتُ برحلة الحصول على براءات الذِّمة المُتعدِّدة من جهات عِدَّة واستمرَّ العمل لعدَّة أيَّام وأنا أتنقَّل بين دائرة لأخرى ولا أبالغ إن قلتُ أنني راجَعتُ عشرات المُوظَّفين بين تدقيق وتوقيع وشروحات وأختام ودفع رسوم و و و إلخ...

في نهاية المَطاف، حصلْتُ على براءة ذِمَّة لشركة لم ترَ النُّور؛ حملْتُ ورقة البراءة وتساءَلْت، كيف لأصحاب الشَّركات الكبرى ممَّن لديهم سِجلَّات تجاريَّة وبناياتٍ وعُمَّال وسيَّارات وتصدير واستيراد..... إلخ.

 كيف سيحصلون هؤلاء على براءة ذمَّة إن أرادوا ذلك؟

وكيف سيحصل (بعضهم) على براءة ذِمَّة يوم القيامة كي ينجو من عذاب ما اقترف من مُحرَّمات تجاريَّة من غِشٍّ وتدليس واحتكار و رِبا وأكل أموال النَّاس بالباطل وظلمهم للعُمَّال، ذاك يوم تتطلَّب البراءة فيه شهادة الشُّهود من ملائكة و رُسل وأرضٍ كنَّا نعيش عليها وأعضاء جسدنا من يدٍ و رجلٍ وفخذ وسائر الجوارح وكتابٍ لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلَّا أحصاها.

ختامًا، أسأل الله العليَّ القدير أن يجعل حسابنا يوم القيامة حسابًا يسيرًا و يُوفِّقنا لكلِّ عملٍ صالح كي تكون شهادة الشُّهود خيرًا لنا يوم يقوم الأشهاد.