هبة القدس والاقصى في عامها الواحد والعشرين .. الأستاذ صالح لطفي

الأستاذ صالح لطفي صالح بعير

  • الأربعاء 29, سبتمبر 2021 02:52 م
  • هبة القدس والاقصى في عامها الواحد والعشرين .. الأستاذ صالح لطفي
في هذه الأيام تمر على مجتمعاتنا الفلسطينية الذكرى والواحدة والعشرين لهبة القدس والاقصى والانتفاضة الثانية وهي فترة كفيلة بتقديم مراجعات وفهم أعمق للصيرورات التي حدثت في تلكم اللحظات كما انها فرصة لكتابة التاريخ مجددا وكان مركز الدراسات المعاصرة قد اصدر كتابين عن هذه الهبة الأول كان مباشرة بعد الهبة أي في عام 2001 والثاني عام 2005 وفيه توثيق دقيق للأحداث وشهادات مباشرة وتسجيل للبيانات التي صدرت في تلكم المرحلة مما يعني اننا امام مصدر ثرِّ وثقَّ هذه اللحظة التاريخية- وكانت هذه المؤسسة قد عملت على مدار سنوات على توثيق النكبة شفويا من افواه من عايشها في الداخل والشتات ووقعت هذه التوثيقات في خمىسة عشرة مجلدا صدر منها أربعة مجلدات ووقع الباقي تحت سيطرة المؤسسة الاسرائيلية التي صادرت كافة أوراق وابحاث وسجلات هذه المؤسسة – يمكن أن يؤسس قاعدة علمية دقيقة لتوثيق تلكم اللحظات وقراءتها على ضوء العديد من المعارف الإنسانية ، ولا أخال واحد فعل ذلك بمثل هذه السرعة بمثل هذه المؤسسة البحثية التي حُظِرَتْ كما حظرت العديد من المؤسسات المتماهية مع فكر وقيم الحركة الإسلامية التي قادها فضيلة الشيخ رائد صلاح حفظه الله وقرب فرجه.
تَشَكَل التاريخ الفلسطيني منذ ان وطأت بساطير الاحتلال البريطاني الأرض المباركة من صراع لا يتوقف مع  هذا الاحتلال  ووريثه الصهيوني ومن ثم الإسرائيلي وقد تكون هذا الصراع من سلسلة من الانتفاضات والهبات والمواجهات استعملت كل ما تيسر من أساليب النضال والكفاح ودخلت منذ اللحظة الأولى في صراع دموي معه ولا يزال الشعب الفلسطيني يُصارع الاحتلال ويدافعه ولمَا يتوقف للحظة واحدة رغم عديد الخسارات التي مُنيَّ بها بفضل بعض القيادات  التي سيكتب التاريخ عارها ، ويقع في هذه السلسة الانتفاضة الثانية التي تعتبر وبحق الحدث المُؤسس الثالث في التاريخ الفلسطيني بعد النكبة  واتفاقية أوسلو  وتعتبر هبة القدس والاقصى في الداخل الفلسطيني جزءا من هذه الانتفاضة ولإن افترقت عنها في عديد القضايا والبيانات وهي مسألة آن الأوان للمؤرخين وعلماء الاجتماع والسياسة دراستها من ضمن دراسات الراهن الفلسطيني وصيروراته النضالية.
القيم الثالثة الناظمة للوجود الفلسطيني بعد الهبة..
هبة القدس والاقصى في الداخل الفلسطيني أسست لثلاثة قيم ترسخت مع مرور الوقت في المجتمع الفلسطيني في الداخل الفلسطيني اما القيمة الأولى فهي العلاقة مع المسجد الأقصى المُبارك فقد تحول من مجرد علاقة روتينية-تعبدية الى قيمة قائمة بذاتها  شكلت معطى أساس في الهوية الجامعة للفلسطينيين  في الداخل فقد استحال المسجد الأقصى الى قَسَمة مركزية واساس من البناء الهوياتي للفلسطيني في الداخل الفلسطيني وتحول المسجد الأقصى الى حالة مقدسة تعبر عن الذات والوجود الفلسطيني  والرسوخ والبقاء الأبدي على هذه الاض المقدسة بغض النظر عن أيديولوجيته السياسية وأما القيمة التالية فهي أننا جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني والكل الفلسطيني في فلسطين الانتدابية والشتات وهذه القيمة في حقيقتها العملية تأكيد على العودة الى مربع ما قبل النكبة وهو ما يعني اننا كفلسطينيين في الداخل نتجاوز الراهن السياسي بكل تعقيداته وألامه  معتقدين بوجود شعب فلسطيني فرقه الاستعمار الإسرائيلي والخيانات العربية والاستقواء الامبريالي الكوني علينا وهذه الحقيق لطمت وجود عرابي أوسلو الذين وافقوا على نزعنا عن الكل الفلسطيني وتركنا كحالة إسرائيلية تستفرد بها اسرئيل التي رأت  ولا تزال فينا الخطر الاستراتيجي وهذه القيمة تتعزز باستمرار والمبادر اليها نحن أبناء الداخل الفلسطيني  والمبادرة تكون على اكثر من جهة وصعيد ومن نافلة القول الإشارة على سبيل المثال لا الحصر الى الدعم الذي قدمه أبناء الداخل الفلسطيني الى أهلهم من الفلسطينيين المنكوبين بعد تفجيرات ميناء بيروت في العام الماضي ، واما القيمة الثالثة التي تركت اثارها هذه الهبة المباركة  في جموع الداخل الفلسطيني خاصة العنصر الشبابي فهي انتفاء وللأبد وازع الخوف والهيبة من المؤسسة الاسرايلية وأجهزتها الأمنية المختلفة وتنامي قيم التحدي  والثبات على الحقوق وإدراك أننا في جولة  تخصف فيها كفة المصالح لصالح الاحتلال الإسرائيلي برسم ما يتحصل عليه من قوة ودعم خارجيين وبرسم ما يملك من مقدرات وبرسم ما يملك من قُدرات يعمل ولا يزال على تطويرها وهذه الأخيرة باتت تشكل أهم التحديات ليس لنا كفلسطينيين في الداخل بل وللكل الفلسطيني والامتين العربية والإسلامية .
تكم أهمية هذه القيم انها شكلت ولا تزال تشكل وتتفاعل مع الانسان الفلسطيني فردا وجماعة  تواجه كافة السياسات الإسرائيلية الرامية لتذرير الانسان الفلسطيني وتفكيك المجتمع الفلسطيني وقد كشفت العشريتين الماضيتين عمق  التفاعلات مع هذه الثلاثية التي ما فتئت تواجه تلكم السياسات ولعل هبة الكرامة فصلا من فصول هذه التجليات وعليه فيمكننا أن نتحدث من خلال هذه الزاوية على أن هبة القدس والأقصى حدثا مُؤِسسَاَ في الداخل الفلسطيني.
في الزمن السائل الذي نعيش كل حدث على الأرض المباركة مهما كان متواضعا في المخيال الإنساني يترك اثاره وله تداعيات كونية تطرق أبواب الكابيتول كما الكرملين  والسؤال يبقى هلى تبقى هذه الطَرَقات مجرد صدى .
هذا متعلق بنا كفلسطينيين واجتراحنا لأدوات نضال تتميز بالابداع والقوة والثبات على الموقف  الذي في جوهره شرعي واخلاقي وسياسي وقد بات واضحا ان الصراع صراع ارادات وصبر ومصابرة والقضية بكل تعقيداته تحتاج الى رباط وتقوى بمفاهيمه الكونية وليس الشرعية فحسب.
..
أ. صالح لطفي باحث ومحلل سياسي