غزة.. خط الدفاع الأخير عن 6 دول عربية!

  • الإثنين 18, أغسطس 2025 10:40 ص
  • غزة.. خط الدفاع الأخير عن 6 دول عربية!
ربّما يغيب عن علم الكثيرين من العرب أن شعار “فلسطين من النهر إلى البحر”، مع أنه يرمز فعليا إلى الجغرافيا التاريخية للشعب الفلسطيني الواقع اليوم بين الاحتلال والشتات، إلا أنّ الغرب المتحيّز للكيان الصهيوني يدرجه ضمن أفعال وأقوال “معاداة السامية”، فهو تهمة جاهزة عنده، باعتبارها تعني “محو إسرائيل وإنكار حقها بالوجود”.
غزة.. خط الدفاع الأخير عن 6 دول عربية!
عبد الحميد عثماني
ربّما يغيب عن علم الكثيرين من العرب أن شعار “فلسطين من النهر إلى البحر”، مع أنه يرمز فعليا إلى الجغرافيا التاريخية للشعب الفلسطيني الواقع اليوم بين الاحتلال والشتات، إلا أنّ الغرب المتحيّز للكيان الصهيوني يدرجه ضمن أفعال وأقوال “معاداة السامية”، فهو تهمة جاهزة عنده، باعتبارها تعني “محو إسرائيل وإنكار حقها بالوجود”.
لكن عندما يرد حلم “إسرائيل الكبرى” في سياق احتلالي استيطاني، على لسان رئيس الوزراء الصهيوني، بنيامين نتنياهو، فإن قادة الغرب، وفي مقدّمتهم الولايات المتحدة الأمريكية، يلوذون بالصمت المطبق، حتّى وهم يرفعون كذبا وزورا شعار “حق الفلسطينيين في قيام دولة”، وفق لوائح الأمم المتحدة وقرارات الشرعية الدولية التي يحتكمون إليها في الظاهر.
ولا ندري أيّ أرض ستقوم عليها تلك الدولة الفلسطينية بسيطرة الاحتلال من النهر إلى البحر، أو بقيام “إسرائيل الكبرى”، بتعبير نتنياهو، لو لم تكن القصة الدبلوماسية وما فيها مجرد لعبة تلهية كبرى، في إطار ربح الوقت لتنفيذ المشروع الصهيوني كاملا في المنطقة.
في جولات سابقة بالشرق العربي، أبلغ وزير الخارجية الأمريكي السابق، أنتوني بلينكن، المسؤولين الإسرائيليين، في إطار التحضير لما بعد الحرب العدوانية في غزة، أنه يتعيّن عليهم قبول “حلّ الدولتين” مقابل التطبيع الشامل، إلّا أنّ رئيس وزراء الكيان الصهيوني ردّ حينها على حلفائه بالقول: “يتعيّن على إسرائيل السيطرة من البحر إلى النهر، ولن تقبل بإقامة دولة فلسطينية في إطار أيّ سيناريو لمرحلة ما بعد الحرب”، واليوم يجدّد التأكيد على مشروع “الدولة” اليهودية العرقية، خلال مقابلة تلفزيونية مع قناة “”i24 الإسرائيلية، بالقول: “إنني في مهمة تاريخية وروحية ومرتبط عاطفيّا برؤية إسرائيل الكبرى”.
من المهمّ التعامل بجدّية كاملة مع موقف نتنياهو المعلن من دون مواربة، لأنه وحده ما يشكّل الواقع التاريخي والمستقبلي للمشروع الصهيوني، إلا إذا نجحت المقاومة الفلسطينية في قطع الطريق أمامه.
النتيجة الرئيسية في تصريح رئيس وزراء العدو، أنها تكشف كل الأوراق فوق الطاولة بكل شفافية، لتعرية لعبة الأمم المتحدة ومجلسها للأمن وأجهزتها القضائية ويفضح الكواليس الدولية العبثية وكل مسارات المفاوضات الفارغة والخطابات العربية الحالمة بالسلام والتطبيع والتعايش في المنطقة.
مجاهرة نتنياهو بالحلم الصهيوني تثبت مصداقية قرار المقاومة ومبادرتها بـ”الطوفان المبارك” قبل وأد القضية إلى الأبد، بل إنها لا تحارب في الحقيقة دفاعا عن غزة وحدها، بل هي مركز الدفاع المتقدم عن 6 دول عربية تقع جغرافيتها ضمن خارطة “إسرائيل الكبرى”.
ذلك المشروع الذي لم يعد حلما تلموديا أو بندا سرّيا على قائمة “بروتوكولات حكماء صهيون” الخفية منذ مؤتمر بال بسويسرا في 1897، بل هو واقع ميداني اليوم ينفذه الاحتلال بقوة النار والدمار ضد إرادة الجميع، وكل الآليات الدولية المنوط بها حفظ الأمن والسلام الدوليين ليست في نهاية المطاف سوى أدوات جائرة، لإسناده في معركته الوجودية باسم “حق الدفاع عن النفس”، أو في حالة شلل وظيفي يتيح له العربدة العسكرية أمام شعب أعزل وأنظمة عربية خائرة وخائنة.
في كلّ الأحوال، لم نكن لنصدّق وعود الأمريكيين بـ”حل الدولتين”، مع أنه ليس منصفا تاريخيّا للقضية، ليقيننا أن الغرب لن يسمح بذلك، لأن وجود دولة فلسطينية كاملة السّيادة هو قرار خطير ضد المشروع الصهيوني الذي يرعاه في المنطقة، وكل ما يسوّقه بهذا الصدد يبقى مجرد ذرّ للرماد في عيون العرب ومساعدة لحكامهم على تهدئة الشعوب التواقة إلى حرية فلسطين.
لكن حتى لو افترضنا أنّ “حلّ الدولتين” خيار ممكن التحقُّق، فإن الإسرائيليين قد قدّموا أخيرا جوابه النهائي على الهواء، لكل من أغمض عينيه عن حقائق المشروع الصهيوني، ورغب في نيل الكرامة واستعادة الأرض بدبلوماسية الاستجداء في المحافل الدولية، من دون قوة تسندها في وجه الاحتلال.
لذلك، صار لزاما على جماعة رام الله، عوض الدعوة إلى نزع سلاح المقاومة الشريفة، الانحياز إلى جانب الشعب الفلسطيني في كفاحه المسلَّح والإعلان عن حلّ سلطة وهمية متورّطة في خدمة الاحتلال، ويكفيها سراب ثلاثة عقود من اتفاقيات أوسلو المشؤومة، والتي التهمت “إسرائيل” لاحقا ما انبثق عنها من حدود شكلية وتجاوزت كل نتائجها ميدانيّا ولم يعد لها مبرّر قانوني ولا سياسي ولا وطني سوى العوائد المالية لأعوان محمود عباس وحاشيته.
أمّا “المبادرة العربية للسلام”، المعلنة في قمة بيروت 2002، فقد حان الوقت لإحالتها إلى المتحف، لأنها صارت -في ظل تطورات الواقع الذي يفرضه الكيان الصهيوني- ورقة محترقة لا تصلح حتى لإحراجه أمام الرأي العامّ الدولي، فهو غير مكترث به.
ما معنى أن يتمسّك العرب بالاعتراف والتطبيع والسلام مع العدو، مقابل دولة فلسطينية على حدود 4 جوان 1967؛ أي 22 بالمائة فقط من فلسطين التاريخية، وعودة اللاجئين والانسحاب من هضبة الجولان المحتلة، بينما قادة الاحتلال يريدونها عمليّا وجهارا نهارا دولة دينية صهيونية من النهر إلى البحر؟ أي أنها لا تقبل حتّى باحتواء الفلسطينيين داخلها ولو أرادوا أن يحملوا الجنسية الإسرائيلية طواعية!
إن استمرار الأنظمة العربية، وعلى رأسها محور التطبيع الذي طالما ادّعى كذبا وخداعا مساعدة الفلسطينيين على إنجاز الدولة بسياسة الواقعية البراغماتية، في تسويق فرية “السلام” للتخلص من عبء الواجب القومي في تحرير فلسطين، ليس إلا خيانة مقنّعة، قابلها الكيان الإسرائيلي بصفعة أخرى لأزلامه على خدّ المهانة.