من المراقبة إلى الهيمنة: قراءة في تصاعد الدور الأمني الإسرائيلي في الأقصى
علي ابراهيم
رسخت أذرع الاحتلال الأمنية دورها واحدة من أهم أدوات فرض السيطرة على الأقصى، وتحولت في السنوات الأخيرة إلى رأس الحربة التي تستهدف المرابطين والمصلين، إلى جانب أنها الرديف الأهم للمستوطنين خلال اقتحامات المسجد الأقصى المبارك، وذلك نتيجة لتحول مهامها خلال السنوات الماضية من الفصل ما بين المستوطنين والمرابطين، وتقييد جولات المقتحمين وأدائهم الطقوس العلنية، إلى تثبيت وجود المستوطنين داخل المسجد، وتوفير الحماية لمن يؤدي الطقوس العلنية في ساحات الأقصى، بل إن الأشهر الماضية شهدت مشاركة العناصر الأمنية الإسرائيليّة في أداء هذه الطقوس، ونسلط الضوء في هذا المقال على دور أذرع الاحتلال في العدوان على الأقصى، وتنفيذ مخططات السيطرة عليه.
وحدة خاصة، ونقاط دائمة
يتركز عمل عناصر الاحتلال الأمنية على العمليات الميدانية داخل الأقصى وفي محيطه، وتتركز على عددٍ من المسارات الأساسية وفي مقدمتها الانتشار أمام أبواب المسجد وفي الأزقة الواصلة إليه، ونصب الحواجز الحديديّة لتقييد وصول المصلين إلى الأقصى، وما يتصل بهذه الحواجز من تدقيقٍ في هويّات المصلين. إضافةً إلى التمركز في عددٍ من النقاط الدائمة داخل الأقصى وفي محيطه. كما تقوم بحماية مجموعات المستوطنين من مقتحمي الأقصى، وما يرافق هذه الحماية من منعٍ للعنصر البشري الإسلامي ولحراس الأقصى من الاقتراب من المقتحمين، مستخدمة القوّة لفرض ذلك بدءًا بالاعتقال، مرورًا بالضرب، وصولاً إلى إطلاق القنابل والرصاص وغيرها.
حتى عام 2017 كان أفراد شرطة الاحتلال داخل الأقصى وفي محيطه يتبعون إلى "وحدة الأماكن المقدسة"، وعلى أثر هبّة باب الأسباط، أعلن وزير الأمن الداخليّ حينها جلعاد أردان عن إنشاء وحدةٍ جديدةٍ في الشرطة، يتركز عملها داخل المسجد وفي محيطه، أُطلق عليها "وحدة جبل المعبد"، وضمّت الوحدة عند تشكيلها نحو 200 عنصرٍ، من بينهم 100 عنصر جديد، وضمّت هذه الوحدة قوات دورية إلى جانب التدخل السريع والاستخبارات، وتُشير المعطيات إلى تصاعد أعدادها خلال السنوات الماضية، مع استعانة الاحتلال بعناصر من وحدات أمنية أُخرى.
أما عن تمركز هذه العناصر الأمنية، تنتشر شرطة الاحتلال في عدة مواقع داخل الأقصى أو قريبة منه. وأبرزها المدرسة التنكزية، التي تقع على السور الغربي للمسجد الأقصى فوق باب السلسلة، وتشرف على ساحاته، إلى جانب وجودها أمام أبواب المسجد الأقصى وفي أزقته. أما داخل المسجد تحتلّ الشرطة الإسرائيلية الخلوتيْن الجنبلاطية وأرسلان باشا المتلاصقتين شمال صحن قبة الصخرة، وفي الأعوام الماضية استهدف الشبان هذه النقطة أكثر من مرة، واستطاعوا إحراقها في عامي 2014 و2019.
الشرطة.. أداة قمعٍ وسيطرة
أمام حجم الحضور الأمني في محيطه الأقصى وداخله، وتطور علاقة المستويين الأمني والسياسي مع أذرع الاحتلال وفي مقدمتها "منظمات المعبد"، تعزز دور الأجهزة الأمنيّة الإسرائيليّة كواحدةٍ من أدوات فرض السيطرة المباشرة على الأقصى وأبوابه، وما يتصل بهذه السيطرة من فرض القيود أمام أبواب المسجد، والتضييق على مكوناته البشرية، واعتقال المصلين من داخل ساحاته ومصلياته وغيرها، ومن خلال استقراء سلوك قوات الاحتلال نجم عنه عددٌ من الأدوار بالغة الخطورة، وهي:
- توفير المزيد من الحماية لأداء المستوطنين الطقوس اليهوديّة العلنية، وملاحقة أي عناصر بشريّة إسلامية، يُمكن أن تعرقل أداء هذه الطقوس أو تمنعها، وهي سياسة تتصاعد في الأعياد اليهوديّة لتصل إلى حدّ إخلاء الأقصى من العنصر البشري الإسلامي بالقوة.
- تشديد القيود المختلفة أمام أبواب المسجد الأقصى وفي أزقة البلدة القديمة، بعد انطلاق العدوان على غزة في 7/10/2023، وهي إجراءات منعت المصلين من أحياء القدس من الوصول إلى الأقصى، وهذا ما أدى إلى تراجع أعداد المصلين وخاصة في يوم الجمعة في الأسابيع الأولى التي تلت العدوان على غزة.
- فرضت قوات الاحتلال نفسها الجهة المتحكمة بأبواب الأقصى، في سياق معركة "السيادة" على المسجد، وهو ما عاد للظهور مع بداية شهر رمضان في 14/3/2024 مع تركيب قوات الاحتلال أقفاصًا حديديّة أمام عددٍ من الأبواب، وفي رمضان الماضي -2025- عبر منع قوات الاحتلال للاعتكاف داخل الأقصى.
- تمديد أوقات الاقتحامات شبه اليوميّة، فمنذ شهر 5/2024 سمحت شرطة الاحتلال للمستوطنين باقتحام الأقصى قبل 15 دقيقة من أوقات الاقتحام المعتادة، وهذا ما انعكس زيادة شهرية في أوقات الاقتحامات تُقدّر بنحو 5 ساعات.
- تأمين مسار الاقتحامات داخل الأقصى، ومنع أي عنصر بشري إسلامي من الرباط.
- الاستهداف المتكرر للساحات الشرقية للأقصى، من خلال اقتحام مصلى باب الرحمة ومحاولة إفراغ محتوياته، واعتقال المصلين الذين يرابطون في هذه المنطقة.
- تصاعد التنسيق ما بين المستوى الأمني و"منظمات المعبد"، وتحوله إلى تماهٍ، من خلال ظهور عناصر من الشرطة متدينين، وتلقيهم تبريكات من قبل من يُشارك في الاقتحام من الحاخامات.
- السماح بأداء الرقصات والغناء داخل الأقصى بإيعاز مباشر من الوزير المتطرف بن غفير في نهاية شهر حزيران/يونيو الماضي، وبحسب قرار بن غفير فقد سمح بالغناء والرقص في جميع أنحاء المسجد الأقصى، وليس فقط داخل المنطقة الشرقية.
تعزيز الرقابة الأمنية منذ 8 أكتوبر
لا تقف الرقابة الأمنية الإسرائيلية عند الوجود المباشر للعناصر الأمنية، بل تعززها بشبكة واسعة من كاميرات المراقبة والمجسات الصوتية وغيرها، إذ تنشر أذرع الاحتلال الأمنية عشرات الكاميرات والمجسات في الأزقة المحيطة بالأقصى، وعلى الرغم من هذه الشبكة الكبيرة إلا أن شرطة الاحتلال أضافت عليها عددًا آخر منذ 8/10/2023، فقد ضاعفت شرطة الاحتلال تركيب كاميرات المراقبة في أحياء القدس عامة، وبلدة سلوان خاصة، ومن ذلك أعمال التركيب والصيانة التي نفذتها في مجمع الكاميرات المقابل لمسجد "محمد الفاتح" في حي رأس العمود في 3/7/2024. وتكمن أهمية هذا الموقع الذي رُكبت فيه الكاميرات في إطلالته الواسعة على المسجد الأقصى والجزء الشرقي الجنوبي من سور القدس.
وفي سياق تعزيز الرقابة المباشرة لقوات الاحتلال على المسجد الأقصى ومحطيه، ففي 25/2/2024 أقدمت شرطة الاحتلال على تركيب برجٍ شاهق للاتصالات، معزز بكاميرات المراقبة، ومزوَّد بمجسات فوق الرواق الغربي للأقصى. واستبقت سلطات الاحتلال ذلك بأشغال نفذتها فوق المدرسة التنكزية في رواق الأقصى الغربي، والتي يسيطر عليها الاحتلال. وتتيح هذه الشبكة من الاتصالات والمجسات والكاميرات فائقة الدقة مراقبة حركة المصلين وتتبُّع حركة الوافدين إلى الأقصى بدقة عالية وكشف جميع ساحات المسجد الأقصى.
ترسيخ الحضور الأمني خارج أوقات الاقتحام
بالتوازي مع العدوان على قطاع غزة، فرضت قوات الاحتلال عددًا من الإجراءات العقابية بحق الفلسطينيين عامة، والمصلين في الأقصى بشكلٍ خاص، وانسحبت هذه القيود على المناسبات الإسلامية وأيام الجمعة، في محاولة من قبل الشرطة الإسرائيلية لتفرض نفسها المتحكم بمختلف شؤون المسجد، وهو ما تمظهر مع فرض وجود عناصر أمنية إسرائيلية في أوقاتٍ مختلفة من اليوم وخاصة يوم الجمعة، وقد شهدت الأشهر الماضية جملة من هذه الانتهاكات، ويُشارك في هذه الاقتحامات عناصر من شرطة الاحتلال وضباطه وقواته الخاصة، ويراقبون المصلين ويتجولون بين صفوفهم، ويستخدم عناصر الاحتلال في اقتحاماتهم عربة كهربائية تتجول داخل المسجد، ويشهد العديد من هذه الاقتحامات تمركزًا لهذه العناصر الأمنية في عددٍ من المواضع داخل الأقصى، بجانب سبيل الكأس قبالة المصلى القبلي، وحول بوائك قبة الصخرة وخصوصًا الجنوبية منها، وعند مدخل الخلوة الجنبلاطية.
أخيرًا، تؤكد اعتداءات شرطة الاحتلال داخل الأقصى وفي محيطه، ومروحة مهامها الواسعة بأن أذرع الاحتلال الأمنية لم تعد مجرّد أدوات "فصل" ما بين المستوطنين والمصلين، أو أنها تعمل على الحماية و"فرض الأمن" فقط، بل باتت جزءًا مركزيًا من أدوات الاحتلال الرامية إلى تكريس السيطرة الإسرائيلية على المسجد الأقصى، وتغيير طابعه، وهويته الدينية، والتاريخية. فمن خلال حماية الاقتحامات، وتسهيل أداء الطقوس التلمودية، وملاحقة المصلين والمرابطين، وتعزيز المراقبة والوجود العسكري، تعمل هذه الأجهزة الأمنية على تقويض الوجود الإسلامي في الأقصى، وفرض وقائع جديدة على الأرض تمهّد لمشروع التقسيم الزماني والمكاني. وفي ضوء ذلك، تبدو مواجهة هذه السياسات مسؤولية جماعية، تتطلب وعيًا مستمرًا، ورصدًا دقيقًا، ودعمًا سياسيًا وإعلاميًا وميدانيًا يوازي حجم الخطر الذي يهدد الأقصى.
علي ابراهيم
رسخت أذرع الاحتلال الأمنية دورها واحدة من أهم أدوات فرض السيطرة على الأقصى، وتحولت في السنوات الأخيرة إلى رأس الحربة التي تستهدف المرابطين والمصلين، إلى جانب أنها الرديف الأهم للمستوطنين خلال اقتحامات المسجد الأقصى المبارك، وذلك نتيجة لتحول مهامها خلال السنوات الماضية من الفصل ما بين المستوطنين والمرابطين، وتقييد جولات المقتحمين وأدائهم الطقوس العلنية، إلى تثبيت وجود المستوطنين داخل المسجد، وتوفير الحماية لمن يؤدي الطقوس العلنية في ساحات الأقصى، بل إن الأشهر الماضية شهدت مشاركة العناصر الأمنية الإسرائيليّة في أداء هذه الطقوس، ونسلط الضوء في هذا المقال على دور أذرع الاحتلال في العدوان على الأقصى، وتنفيذ مخططات السيطرة عليه.
وحدة خاصة، ونقاط دائمة
يتركز عمل عناصر الاحتلال الأمنية على العمليات الميدانية داخل الأقصى وفي محيطه، وتتركز على عددٍ من المسارات الأساسية وفي مقدمتها الانتشار أمام أبواب المسجد وفي الأزقة الواصلة إليه، ونصب الحواجز الحديديّة لتقييد وصول المصلين إلى الأقصى، وما يتصل بهذه الحواجز من تدقيقٍ في هويّات المصلين. إضافةً إلى التمركز في عددٍ من النقاط الدائمة داخل الأقصى وفي محيطه. كما تقوم بحماية مجموعات المستوطنين من مقتحمي الأقصى، وما يرافق هذه الحماية من منعٍ للعنصر البشري الإسلامي ولحراس الأقصى من الاقتراب من المقتحمين، مستخدمة القوّة لفرض ذلك بدءًا بالاعتقال، مرورًا بالضرب، وصولاً إلى إطلاق القنابل والرصاص وغيرها.
حتى عام 2017 كان أفراد شرطة الاحتلال داخل الأقصى وفي محيطه يتبعون إلى "وحدة الأماكن المقدسة"، وعلى أثر هبّة باب الأسباط، أعلن وزير الأمن الداخليّ حينها جلعاد أردان عن إنشاء وحدةٍ جديدةٍ في الشرطة، يتركز عملها داخل المسجد وفي محيطه، أُطلق عليها "وحدة جبل المعبد"، وضمّت الوحدة عند تشكيلها نحو 200 عنصرٍ، من بينهم 100 عنصر جديد، وضمّت هذه الوحدة قوات دورية إلى جانب التدخل السريع والاستخبارات، وتُشير المعطيات إلى تصاعد أعدادها خلال السنوات الماضية، مع استعانة الاحتلال بعناصر من وحدات أمنية أُخرى.
أما عن تمركز هذه العناصر الأمنية، تنتشر شرطة الاحتلال في عدة مواقع داخل الأقصى أو قريبة منه. وأبرزها المدرسة التنكزية، التي تقع على السور الغربي للمسجد الأقصى فوق باب السلسلة، وتشرف على ساحاته، إلى جانب وجودها أمام أبواب المسجد الأقصى وفي أزقته. أما داخل المسجد تحتلّ الشرطة الإسرائيلية الخلوتيْن الجنبلاطية وأرسلان باشا المتلاصقتين شمال صحن قبة الصخرة، وفي الأعوام الماضية استهدف الشبان هذه النقطة أكثر من مرة، واستطاعوا إحراقها في عامي 2014 و2019.
الشرطة.. أداة قمعٍ وسيطرة
أمام حجم الحضور الأمني في محيطه الأقصى وداخله، وتطور علاقة المستويين الأمني والسياسي مع أذرع الاحتلال وفي مقدمتها "منظمات المعبد"، تعزز دور الأجهزة الأمنيّة الإسرائيليّة كواحدةٍ من أدوات فرض السيطرة المباشرة على الأقصى وأبوابه، وما يتصل بهذه السيطرة من فرض القيود أمام أبواب المسجد، والتضييق على مكوناته البشرية، واعتقال المصلين من داخل ساحاته ومصلياته وغيرها، ومن خلال استقراء سلوك قوات الاحتلال نجم عنه عددٌ من الأدوار بالغة الخطورة، وهي:
- توفير المزيد من الحماية لأداء المستوطنين الطقوس اليهوديّة العلنية، وملاحقة أي عناصر بشريّة إسلامية، يُمكن أن تعرقل أداء هذه الطقوس أو تمنعها، وهي سياسة تتصاعد في الأعياد اليهوديّة لتصل إلى حدّ إخلاء الأقصى من العنصر البشري الإسلامي بالقوة.
- تشديد القيود المختلفة أمام أبواب المسجد الأقصى وفي أزقة البلدة القديمة، بعد انطلاق العدوان على غزة في 7/10/2023، وهي إجراءات منعت المصلين من أحياء القدس من الوصول إلى الأقصى، وهذا ما أدى إلى تراجع أعداد المصلين وخاصة في يوم الجمعة في الأسابيع الأولى التي تلت العدوان على غزة.
- فرضت قوات الاحتلال نفسها الجهة المتحكمة بأبواب الأقصى، في سياق معركة "السيادة" على المسجد، وهو ما عاد للظهور مع بداية شهر رمضان في 14/3/2024 مع تركيب قوات الاحتلال أقفاصًا حديديّة أمام عددٍ من الأبواب، وفي رمضان الماضي -2025- عبر منع قوات الاحتلال للاعتكاف داخل الأقصى.
- تمديد أوقات الاقتحامات شبه اليوميّة، فمنذ شهر 5/2024 سمحت شرطة الاحتلال للمستوطنين باقتحام الأقصى قبل 15 دقيقة من أوقات الاقتحام المعتادة، وهذا ما انعكس زيادة شهرية في أوقات الاقتحامات تُقدّر بنحو 5 ساعات.
- تأمين مسار الاقتحامات داخل الأقصى، ومنع أي عنصر بشري إسلامي من الرباط.
- الاستهداف المتكرر للساحات الشرقية للأقصى، من خلال اقتحام مصلى باب الرحمة ومحاولة إفراغ محتوياته، واعتقال المصلين الذين يرابطون في هذه المنطقة.
- تصاعد التنسيق ما بين المستوى الأمني و"منظمات المعبد"، وتحوله إلى تماهٍ، من خلال ظهور عناصر من الشرطة متدينين، وتلقيهم تبريكات من قبل من يُشارك في الاقتحام من الحاخامات.
- السماح بأداء الرقصات والغناء داخل الأقصى بإيعاز مباشر من الوزير المتطرف بن غفير في نهاية شهر حزيران/يونيو الماضي، وبحسب قرار بن غفير فقد سمح بالغناء والرقص في جميع أنحاء المسجد الأقصى، وليس فقط داخل المنطقة الشرقية.
تعزيز الرقابة الأمنية منذ 8 أكتوبر
لا تقف الرقابة الأمنية الإسرائيلية عند الوجود المباشر للعناصر الأمنية، بل تعززها بشبكة واسعة من كاميرات المراقبة والمجسات الصوتية وغيرها، إذ تنشر أذرع الاحتلال الأمنية عشرات الكاميرات والمجسات في الأزقة المحيطة بالأقصى، وعلى الرغم من هذه الشبكة الكبيرة إلا أن شرطة الاحتلال أضافت عليها عددًا آخر منذ 8/10/2023، فقد ضاعفت شرطة الاحتلال تركيب كاميرات المراقبة في أحياء القدس عامة، وبلدة سلوان خاصة، ومن ذلك أعمال التركيب والصيانة التي نفذتها في مجمع الكاميرات المقابل لمسجد "محمد الفاتح" في حي رأس العمود في 3/7/2024. وتكمن أهمية هذا الموقع الذي رُكبت فيه الكاميرات في إطلالته الواسعة على المسجد الأقصى والجزء الشرقي الجنوبي من سور القدس.
وفي سياق تعزيز الرقابة المباشرة لقوات الاحتلال على المسجد الأقصى ومحطيه، ففي 25/2/2024 أقدمت شرطة الاحتلال على تركيب برجٍ شاهق للاتصالات، معزز بكاميرات المراقبة، ومزوَّد بمجسات فوق الرواق الغربي للأقصى. واستبقت سلطات الاحتلال ذلك بأشغال نفذتها فوق المدرسة التنكزية في رواق الأقصى الغربي، والتي يسيطر عليها الاحتلال. وتتيح هذه الشبكة من الاتصالات والمجسات والكاميرات فائقة الدقة مراقبة حركة المصلين وتتبُّع حركة الوافدين إلى الأقصى بدقة عالية وكشف جميع ساحات المسجد الأقصى.
ترسيخ الحضور الأمني خارج أوقات الاقتحام
بالتوازي مع العدوان على قطاع غزة، فرضت قوات الاحتلال عددًا من الإجراءات العقابية بحق الفلسطينيين عامة، والمصلين في الأقصى بشكلٍ خاص، وانسحبت هذه القيود على المناسبات الإسلامية وأيام الجمعة، في محاولة من قبل الشرطة الإسرائيلية لتفرض نفسها المتحكم بمختلف شؤون المسجد، وهو ما تمظهر مع فرض وجود عناصر أمنية إسرائيلية في أوقاتٍ مختلفة من اليوم وخاصة يوم الجمعة، وقد شهدت الأشهر الماضية جملة من هذه الانتهاكات، ويُشارك في هذه الاقتحامات عناصر من شرطة الاحتلال وضباطه وقواته الخاصة، ويراقبون المصلين ويتجولون بين صفوفهم، ويستخدم عناصر الاحتلال في اقتحاماتهم عربة كهربائية تتجول داخل المسجد، ويشهد العديد من هذه الاقتحامات تمركزًا لهذه العناصر الأمنية في عددٍ من المواضع داخل الأقصى، بجانب سبيل الكأس قبالة المصلى القبلي، وحول بوائك قبة الصخرة وخصوصًا الجنوبية منها، وعند مدخل الخلوة الجنبلاطية.
أخيرًا، تؤكد اعتداءات شرطة الاحتلال داخل الأقصى وفي محيطه، ومروحة مهامها الواسعة بأن أذرع الاحتلال الأمنية لم تعد مجرّد أدوات "فصل" ما بين المستوطنين والمصلين، أو أنها تعمل على الحماية و"فرض الأمن" فقط، بل باتت جزءًا مركزيًا من أدوات الاحتلال الرامية إلى تكريس السيطرة الإسرائيلية على المسجد الأقصى، وتغيير طابعه، وهويته الدينية، والتاريخية. فمن خلال حماية الاقتحامات، وتسهيل أداء الطقوس التلمودية، وملاحقة المصلين والمرابطين، وتعزيز المراقبة والوجود العسكري، تعمل هذه الأجهزة الأمنية على تقويض الوجود الإسلامي في الأقصى، وفرض وقائع جديدة على الأرض تمهّد لمشروع التقسيم الزماني والمكاني. وفي ضوء ذلك، تبدو مواجهة هذه السياسات مسؤولية جماعية، تتطلب وعيًا مستمرًا، ورصدًا دقيقًا، ودعمًا سياسيًا وإعلاميًا وميدانيًا يوازي حجم الخطر الذي يهدد الأقصى.