وجهي الذي لم أعد أعرفه
الرسالة نت
كان منظر المرآة عاديًا بالنسبة لأي شخص… حتى اللحظة التي ترى فيها وجهًا لا تعرفه.
“من هذا؟” تساءلت بيني وبين نفسي، وأنا أحدق في ذلك الانعكاس داخل غرفة المشفى الباردة.
كان وجهي هناك، لكنه لم يكن لي. جزء كبير من جمجمتي مفقود، ملامحي مشوَّهة، نظراتي ضائعة.
في تلك اللحظة، لم أشعر أنني حازم. شعرت أنني نُزعت من ذاتي، وكأن الحرب لم تترك فيَّ شيئًا سوى اسمٍ وجسدٍ منهك بالكاد يتنفس.
كان حازم جودة، (28 عامًا)، يسكن منذ طفولته في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة.
يعمل في البناء، قويّ البنية، يستيقظ قبل شروق الشمس، ويعود في المساء مُثقلًا بالغبار، لكن قلبه كان مليئًا بحبّ بيته، وزوجته، وبناته الأربع.
اثنتان منهن بحاجة إلى عناية طبية خاصة: رهف، المصابة بشلل دماغي، وحبيبة، المصابة بمرض الألبينو؛ بشرتها بيضاء، شعرها أبيض، وعيونها لا تحتمل ضوء النهار.
ظنّت العائلة في اليوم الثالث من الحرب أن منزلها هو المكان الأكثر أمانًا.
لكن الصاروخ لم يكن يبحث عن أهداف… بل كان يبحث عنهم.
انفجر البيت فوق رؤوسهم.
كل شيء صار أسود. صرخات، غبار، دم… ثم صمت. نُقلوا إلى المشفى، أجسادهم ممزقة وأرواحهم تائهة.
بعد أسابيع من العلاج، لم تجد العائلة بيتًا تعود إليه فنزحوا جنوبًا إلى رفح.
الحياة داخل خيمة ليست حياة، بل شيء يشبه الانتظار البارد؛ لا نوم، لا ماء، لا خصوصية، ولا حتى وهم الأمان.
رهف كانت تبكي طوال الليل؛ من الألم، من الجوع، من العجز الذي عمّ المكان.
ثم جاء اليوم الذي أُجبرت فيه العائلة على مغادرة رفح، بعد أن أصدر الاحتلال أوامر إخلاء جماعي.
عادوا إلى النصيرات، وحاولوا نصب خيمتهم هناك. شيء من الاستقرار المؤقت، أو ما يشبهه.
في صباح أحد الأيام، خرج حازم ليشتري حفاضات لابنته رهف. في طريق العودة، جلس لدقائق مع أصدقائه.
كان الحديث عاديًا: عن التعب، عن الغد، عمّا سيتناولونه في وجبة قادمة... وفي لحظة واحدة، لم يتبقَ أحد ليتحدث إليه.
يقول حازم:“سقط صاروخ بيننا. أصدقائي استُشهدوا على الفور. آخر ما شعرت به هو ألمٌ حاد في ظهري، ثم انطفأ كل شيء.
غاب عن الدنيا أربعة أشهر وعندما استيقظ، لم يكن كما كان. فقد ربع جمجمته، وأصيب بضعف في البصر، وارتباك في الذاكرة. يحتاج إلى من يساعده على المشي.
لم يعد قادرًا على رفع قارورة ماء، أو حمل طفلته كما كان يفعل كل مساء.
اليوم، يعيش حازم بلا مأوى، بلا دخل، بلا قدرة على العمل.
يجلس في الزاوية، يراقب زوجته المنهكة وهي تحاول وحدها رعاية البنات.يسمع بكاء رهف، ويشعر أنه خذلها.
لا يملك قوت يومه، ولا حتى وسادة يحلم فوقها.
الرسالة نت
كان منظر المرآة عاديًا بالنسبة لأي شخص… حتى اللحظة التي ترى فيها وجهًا لا تعرفه.
“من هذا؟” تساءلت بيني وبين نفسي، وأنا أحدق في ذلك الانعكاس داخل غرفة المشفى الباردة.
كان وجهي هناك، لكنه لم يكن لي. جزء كبير من جمجمتي مفقود، ملامحي مشوَّهة، نظراتي ضائعة.
في تلك اللحظة، لم أشعر أنني حازم. شعرت أنني نُزعت من ذاتي، وكأن الحرب لم تترك فيَّ شيئًا سوى اسمٍ وجسدٍ منهك بالكاد يتنفس.
كان حازم جودة، (28 عامًا)، يسكن منذ طفولته في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة.
يعمل في البناء، قويّ البنية، يستيقظ قبل شروق الشمس، ويعود في المساء مُثقلًا بالغبار، لكن قلبه كان مليئًا بحبّ بيته، وزوجته، وبناته الأربع.
اثنتان منهن بحاجة إلى عناية طبية خاصة: رهف، المصابة بشلل دماغي، وحبيبة، المصابة بمرض الألبينو؛ بشرتها بيضاء، شعرها أبيض، وعيونها لا تحتمل ضوء النهار.
ظنّت العائلة في اليوم الثالث من الحرب أن منزلها هو المكان الأكثر أمانًا.
لكن الصاروخ لم يكن يبحث عن أهداف… بل كان يبحث عنهم.
انفجر البيت فوق رؤوسهم.
كل شيء صار أسود. صرخات، غبار، دم… ثم صمت. نُقلوا إلى المشفى، أجسادهم ممزقة وأرواحهم تائهة.
بعد أسابيع من العلاج، لم تجد العائلة بيتًا تعود إليه فنزحوا جنوبًا إلى رفح.
الحياة داخل خيمة ليست حياة، بل شيء يشبه الانتظار البارد؛ لا نوم، لا ماء، لا خصوصية، ولا حتى وهم الأمان.
رهف كانت تبكي طوال الليل؛ من الألم، من الجوع، من العجز الذي عمّ المكان.
ثم جاء اليوم الذي أُجبرت فيه العائلة على مغادرة رفح، بعد أن أصدر الاحتلال أوامر إخلاء جماعي.
عادوا إلى النصيرات، وحاولوا نصب خيمتهم هناك. شيء من الاستقرار المؤقت، أو ما يشبهه.
في صباح أحد الأيام، خرج حازم ليشتري حفاضات لابنته رهف. في طريق العودة، جلس لدقائق مع أصدقائه.
كان الحديث عاديًا: عن التعب، عن الغد، عمّا سيتناولونه في وجبة قادمة... وفي لحظة واحدة، لم يتبقَ أحد ليتحدث إليه.
يقول حازم:“سقط صاروخ بيننا. أصدقائي استُشهدوا على الفور. آخر ما شعرت به هو ألمٌ حاد في ظهري، ثم انطفأ كل شيء.
غاب عن الدنيا أربعة أشهر وعندما استيقظ، لم يكن كما كان. فقد ربع جمجمته، وأصيب بضعف في البصر، وارتباك في الذاكرة. يحتاج إلى من يساعده على المشي.
لم يعد قادرًا على رفع قارورة ماء، أو حمل طفلته كما كان يفعل كل مساء.
اليوم، يعيش حازم بلا مأوى، بلا دخل، بلا قدرة على العمل.
يجلس في الزاوية، يراقب زوجته المنهكة وهي تحاول وحدها رعاية البنات.يسمع بكاء رهف، ويشعر أنه خذلها.
لا يملك قوت يومه، ولا حتى وسادة يحلم فوقها.