المرتزقة نمطٌ متكررٌ في استراتيجية إسرائيل لتفكيك المجتمعات المقاومة
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام
في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، دعمت سلطات الاحتلال الإسرائيلي تشكيل ميليشيا محلية في جنوب لبنان تُعرف بـ”جيش لبنان الجنوبي”، بقيادة سعد حداد ثم أنطوان لحد. كان الهدف من هذه الميليشيا هو تأمين الحدود الشمالية لإسرائيل ومواجهة فصائل المقاومة اللبنانية والفلسطينية، حيث تلقى جيش لحد دعمًا لوجستيًا وعسكريًا مباشرًا من إسرائيل، وتحول إلى أداة لقمع السكان المحليين، مما أدى إلى تفكك النسيج الاجتماعي في الجنوب اللبناني.
تعيد سلطات الاحتلال اليوم إنتاج نموذج لحد في غزة عبر العديد من التشكيلات العصابية غير المنظمة لكنها محمية من جيش الاحتلال، بيد أن النموذج الأكثر خطورة بات يتمثل فيما يعرف باسم “عصابة ياسر أبو شباب”، الذي يقود مجموعة مسلحة تعمل على تنفيذ عمليات نهب للمساعدات الإنسانية في غزة، خاصة في المناطق الخاضعة لسيطرة جيش الاحتلال في المناطق الجنوبية من القطاع.
ووفق معطيات أمنية وصور وثقتها عدسات الصحفيين، تعمل هذه العصابة بحرية في تلك مناطق تصنف بأنها حمراء خاضعة لسيطرة جيش الاحتلال، إذ ظهر أفراد من العصابة غير مرة وهم يرتدون زياً مدنياً ويتنقلون بمركبات مدنية، لكنهم يملكون تقنيات اتصال وسلاحًا إسرائيليًا من نوع إم 16، السلاح الأكثر تداولاً بين عناصر جيش الاحتلال، بما يؤكد تواطؤه في الدفع نحو تشكيل عصابي أـكثر منظم يعمل تحت مظلته.
مليشيات إجرامية
وعلى الرغم من التزام جيش الاحتلال الصمت حيال تشكيل أبو شباب العصابي، فقد كشف وزير جيش الاحتلال الأسبق أفيغدور ليبرمان، أن تل أبيب زودت “ميليشيات إجرامية” في قطاع غزة بأسلحة.
وقال ليبرمان، زعيم حزب “إسرائيل بيتنا” اليميني المعارض، لهيئة البث الإسرائيلية الرسمية إن “إسرائيل نقلت بنادق هجومية وأسلحة خفيفة إلى مليشيات إجرامية في غزة”، مضيفا أن هذه الخطوة تمت بأوامر من رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو.
وتابع: “في رأيي، لم يُوافق مجلس الوزراء على نقل الأسلحة، لكن رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك) كان يعلم”، مشيراً إلى عدم تأكده من علم رئيس أركان جيش الاحتلال بالأمر.
وأضاف ليبريان: “نحن نتحدث عن ما يُعادل تنظيم داعش الإرهابي في غزة، ولا أحد يمكنه أن يضمن أن هذه الأسلحة لن تُستخدم ضدنا في وقت ما، لا يوجد لدينا وسيلة لمراقبتها أو تعقبها”.
ووفقاً للهيئة، فقد رفض “الشاباك” التعقيب على تصريحات ليبرمان.
في تعقيبه على اتهامات ليبرمان، أصدر مكتب نتنياهو، بيانًا مقتضبًا لم ينفِ الادعاءات، واكتفى بالقول إن “إسرائيل تعمل على حسم المعركة ضد حركة حماس بطرق مختلفة ومتنوعة، بناءً على توصيات جميع قادة الأجهزة الأمنية”.
تفكيك غزة من الداخل
وتتقاطع هذه الاتهامات مع تقارير سابقة أفادت بأن إسرائيل تدعم عصابات إجرامية في قطاع غزة، متورطة في سرقة المساعدات وخلق حالة من الفوضى، ضمن محاولات لإضعاف سلطة حركة حماس في إطار الحرب المستمرة على القطاع.
وفي أكثر من مناسبة، أكد المكتب الإعلامي الحكومي في غزة أن “عصابات مسلحة” مدعومة من إسرائيل تنهب المساعدات الإنسانية الشحيحة التي تدخل غزة، في ظل حصار إسرائيلي خانق.
وتفيد تحقيقات ميدانية ومصادر مطلعة أن إسرائيل عملت، منذ الأشهر الأولى لحرب الإبادة في أكتوبر 2023، على دعم ظهور العصابات التي نفذت عمليات نهب للمنازل والأماكن العامة تحت نظر المسيرات الإسرائيلية.
في حين بدأت تظهر العصابات المسلحة في الربع الأخير من العام الماضي في الوقت الذي شددت فيه قوات الاحتلال عملياتها البرية على شمال القطاع، وقررت منع وصول المساعدات والمواد الغذائية، ورفضت السماح لأي جهة أمنية في غزة بتأمين الشاحنات تجنبا لتعرضها للسرقة من أفرد العصابات الذين برز أبو شباب، وهو سجين سابق قبل الحرب بتهم جنائية، كقائد لهم عبر مليشيا مسلحة تقدر الجهات الأمنية في غزة بأن عددهم يتراوح بين 100 إلى 300 عنصر.
وتفيد معطيات المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، بأن عمليات الاستهداف المباشرة التي تعرضت لها قوات الأمن وعناصر تأمين المساعدات التابعين لوزارة داخلية وعمليات الاغتيال المباشر لعناصرها على مدار 20 شهرا من الحرب، راح ضحيتها 754 شهيدا.
وبدا الأمر أكثر خطورة مع تعرضت مجموعة تأمين لقصف مباشر بثمانية استهدافات مباشرة من طائرات استطلاع وطائرات مُسيرة إسرائيلية على مدخل مدينة دير البلح وسط القطاع خلال اعتراضهم أفراد عصابات كانوا يسرقون شاحنات المساعدات فجر 23 مايو/أيار الماضي، ما تسبب في استشهاد 6 منهم، تبعها استهداف ثانٍ مباشر لأفراد من عناصر الداخلية خلال اعتراضهم عصابات على مفترق السرايا وسط مدينة غزة والمكتظ بالمارة، حيث تعرضت شاحنات للسرقة ظهر 29 مايو، واستشهد منهم 5 عناصر و4 مواطنين نتيجة القصف.
دفع هذا التحول إلى إعلان كتائب القسام، الذراع العسكري لحركة حماس، تلك العصابات قوة مستعربين تابعين لجيش الاحتلال الإسرائيلي. وقد بثت القسام مشاهد توثق استهداف عدد من عناصرها في رفح.
وأظهرت المقاطع المصورة تحرّك عناصر القوة قرب الحدود الشرقية، واقتحامها عددا من منازل الفلسطينيين، قبل أن يفجّر مقاتلو القسام أحد المنازل المفخخة أثناء وجود القوة بداخله، ما أدى إلى مقتل وإصابة عدد من أفرادها.
وأكد مصدر أمني بالمقاومة الفلسطينية، أن القوة المستهدفة كانت مجموعة من العملاء المجنّدين لصالح الاحتلال، وممن أوكلت إليهم مهام تمشيط المناطق الحدودية، ورصد تحركات المقاومة، إضافة إلى نهب المساعدات الإنسانية.
مخطط قديم متجدد
وشدد المصدر على أن الاحتلال يتبنى مخططا قديما متجددا، حيث رصدت الجهات الأمنية منذ أشهر عصابة مسلحة شرق محافظة رفح جنوبي قطاع غزة تتحرك تحت حماية غير معلنة من طائرات الاحتلال الإسرائيلي.
وأوضح المصدر -في حديث للجزيرة نت- أن تلك العصابة مارست جرائم النهب والترويع، وسكت عنها الاحتلال عمداً بل حماها من الاستهداف رغم علمه بنشاطها، لأنه كان يهدف لاختلاق واقع فوضوي داخلي يسهل من خلاله ضرب المقاومة ومناعة المجتمع الفلسطيني.
وكشف المصدر الأمني الفلسطيني أن الجهات الأمنية رصدت مؤخرا نشاط عصابات شبه منظمة تتلقى دعما مباشرة وغير مباشر من الاحتلال الإسرائيلي، في محاولة لاختلاق فوضى أمنية داخل القطاع.
وأكد المصدر أن تحرك العصابات على الأرض يتزامن مع الطلعات الجوية والاستهدافات التي ينفذها جيش الاحتلال بما يعكس تنسيقاً واضحاً وممنهجا بين الطرفين، بهدف تفكيك الجبهة الداخلية وضرب صمود الشعب الفلسطيني.
تقويض البنية الاجتماعية
في المقابل ترى أوساط فلسطينية في إعلان المرتزق أبو شباب أن عصابته تعمل تحت “الشرعية الفلسطينية”، في إشارة إلى السلطة الفلسطينية في رام الله، أمرًا خطيرًا يستدعي التوقف عن حقيقة وجود علاقة بين العصابة والسلطة التي لم تعلق على ما ورد في فيديو نشره أبو شباب على حسابات مرتبطة بعصابته على موقع “فيسبوك” قبل أيام.
ويحذر باحثون اجتماعيون من أن استمرار هذا المسار قد يؤدي إلى تشظي داخلي خطير، لا سيما في ظل تدهور الوضع الإنساني، وغياب المؤسسات الضامنة للعدالة والمحاسبة.
ويروا أن إعلان أبو شباب غير المباشر ارتباطه بالسلطة، وعمله في الوقت نفسه تحت مظلة الاحتلال في نسيج مجتمعي محتل ومحاصر له تداعيات خطيرة، من أبرزها: تآكل الثقة المجتمعية، حيث يصبح كل مدني موضع شك، تشجيع الثأر الداخلي وزيادة فرص الاقتتال الأهلي، إلى جانب إعادة إنتاج مفاهيم “العملاء الجدد” بأساليب أكثر تعقيدًا وخطورة من أدوات الاحتلال التقليدية.
الإجهاز على الكيانية الفلسطينية
وفي هذا الإطار كشف السفير الفلسطيني السابق عدلي صادق عن قيام أحد الضباط المتنفذين في أجهزة أمن السلطة برام الله بدعوة ضباط يعملون في جهاز المخابرات ويتواجدون بالضفة، وعرض عليهم المشاركة من مواقع قيادية في ظاهرة أبو شباب”، مؤكدًا أن “الجميع رفضوا”.
وكتب صادق، الذي يعد من كبار قادة فتح، على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك: “إن كان القائمون على هذا السلوك يريدون النصيحة، فليسارعوا إلى التنسيق لأفراد هذه الظاهرة، لاستيعابهم في أريحا، وقد أعذر من نصح وأنذر.. إن لم يفعلوا سنكون مضطرين لكلام بالإسم والعنوان”.
وأضاف: “هذا الغبي التافه، يجهل طبائع ومقاصد العمليات الأمنية في أي وطن، ولا يعلم أنه حتى المعارضين لحماس والناقمين عليها من سكان غزة، لن يقبلوا التماهي مع العدو، وكذلك القائمين على السياسات في الجوار العربي. فهؤلاء، الأخيرون، يدرسون مآلات مثل هذا السلوك ويعتبرونه خطراً على أمنهم القومي، ولكن كيف يفهم أمثال هذا الغبي المتواطيء هذا الأمر”.
وخاطب صادق شرفاء فتح: “أيها الفتحاويون الأحرار، هذه الشرذمة تُسيء لكم، ونعلم أنكم وقيادة السلطة لستم منخرطين في هكذا سياق، بل نعلم أن هذه الممارسة كلها ضدكم ودسيسة إسرائيلية للإجهاز عليكم. ألم يتهدد نتنياهو قيادة السلطة؟”.
وشدد على أن اقحام السلطة في تشكيل عصابي يعمل تحت حماية جيش الاحتلال، يعد من بين مفاعيل محاولات الإجهاز على الكيانية الفلسطينية في حال ضعفها وانفلات بعض الشراذم؟، وتساءل “أليس هذا السياق الخياني محاولة للفتك بالسلم الأهلي في غزة وتحويلنا إلى حال اللا تشكل الوطني والسياسي لكي يندثر المجتمع وبتوسل أولياء أمور آخرين يفعلون ما يريدون تهجيراً وإخضاعاً؟!”.
وتابع: “أيها الفتحاويون الشرفاء، لا بد من وقفة عز.. وإن احتجتم إلى تفصيلات على ما ذكرنا فنحن جاهزون للمساعدة”.
اليوم التالي للحرب
من جانبه، يقول الكاتب الفلسطيني محمد عياش في مقال نشرته القدس العربي في 2 يونيو، إن التشكيل العصابي يؤكد أن إسرائيل ما زالت تفتقد لسيناريو اليوم التالي، وما زالت تفتقد لوجود حلفاء أو عملاء لها في غزة
ويضيف في مقاله الموسوم بـ”مليشيا ياسر أبو شباب.. دلالات مهمة”: “ففي حال صحت الإدعاءات بأن هذه الميليشيا هي وحدة مستعربين، أو قوة تعمل لصالح الاحتلال، فهذا معناه أن محاولات تشكيل قوة موالية لإسرائيل في غزة ما زالت فاشلة، وإسرائيل لا تزال بعيدة كل البعد عن النجاح في هذا المجال، وهو ما يعني أنها تستطيع شن حرب على القطاع، لكنها لن تنجح في التحكم فيه ولا في مستقبله ومصير سكانه”.
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام
في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، دعمت سلطات الاحتلال الإسرائيلي تشكيل ميليشيا محلية في جنوب لبنان تُعرف بـ”جيش لبنان الجنوبي”، بقيادة سعد حداد ثم أنطوان لحد. كان الهدف من هذه الميليشيا هو تأمين الحدود الشمالية لإسرائيل ومواجهة فصائل المقاومة اللبنانية والفلسطينية، حيث تلقى جيش لحد دعمًا لوجستيًا وعسكريًا مباشرًا من إسرائيل، وتحول إلى أداة لقمع السكان المحليين، مما أدى إلى تفكك النسيج الاجتماعي في الجنوب اللبناني.
تعيد سلطات الاحتلال اليوم إنتاج نموذج لحد في غزة عبر العديد من التشكيلات العصابية غير المنظمة لكنها محمية من جيش الاحتلال، بيد أن النموذج الأكثر خطورة بات يتمثل فيما يعرف باسم “عصابة ياسر أبو شباب”، الذي يقود مجموعة مسلحة تعمل على تنفيذ عمليات نهب للمساعدات الإنسانية في غزة، خاصة في المناطق الخاضعة لسيطرة جيش الاحتلال في المناطق الجنوبية من القطاع.
ووفق معطيات أمنية وصور وثقتها عدسات الصحفيين، تعمل هذه العصابة بحرية في تلك مناطق تصنف بأنها حمراء خاضعة لسيطرة جيش الاحتلال، إذ ظهر أفراد من العصابة غير مرة وهم يرتدون زياً مدنياً ويتنقلون بمركبات مدنية، لكنهم يملكون تقنيات اتصال وسلاحًا إسرائيليًا من نوع إم 16، السلاح الأكثر تداولاً بين عناصر جيش الاحتلال، بما يؤكد تواطؤه في الدفع نحو تشكيل عصابي أـكثر منظم يعمل تحت مظلته.
مليشيات إجرامية
وعلى الرغم من التزام جيش الاحتلال الصمت حيال تشكيل أبو شباب العصابي، فقد كشف وزير جيش الاحتلال الأسبق أفيغدور ليبرمان، أن تل أبيب زودت “ميليشيات إجرامية” في قطاع غزة بأسلحة.
وقال ليبرمان، زعيم حزب “إسرائيل بيتنا” اليميني المعارض، لهيئة البث الإسرائيلية الرسمية إن “إسرائيل نقلت بنادق هجومية وأسلحة خفيفة إلى مليشيات إجرامية في غزة”، مضيفا أن هذه الخطوة تمت بأوامر من رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو.
وتابع: “في رأيي، لم يُوافق مجلس الوزراء على نقل الأسلحة، لكن رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك) كان يعلم”، مشيراً إلى عدم تأكده من علم رئيس أركان جيش الاحتلال بالأمر.
وأضاف ليبريان: “نحن نتحدث عن ما يُعادل تنظيم داعش الإرهابي في غزة، ولا أحد يمكنه أن يضمن أن هذه الأسلحة لن تُستخدم ضدنا في وقت ما، لا يوجد لدينا وسيلة لمراقبتها أو تعقبها”.
ووفقاً للهيئة، فقد رفض “الشاباك” التعقيب على تصريحات ليبرمان.
في تعقيبه على اتهامات ليبرمان، أصدر مكتب نتنياهو، بيانًا مقتضبًا لم ينفِ الادعاءات، واكتفى بالقول إن “إسرائيل تعمل على حسم المعركة ضد حركة حماس بطرق مختلفة ومتنوعة، بناءً على توصيات جميع قادة الأجهزة الأمنية”.
تفكيك غزة من الداخل
وتتقاطع هذه الاتهامات مع تقارير سابقة أفادت بأن إسرائيل تدعم عصابات إجرامية في قطاع غزة، متورطة في سرقة المساعدات وخلق حالة من الفوضى، ضمن محاولات لإضعاف سلطة حركة حماس في إطار الحرب المستمرة على القطاع.
وفي أكثر من مناسبة، أكد المكتب الإعلامي الحكومي في غزة أن “عصابات مسلحة” مدعومة من إسرائيل تنهب المساعدات الإنسانية الشحيحة التي تدخل غزة، في ظل حصار إسرائيلي خانق.
وتفيد تحقيقات ميدانية ومصادر مطلعة أن إسرائيل عملت، منذ الأشهر الأولى لحرب الإبادة في أكتوبر 2023، على دعم ظهور العصابات التي نفذت عمليات نهب للمنازل والأماكن العامة تحت نظر المسيرات الإسرائيلية.
في حين بدأت تظهر العصابات المسلحة في الربع الأخير من العام الماضي في الوقت الذي شددت فيه قوات الاحتلال عملياتها البرية على شمال القطاع، وقررت منع وصول المساعدات والمواد الغذائية، ورفضت السماح لأي جهة أمنية في غزة بتأمين الشاحنات تجنبا لتعرضها للسرقة من أفرد العصابات الذين برز أبو شباب، وهو سجين سابق قبل الحرب بتهم جنائية، كقائد لهم عبر مليشيا مسلحة تقدر الجهات الأمنية في غزة بأن عددهم يتراوح بين 100 إلى 300 عنصر.
وتفيد معطيات المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، بأن عمليات الاستهداف المباشرة التي تعرضت لها قوات الأمن وعناصر تأمين المساعدات التابعين لوزارة داخلية وعمليات الاغتيال المباشر لعناصرها على مدار 20 شهرا من الحرب، راح ضحيتها 754 شهيدا.
وبدا الأمر أكثر خطورة مع تعرضت مجموعة تأمين لقصف مباشر بثمانية استهدافات مباشرة من طائرات استطلاع وطائرات مُسيرة إسرائيلية على مدخل مدينة دير البلح وسط القطاع خلال اعتراضهم أفراد عصابات كانوا يسرقون شاحنات المساعدات فجر 23 مايو/أيار الماضي، ما تسبب في استشهاد 6 منهم، تبعها استهداف ثانٍ مباشر لأفراد من عناصر الداخلية خلال اعتراضهم عصابات على مفترق السرايا وسط مدينة غزة والمكتظ بالمارة، حيث تعرضت شاحنات للسرقة ظهر 29 مايو، واستشهد منهم 5 عناصر و4 مواطنين نتيجة القصف.
دفع هذا التحول إلى إعلان كتائب القسام، الذراع العسكري لحركة حماس، تلك العصابات قوة مستعربين تابعين لجيش الاحتلال الإسرائيلي. وقد بثت القسام مشاهد توثق استهداف عدد من عناصرها في رفح.
وأظهرت المقاطع المصورة تحرّك عناصر القوة قرب الحدود الشرقية، واقتحامها عددا من منازل الفلسطينيين، قبل أن يفجّر مقاتلو القسام أحد المنازل المفخخة أثناء وجود القوة بداخله، ما أدى إلى مقتل وإصابة عدد من أفرادها.
وأكد مصدر أمني بالمقاومة الفلسطينية، أن القوة المستهدفة كانت مجموعة من العملاء المجنّدين لصالح الاحتلال، وممن أوكلت إليهم مهام تمشيط المناطق الحدودية، ورصد تحركات المقاومة، إضافة إلى نهب المساعدات الإنسانية.
مخطط قديم متجدد
وشدد المصدر على أن الاحتلال يتبنى مخططا قديما متجددا، حيث رصدت الجهات الأمنية منذ أشهر عصابة مسلحة شرق محافظة رفح جنوبي قطاع غزة تتحرك تحت حماية غير معلنة من طائرات الاحتلال الإسرائيلي.
وأوضح المصدر -في حديث للجزيرة نت- أن تلك العصابة مارست جرائم النهب والترويع، وسكت عنها الاحتلال عمداً بل حماها من الاستهداف رغم علمه بنشاطها، لأنه كان يهدف لاختلاق واقع فوضوي داخلي يسهل من خلاله ضرب المقاومة ومناعة المجتمع الفلسطيني.
وكشف المصدر الأمني الفلسطيني أن الجهات الأمنية رصدت مؤخرا نشاط عصابات شبه منظمة تتلقى دعما مباشرة وغير مباشر من الاحتلال الإسرائيلي، في محاولة لاختلاق فوضى أمنية داخل القطاع.
وأكد المصدر أن تحرك العصابات على الأرض يتزامن مع الطلعات الجوية والاستهدافات التي ينفذها جيش الاحتلال بما يعكس تنسيقاً واضحاً وممنهجا بين الطرفين، بهدف تفكيك الجبهة الداخلية وضرب صمود الشعب الفلسطيني.
تقويض البنية الاجتماعية
في المقابل ترى أوساط فلسطينية في إعلان المرتزق أبو شباب أن عصابته تعمل تحت “الشرعية الفلسطينية”، في إشارة إلى السلطة الفلسطينية في رام الله، أمرًا خطيرًا يستدعي التوقف عن حقيقة وجود علاقة بين العصابة والسلطة التي لم تعلق على ما ورد في فيديو نشره أبو شباب على حسابات مرتبطة بعصابته على موقع “فيسبوك” قبل أيام.
ويحذر باحثون اجتماعيون من أن استمرار هذا المسار قد يؤدي إلى تشظي داخلي خطير، لا سيما في ظل تدهور الوضع الإنساني، وغياب المؤسسات الضامنة للعدالة والمحاسبة.
ويروا أن إعلان أبو شباب غير المباشر ارتباطه بالسلطة، وعمله في الوقت نفسه تحت مظلة الاحتلال في نسيج مجتمعي محتل ومحاصر له تداعيات خطيرة، من أبرزها: تآكل الثقة المجتمعية، حيث يصبح كل مدني موضع شك، تشجيع الثأر الداخلي وزيادة فرص الاقتتال الأهلي، إلى جانب إعادة إنتاج مفاهيم “العملاء الجدد” بأساليب أكثر تعقيدًا وخطورة من أدوات الاحتلال التقليدية.
الإجهاز على الكيانية الفلسطينية
وفي هذا الإطار كشف السفير الفلسطيني السابق عدلي صادق عن قيام أحد الضباط المتنفذين في أجهزة أمن السلطة برام الله بدعوة ضباط يعملون في جهاز المخابرات ويتواجدون بالضفة، وعرض عليهم المشاركة من مواقع قيادية في ظاهرة أبو شباب”، مؤكدًا أن “الجميع رفضوا”.
وكتب صادق، الذي يعد من كبار قادة فتح، على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك: “إن كان القائمون على هذا السلوك يريدون النصيحة، فليسارعوا إلى التنسيق لأفراد هذه الظاهرة، لاستيعابهم في أريحا، وقد أعذر من نصح وأنذر.. إن لم يفعلوا سنكون مضطرين لكلام بالإسم والعنوان”.
وأضاف: “هذا الغبي التافه، يجهل طبائع ومقاصد العمليات الأمنية في أي وطن، ولا يعلم أنه حتى المعارضين لحماس والناقمين عليها من سكان غزة، لن يقبلوا التماهي مع العدو، وكذلك القائمين على السياسات في الجوار العربي. فهؤلاء، الأخيرون، يدرسون مآلات مثل هذا السلوك ويعتبرونه خطراً على أمنهم القومي، ولكن كيف يفهم أمثال هذا الغبي المتواطيء هذا الأمر”.
وخاطب صادق شرفاء فتح: “أيها الفتحاويون الأحرار، هذه الشرذمة تُسيء لكم، ونعلم أنكم وقيادة السلطة لستم منخرطين في هكذا سياق، بل نعلم أن هذه الممارسة كلها ضدكم ودسيسة إسرائيلية للإجهاز عليكم. ألم يتهدد نتنياهو قيادة السلطة؟”.
وشدد على أن اقحام السلطة في تشكيل عصابي يعمل تحت حماية جيش الاحتلال، يعد من بين مفاعيل محاولات الإجهاز على الكيانية الفلسطينية في حال ضعفها وانفلات بعض الشراذم؟، وتساءل “أليس هذا السياق الخياني محاولة للفتك بالسلم الأهلي في غزة وتحويلنا إلى حال اللا تشكل الوطني والسياسي لكي يندثر المجتمع وبتوسل أولياء أمور آخرين يفعلون ما يريدون تهجيراً وإخضاعاً؟!”.
وتابع: “أيها الفتحاويون الشرفاء، لا بد من وقفة عز.. وإن احتجتم إلى تفصيلات على ما ذكرنا فنحن جاهزون للمساعدة”.
اليوم التالي للحرب
من جانبه، يقول الكاتب الفلسطيني محمد عياش في مقال نشرته القدس العربي في 2 يونيو، إن التشكيل العصابي يؤكد أن إسرائيل ما زالت تفتقد لسيناريو اليوم التالي، وما زالت تفتقد لوجود حلفاء أو عملاء لها في غزة
ويضيف في مقاله الموسوم بـ”مليشيا ياسر أبو شباب.. دلالات مهمة”: “ففي حال صحت الإدعاءات بأن هذه الميليشيا هي وحدة مستعربين، أو قوة تعمل لصالح الاحتلال، فهذا معناه أن محاولات تشكيل قوة موالية لإسرائيل في غزة ما زالت فاشلة، وإسرائيل لا تزال بعيدة كل البعد عن النجاح في هذا المجال، وهو ما يعني أنها تستطيع شن حرب على القطاع، لكنها لن تنجح في التحكم فيه ولا في مستقبله ومصير سكانه”.