بطاقة عيد، لا عيد فيها..
الشيخ رائد صلاح
ماذا سأكتب في بطاقة العيد؟ ولمن سأكتب بطاقة العيد؟ ولمن سأرسل بطاقة العيد؟ وها نحن على أبواب العيد؟ ولكن… هل هناك من أُمّة الملياري مسلم وعربي، من يستحق أن نقول له: تقبل الله منا ومنكم الطاعات، بداية من نفسي، ووصولًا إلى آخر واحد منّا في هذين المليارين. وماذا قدَّم الواحد منّا من طاعات حتى نقول له: تقبل الله منّا ومنكم الطاعات؟ وماذا قدم الواحد منا من خير حتى نقول له: كل عام وأنتم بخير؟ وهل حفظ أي واحد منّا السلام لروح مظلومة مهدورة الدم حتى نقول له: كل سنة وأنتم سالمون؟ هل هناك حاكم مسلم أو عربي، سواء كان ملكًا أو رئيسًا أو أميرًا، يستحق أن نقول له واحدة من هذه التحيات التي اعتدنا أن نتبادلها في كل عيد فطر أو عيد أضحى؟ وهل هناك من هو دونهم من وزراء وخفراء وخبراء وعلماء وشعراء وأدباء وحكماء وعقلاء وسفهاء ونجباء وأذكياء وأثرياء وفقراء وأقوياء وضعفاء وبسطاء، من يستحق أن نقول له واحدة من هذه التحيات التي اعتادت القنوات الفضائية أن تتزين بها بكل لغات المسلمين وبكل لهجات العرب في كل عيد من هذين العيدين؟ من يجرؤ منا أن ينظر في عيون أرامل غزة وثكلاها ومشرديها وأيتامها وجياعها ومرضاها وأطفالها ورضعها، فنقدم له واحدة من هذه التحيات؟
ولكن يا حيف ويا ألف حيف، حيث لا أحد منا يجرؤ أن ينظر في عيونهم، إذا ظل في عروقه ولو قطرة من حياء. ولو تمادى واحد منّا ونظر في عيونهم علنًا أو خفية، ماذا سيقول لهم؟ وهل سيملك لسانًا أصلًا حتى ينطق ببنت شفة في آذانهم؟ وهل سيملك كلمة يتيمة، خجولة، جوفاء، يتمتم بها لهم؟ فيا أسفي على حالي، وعلى حال أمة المليارين من مسلمين وعرب. هل سنقول لهم: يا أهل غزة، عقد ذو الجلالة والفخامة والسعادة والمعالي والفضيلة، ملوكنا وحكامنا وأمراؤنا، عشرات مؤتمرات القمة الطارئة، وأدانوا الحرب على غزة، وطالبوا بوقفها، وناشدوا العم سام ترامب فك الحصار عن غزة والسماح لهم بتقديم قناني الحليب وأكياس الطحين وصفائح الزيت وحفاظات الأطفال وضمادات الجرحى وأكفان الموتى وخيام المشردين وأدوات الهجرة وعطور القرشي والمناديل الورقية، ولكن العم سام ترامب اعتذر في آخر لحظة، ووعد أن ينظر في الموضوع مرة أخرى.
يا حيف علينا، أليس فينا رجل رشيد حتى يقول لنا: اصمتوا وكفوا عن الثرثرة، أيها الثرثارون، أم سنقول لأهل غزة: شغلتنا أعراسنا ومهرجانات غنائنا، وحلقات رقصنا، ومنصات دبكتنا، وتصفيات بطولاتنا الرياضية، وسباقات خيولنا وأبلنا، وتنمية تجاراتنا وأسواقنا، وإكرام ضيوفنا، وإحياء مسارحنا، وتنشيط نوادينا، وكثرة تدريبنا على السلام الملكي والنشيد الوطني، وبذل جهدنا لتزيين يوم الاستقلال، ويوم الأم، ويوم المرأة، ويوم الطفل، ويوم البيئة، ويوم التطوع.
يا حيف علينا. هل في ذلك أعذار لنا، تستر عورتنا يوم أن سولت لنا أنفسنا هذا الصمت المعيب عن كرب غزة؟ يا حيف علينا. هلا عرفنا واعترفنا أن كرامة الملياري مسلم وعربي، قد تحطمت على أعتاب غزة، وقد يصعب ترميمها، وقد يطول؟ وهلا صارحنا أنفسنا، وصارحنا أطفالنا، وقلنا لهم: إن شهامتنا قتلناها بأيدينا، وإن نخوتنا وأدناها عن سبق إصرار، وإن مروءتنا دفناها تحت تراب وهننا وهواننا وعارنا قبل أن يدفن أهل غزة ضحاياهم؟
يا حيف علينا. ليتنا نعلم أننا، قبل أن نضحي بأضاحي العيد، فقد ضحينا بأخوتنا وأحاسيسنا وإنسانيتنا وقيمنا وثوابتنا الإسلامية العروبية، وذبحناها دون أن ترجف لنا عين، ودون أن يضطرب لنا فؤاد على أعتاب مخيمات غزة، ومقابرها، وأطلال بيوتها ومدارسها ومساجدها وكنائسها ومستشفياتها.
وليتنا نعلم أننا في الوقت الذي يطوف فيه حجاجنا حول الكعبة، فهناك بعض ولاتنا يطوفون حول البيت الأبيض، وفي الوقت الذي يقول فيه حجاجنا: لبيك اللهم لبيك، فهناك الواهمون فينا يقولون: لبيك أيها العم ترامب لبيك. وخذ منا ما ابتغيت، خذ منا ترليون أو اثنين أو خمسة. ولتعلم أن الذي تأخذه منا أحب إلينا مما تبقيه عندنا. وليتنا نعلم أننا في الوقت الذي يرجم حجاجنا العقبة الصغرى والوسطى والكبرى، فإن الطغاة فينا وبطانة سوئهم هم لا يزالون يرجمون الأحرار فينا ويسلقونهم بألسنتهم ويلذعونهم بسياطهم رغم قلة هؤلاء الأحرار.
يا حيف علينا. فهي غزة التي كأني بها تقول لنا: لا تحزنوا عليّ بل أنا التي أحزن عليكم, ولا تبكوا عليّ، بل أنا التي أبكي عليكم، ولا تشفقوا عليّ، بل أنا التي أشفق عليكم. فأنا غزة، ورغم جوعي وعطشي ومرضي وحصاري وقصفي وهدمي وتهجيري، لا زلت غزة العصية على القهر والمذلة والاستسلام. ومنذ أكثر من ستمائة يوم من الكرب الشديد الذي دفنني من رأسي حتى أخمص قدمي، لا زلت صابرة، مصابرة، صبارة، لا أعطي دنية في ديني، ولا زلت حرة قد تجوع، ولكنها لن تأكل بثدييها، ولا زلت قابضة على شرفي كالقابضين على الجمر، لا أقيل ولا أستقيل، ولا زلت مبتسمة للموت، وهو الذي يطاردني ويختبئ لي في سيارات الإسعاف، وفي مقرات توزيع المساعدات الملغومة، وفي مباني المستشفيات، وفي خيام المهجرين، وفي مقرات الأونروا. أنا غزة التي احتارت فيكم، فأنا التي لا زلت ثابتة منذ أكثر من ستمائة يوم، وأما أنتم فقد سلّمتم البلاد والعباد بعد ستة أيام من اقتحام القوات الإسرائيلية لسيناء والقدس المباركة والضفة الغربية والجولان. وأنا التي لا زلت أُحرك الأرض بيميني وأدفع مأساتي بشمالي. لكل ذلك؟ أنا غزة التي تقول لكم: كل عام وأنتم بخير.
الشيخ رائد صلاح
ماذا سأكتب في بطاقة العيد؟ ولمن سأكتب بطاقة العيد؟ ولمن سأرسل بطاقة العيد؟ وها نحن على أبواب العيد؟ ولكن… هل هناك من أُمّة الملياري مسلم وعربي، من يستحق أن نقول له: تقبل الله منا ومنكم الطاعات، بداية من نفسي، ووصولًا إلى آخر واحد منّا في هذين المليارين. وماذا قدَّم الواحد منّا من طاعات حتى نقول له: تقبل الله منّا ومنكم الطاعات؟ وماذا قدم الواحد منا من خير حتى نقول له: كل عام وأنتم بخير؟ وهل حفظ أي واحد منّا السلام لروح مظلومة مهدورة الدم حتى نقول له: كل سنة وأنتم سالمون؟ هل هناك حاكم مسلم أو عربي، سواء كان ملكًا أو رئيسًا أو أميرًا، يستحق أن نقول له واحدة من هذه التحيات التي اعتدنا أن نتبادلها في كل عيد فطر أو عيد أضحى؟ وهل هناك من هو دونهم من وزراء وخفراء وخبراء وعلماء وشعراء وأدباء وحكماء وعقلاء وسفهاء ونجباء وأذكياء وأثرياء وفقراء وأقوياء وضعفاء وبسطاء، من يستحق أن نقول له واحدة من هذه التحيات التي اعتادت القنوات الفضائية أن تتزين بها بكل لغات المسلمين وبكل لهجات العرب في كل عيد من هذين العيدين؟ من يجرؤ منا أن ينظر في عيون أرامل غزة وثكلاها ومشرديها وأيتامها وجياعها ومرضاها وأطفالها ورضعها، فنقدم له واحدة من هذه التحيات؟
ولكن يا حيف ويا ألف حيف، حيث لا أحد منا يجرؤ أن ينظر في عيونهم، إذا ظل في عروقه ولو قطرة من حياء. ولو تمادى واحد منّا ونظر في عيونهم علنًا أو خفية، ماذا سيقول لهم؟ وهل سيملك لسانًا أصلًا حتى ينطق ببنت شفة في آذانهم؟ وهل سيملك كلمة يتيمة، خجولة، جوفاء، يتمتم بها لهم؟ فيا أسفي على حالي، وعلى حال أمة المليارين من مسلمين وعرب. هل سنقول لهم: يا أهل غزة، عقد ذو الجلالة والفخامة والسعادة والمعالي والفضيلة، ملوكنا وحكامنا وأمراؤنا، عشرات مؤتمرات القمة الطارئة، وأدانوا الحرب على غزة، وطالبوا بوقفها، وناشدوا العم سام ترامب فك الحصار عن غزة والسماح لهم بتقديم قناني الحليب وأكياس الطحين وصفائح الزيت وحفاظات الأطفال وضمادات الجرحى وأكفان الموتى وخيام المشردين وأدوات الهجرة وعطور القرشي والمناديل الورقية، ولكن العم سام ترامب اعتذر في آخر لحظة، ووعد أن ينظر في الموضوع مرة أخرى.
يا حيف علينا، أليس فينا رجل رشيد حتى يقول لنا: اصمتوا وكفوا عن الثرثرة، أيها الثرثارون، أم سنقول لأهل غزة: شغلتنا أعراسنا ومهرجانات غنائنا، وحلقات رقصنا، ومنصات دبكتنا، وتصفيات بطولاتنا الرياضية، وسباقات خيولنا وأبلنا، وتنمية تجاراتنا وأسواقنا، وإكرام ضيوفنا، وإحياء مسارحنا، وتنشيط نوادينا، وكثرة تدريبنا على السلام الملكي والنشيد الوطني، وبذل جهدنا لتزيين يوم الاستقلال، ويوم الأم، ويوم المرأة، ويوم الطفل، ويوم البيئة، ويوم التطوع.
يا حيف علينا. هل في ذلك أعذار لنا، تستر عورتنا يوم أن سولت لنا أنفسنا هذا الصمت المعيب عن كرب غزة؟ يا حيف علينا. هلا عرفنا واعترفنا أن كرامة الملياري مسلم وعربي، قد تحطمت على أعتاب غزة، وقد يصعب ترميمها، وقد يطول؟ وهلا صارحنا أنفسنا، وصارحنا أطفالنا، وقلنا لهم: إن شهامتنا قتلناها بأيدينا، وإن نخوتنا وأدناها عن سبق إصرار، وإن مروءتنا دفناها تحت تراب وهننا وهواننا وعارنا قبل أن يدفن أهل غزة ضحاياهم؟
يا حيف علينا. ليتنا نعلم أننا، قبل أن نضحي بأضاحي العيد، فقد ضحينا بأخوتنا وأحاسيسنا وإنسانيتنا وقيمنا وثوابتنا الإسلامية العروبية، وذبحناها دون أن ترجف لنا عين، ودون أن يضطرب لنا فؤاد على أعتاب مخيمات غزة، ومقابرها، وأطلال بيوتها ومدارسها ومساجدها وكنائسها ومستشفياتها.
وليتنا نعلم أننا في الوقت الذي يطوف فيه حجاجنا حول الكعبة، فهناك بعض ولاتنا يطوفون حول البيت الأبيض، وفي الوقت الذي يقول فيه حجاجنا: لبيك اللهم لبيك، فهناك الواهمون فينا يقولون: لبيك أيها العم ترامب لبيك. وخذ منا ما ابتغيت، خذ منا ترليون أو اثنين أو خمسة. ولتعلم أن الذي تأخذه منا أحب إلينا مما تبقيه عندنا. وليتنا نعلم أننا في الوقت الذي يرجم حجاجنا العقبة الصغرى والوسطى والكبرى، فإن الطغاة فينا وبطانة سوئهم هم لا يزالون يرجمون الأحرار فينا ويسلقونهم بألسنتهم ويلذعونهم بسياطهم رغم قلة هؤلاء الأحرار.
يا حيف علينا. فهي غزة التي كأني بها تقول لنا: لا تحزنوا عليّ بل أنا التي أحزن عليكم, ولا تبكوا عليّ، بل أنا التي أبكي عليكم، ولا تشفقوا عليّ، بل أنا التي أشفق عليكم. فأنا غزة، ورغم جوعي وعطشي ومرضي وحصاري وقصفي وهدمي وتهجيري، لا زلت غزة العصية على القهر والمذلة والاستسلام. ومنذ أكثر من ستمائة يوم من الكرب الشديد الذي دفنني من رأسي حتى أخمص قدمي، لا زلت صابرة، مصابرة، صبارة، لا أعطي دنية في ديني، ولا زلت حرة قد تجوع، ولكنها لن تأكل بثدييها، ولا زلت قابضة على شرفي كالقابضين على الجمر، لا أقيل ولا أستقيل، ولا زلت مبتسمة للموت، وهو الذي يطاردني ويختبئ لي في سيارات الإسعاف، وفي مقرات توزيع المساعدات الملغومة، وفي مباني المستشفيات، وفي خيام المهجرين، وفي مقرات الأونروا. أنا غزة التي احتارت فيكم، فأنا التي لا زلت ثابتة منذ أكثر من ستمائة يوم، وأما أنتم فقد سلّمتم البلاد والعباد بعد ستة أيام من اقتحام القوات الإسرائيلية لسيناء والقدس المباركة والضفة الغربية والجولان. وأنا التي لا زلت أُحرك الأرض بيميني وأدفع مأساتي بشمالي. لكل ذلك؟ أنا غزة التي تقول لكم: كل عام وأنتم بخير.