هل سيصل العالم الى مناعة قطيع للسيطرة على فيروس كورونا؟

د.فوزي ضمين ابوخليل

  • الأحد 12, ديسمبر 2021 10:43 ص
  • هل سيصل العالم الى مناعة قطيع للسيطرة على فيروس كورونا؟
منذ تفشي فيروس كورونا "كوفيد-19"، قامت الشركات بالتعجيل في إنتاج اللقاحات، و كذلك قامت حكومات الدول الغنية بالتعاقد مع الشركات منذ البداية في التجارب السريرية، و شراء جرعات من اللقاح من شركات مختلفة تفوق حاجتها بأضعاف مضاعفة، و بعد مرور عام على توزيع اللقاح، يرد السؤال: أين وصل العالم من مناعة القطيع للسيطرة على الفيروس؟ وما هي مناعة القطيع؟ و كيف يتم الوصول إليها للسيطرة على الفيروس؟ وهل الاستراتيجيات المتبعة حاليا ستوصل العالم الى مناعىة قطيع؟ ما هي مناعة القطيع؟ و كيف يتم الوصول اليها؟
هل سيصل العالم الى مناعة قطيع للسيطرة على فيروس كورونا؟

منذ تفشي فيروس كورونا "كوفيد-19"، قامت الشركات بالتعجيل في إنتاج اللقاحات، و كذلك قامت حكومات الدول الغنية بالتعاقد مع الشركات منذ البداية في التجارب السريرية، و شراء جرعات من اللقاح من شركات مختلفة تفوق حاجتها بأضعاف مضاعفة، و بعد مرور عام على توزيع اللقاح، يرد السؤال: أين وصل العالم من مناعة القطيع للسيطرة على الفيروس؟ وما هي مناعة القطيع؟ و كيف يتم الوصول إليها للسيطرة على الفيروس؟ وهل الاستراتيجيات المتبعة حاليا ستوصل العالم الى مناعىة قطيع؟
ما هي مناعة القطيع؟ و كيف يتم الوصول اليها؟
تتحقق مناعة القطيع عندما تتكون مناعة عند عدد كبير من الناس  ضد مرض معين، و عند توفر المناعة الكافية تتم حماية المجتمع والسيطرة على المرض، و تختلف تقديرات العلماء حول نسبة السكان اللازمة للوصول الى مناعة قطيع، و لكن تتراوح النسبة ما بين 70 الى 90 في المائة من الناس، و تزيد هذه النسبة كلما زادت سرعة انتشار المرض و العدوى بين الناس.
و يتم الوصول الى مناعة القطيع في أي مجتمع بطريقتين، إما بعد الاصابة بالعدوى "العدوى الطبيعية" و ذلك عند إصابة و تعافي عدد كبير من الناس من المرض، حيث يتم تكوين أجسام مضادة تحمي من الإصابة بالعدوى في المستقبل، أو الطريقة الأخرى عبر اللقاحات، وذلك عندما يتلقى عدد كبير بنسبة كبيرة من اللقاح الفعال الذي تزيد فعاليته عن 75 في المائة على الأقل، و بالتالي تكوين اجسام مضادة واقية من العدوى في المستقبل. و في تلك الحالتين لا بد من تكوين مناعة على الأقل عند 70 في المائة من الناس لتكوين مناعة قطيع، سواء المناعة التي تحققت عبر العدوى الطبيعية أو التي تحققت عبر اللقاحات.
يتم حاليا توجيه الجهود و الخطط و الاستراتيجيات للوصول الى مناعة قطيع عبر اللقاحات، و لكن هنالك عقبات قد تحول دون وصول العالم الى مناعة قطيع، فما هي هذه العقبات؟ وهل الاستراتيجية المتبعة حاليا ستوصل العالم الى مناعة قطيع؟
1ـ الفجوة العالمية في توزيع اللقاح: هنالك فجوة عالمية في توزيع اللقاح المنتج في دول لعالم بسبب قيام الدول المصنفة بالدول الغنية بشراء كميات لقاح تزيد عن حاجتها بأضعاف مضاعفة، وعدم قدرة الدول المصنفة بالدول الفقيرة بشراء كميات أو التعاقد مع الشركات المنتجة، و بالتالي حصلت فجوة عالمية في توزيع اللقاحات بين الدول بناء على تصنيف الدول حسب مستوى الدخل.
فمثلا تشكل نسبة السكان في الدول الغنية ما يقارب 16 في المائة من سكان العالم، و لكن قامت هذه الدول بشراء ما يقارب 53 في المائة من أول كمية لقاح تم إنتاجه من الشركات، بينما حصلت الدول الفقيرة على أقل من 6 في المائة من كمية اللقاح المنتج، و بشكل عام احتفظت الدول التي تمثل سُبع سكان العالم، بأكثر من نصف اللقاحات المتاحة بحلول يونيو 2021. و في أحد الدراسات في جامعة نورث إيسترن الأمريكية، حيث قام بعض العلماء بدراسة استراتيجيتين في قضية التوزيع العادل للقاح، و توصلوا الى أن 61 في المائة من الوفيات في جميع أنحاء العالم كان من الممكن تجنبها اذا تعاونت البلدان على تنفيذ خطة لقاحات عادلة، في المقابل كان من الممكن تجنب فقط 33 في المائة من الوفيات اذا حصلت البلدان الغنية على اللقاحات أولا.
لذلك قامت الهند و البرازيل و جنوب افريقيا بتقديم طلبات لتخفيف القيود على الملكية الفكرية، وبالتالي تقوم هذه الدول بانتاج كمية لقاح لتغطي عدد السكان في هذه الدول، ولكن قوبلت هذه الطلبات بالرفض التام من قبل الشركات و الدول المصنعة، لأن ذلك يقلل من الربح المادي لهذه الشركات.
2ـ تلاشي فعالية اللقاح مع الوقت: تتلاشى فعالية اللقاحات مع الوقت، حيث أن معظم اللقاحات توفر مناعة في جسم الانسان لمدة 6 شهور، وذلك بسبب انخفاض نسبة المضادات التي توفرها اللقاحات في جسم الانسان و بالتالي تقل الفعالية. فعلى سبيل المثال حسب دراسات حديثة تم نشرها في مجلة "نيو انجلاند الطبية": حيث تبين في الدراسة الأولى أن الفعالية و الحماية التي يوفرها لقاح فايزر في هذه الدراسة بأنها تنخفض تدريجيا لتصل الى 20 في المائة بعد الشهر الخامس الى السابع من أخذ الجرعة الثانية من لقاح فايزر، و كذلك في دراسة أخرى تم نشرها في نفس المجلة للكشف عن نسبة المضادات الموجودة في الجسم بعد لقاح فايزر، حيث وجدوا أن نسبة المضادات في الدم كانت ثابتة لمدة 6 شهور بعد الجرعة الثانية من لقاح فايزر، لذلك قامت شركة فايزر بإعطاء جرعات تعزيزية بعد 6 شهور من الجرعة الثانية.
و في دراسة حديثة تم نشرها في مجلة لانسيت العلمية، حيث انخفضت فعالية لقاح فايزر الى 47 في المائة بعد ستة أشهر من الجرعة الثانية. لذلك تلاشت فعالية اللقاح و الحماية التي يوفرها اللقاح مع الوقت، حيث في ظل وجود فجوات تلقيح بين الدول الغنية و الدول الفقيرة، و مع تلاشي فعالية اللقاح بعد ما يقارب 6 شهور، و بالتالي الحاجة الى جرعات تعزيزية بعد مرور 6 شهور، وهذه الفجوة تتسع باستمرار، حيث بناء على هذه المعطيات تتوفر مناعة القطيع في المجتمع في حالة حدوث مناعة خلال فترة 6 شهور في نسبة كبيرة من سكان العالم تزيد عن 70 في المائة، و حتى يحصل ذلك لا بد من أن تقوم كل الدول بالتصنيع الذاتي و الانتاج الذاتي لحاجتها، و لكن ذلك يستحيل في ظل قيوم الملكية الفكرية و ظل الفجوة في توزيع اللقاحات.
3ـ متحورات كورونا: المتحور هو فيروس طرأت عليه طفرة أدت الى اختلافه عن الفيروس الأصلي في بعض الصفات، و الطفرات ظاهرة طبيعية في الفيروسات بشكل عام، فلدينا اّلاف من متحورات فيروس كورونا حاليا، و ذلك أمر طبيعي، و كلما زادت عدد الطفرات في المتحور كلما زادت احتمالية تغير صفات الفيروس المتحور. وأغلب المتحورات تؤدي الى إضعاف الفيروس، و لكن نسبة قليلة جدا تؤدي الى تقويته، حيث يمكن أن تزيد من سرعة انتشار وانتقال المتحور من شخص لآخر و بالتالي زيادة العدوى، أو أن تزيد من حدة و شدة المرض و بالتالي زيادة دخول المستشفيات و الوفيات، أو كلاهما معا.
و ظهور المتحورات بشكل عام يشكل عقبة كبيرة في أزمة كورونا، من حيث الحاجة الى تصنيع أجهزة فحص جديدة للكشف عن المتحور و تشخيصه، و المشكلة الأساسية هي فعالية اللقاحات ضد المتحورات، حيث أن اللقاحات مصنعة بناءًٌُُُُُُُُُُ على تركيبة جينية معينة للفيروس الأصلي، لذلك عند حدوث متحورات قد تقل فعالية اللقاح ضد المتحورات و بالتالي قد يكون هناك حاجة لإعادة تصنيع اللقاحات بناء على المتحور، فمثلا متحور دلتا أدى الى زيادة انتشار العدوى بما يقارب 3 أضعاف الفيروس الأصلي، و كذلك أدى الى انخفاض فعالية اللقاحات، فقد توصلت دراسة حديثة تم نشرها في مجلة لانسيت العلمية الى أن فعالية لقاح فايزر انخفضت الى 53 في المائة بعد أربعة أشهر، بينما كانت 93 في المائة بعد الشهر الأول من أخذ اللقاح، و كذلك انخفضت الفعالية الى 67 في المائة في مواجهة متحورات أخرى. لذلك مع انخفاض فعالية اللقاحات تجاه المتحور دلتا، قامت جمعية الأمراض المعدية الأمريكية برفع عتبة مناعة القطيع لتطعيم أكثر من 80 في المائة أو حتى 90 في المائة من سكان العالم بدلا من 70 في المائة قبل ظهور المتحورات، أي للوصول الى مناعة قطيع تزداد النسبة المراد تلقيحها في ظل وجود متحورات تقلل من فعالية اللقاح.
و بالنسبة للمتحور الجديد أوميكرون، حيث يختلف عن المتحورات الأخرى بوجود عدد كبير من الطفرات الجينية، و لكن لا يوجد أدلة علمية حتى هذه اللحظة عن مدى سرعة انتشاره و مدى حدة تأثيره على جسم الانسان و كذلك مدة فعالية اللقاحات عليه، و هذا ما ستكشفه الأيام القادمة.
4ـ التردد في أخذ اللقاح: هناك نسبة لا يستهان بها في العالم ترددت في أخذ اللقاحات، و التردد في أخذ اللقاح عالميا له أسباب كثيرة، منها أسباب علمية، حيث تم تصنيع اللقاحات خلال عدة شهور، و كذلك ازدواجية المعايير التي حصلت خلال جائحة كورونا، حيث قامت حكومات عديدة باتخاذ قرارات متناقضة علميا في طرق الوقاية من الفيروس و ذلك استغلالا للأزمة، فأدى ذلك الى تشكك الناس و عدم الثقة في الحكومات و النظام الصحي العالمي. و في استبيان حديث، تمت فيه مشاركة 12 مليون فرد من بين 115 دولة في العالم للكشف عن اسباب رفض اللقاح، حيث تم تحليل البيانات من قبل مركز جون هوبكن، حسب نتائج الاستبيان فان الأسباب الرئيسية وراء نسبة الرفض العالية هي بسبب الخوف من الأعراض الجانبية، و عدم الثقة في فاعلية اللقاح للسيطرة و القضاء على المرض.
5ـ عدم وضع خطط و استراتيجيات للكشف عن توفر المناعة عبر العدوى الطبيعية: حيث كما ذكرت في بداية المقال تتشكل مناعة القطيع اما بالعدوى الطبيعية أو عبر اللقاحات، لكن الاستراتيجية المتبعة حاليا، تستخدم نسبة من تلقى اللقاح للوصول الى مناعة القطيع، و لا يوجد استراتيجية دولية للكشف عن المناعة و نسبها عبر العدوى الطبيعية، حيث في ظل وجود فجوة لقاحات بين الدول الغنية و الفقيرة، و كذلك انتشار للفيروس بعد مرور عامين منذ اكتشافه، و كذلك ما يقارب 50 في المائة من الاصابات لا يوجد عندهم أعراض أو ربما اعراض بسيطة، لذلك في الدول ذات نسب التطعيم القليلة، قد تكون هناك نسبة معينة توفرت لديها مناعة عبر العدوى الطبيعية، و معرفة هذه النسبة في كل الدول تساعد في معرفة مدى وصول المجتمعات الى مناعة قطيع، مع الأخذ بعين الاعتبار نسبة من تلقى اللقاح و كذلك نسبة من توفر لديه مناعة طبيعية عبر العدوى و خاصة في الدول ذات التطعيم بنسبة قليلة، و كذلك تساعد في قضية التوزيع العادل للتطعيم، لكن مثل هذه الاستراتيجيات قد تتناقض نتائجها مع المنفعة المادية للشركات و تقلل من كمية استهلاك اللقاحات في العالم، لذلك الاحتكام الى المنفعة المادية يشكل عقبة كبيرة في القرارات المتبعة لدراسة مدى التوصل الى مناعة قطيع في الدول. 
و في الختام:
نستنتج من ذلك صعوبة او استحالة توصل العالم الى مناعة قطيع في ظل الجشع الرأسمالي الذي يقدم الحل للأزمة من حيث القيود على الملكية الفكرية و بالتالي حصر التصنيع و الانتاج و احتكاره، و كذلك وجود فجوة عالمية في توزيع اللقاحات، و بالاضافة الى ذلك تلاشي فعالية اللقاحات مع الوقت، و كذلك انخفاض فعالية اللقاح في مواجهة المتحورات، و بالاضافة الى عدم وجود سياسات واستراتيجية للكشف عن وجود مناعة عبر العدوى الطبيعية، كل هذه العوامل تحول دون وصول العالم الى مناعة قطيع للسيطرة على الفيروس.
لذلك فإن البشرية جمعاء بحاجة ماسة الى نظام بديل يوفر الرعاية للناس، و يرعى الانسان من حيث هو انسان، و يكون الانسان هو محور الاهتمام و ليس المنفعة المادية او أرباح الشركات، و يزيل هذا النظام قيود الملكية الفكرية، لذلك النظام البديل و الوحيد الكفيل لحل مثل هذه الأزمة هو النظام الإسلامي، فهو كفيل لحل كل مشاكل البشرية سواء الاقتصادية أو الاجتماعية أوالتعليمية أو الصحية كأزمة كورونا، و صدق رسول الله عليه الصلاة و السلام حيث قال: " تداووا، فإن الله عز وجل لم يضع داء إلا وضع له دواء، غير داء واحد الهرم".
د.فوزي ابوخليل
فلوريدا
أمريكا
07-12-2021
المراجع
1- https://www.statista.com/chart/22945/rich-countries-share-of-covid-vaccine-purchases/
2- https://www.europeanpharmaceuticalreview.com/news/136170/rich-countries-buy-up-majority-of-covid-19-vaccine-doses-peoples-vaccine-alliance-says/
3- https://news.northeastern.edu/2020/09/14/if-rich-countries-monopolize-covid-19-vaccines-it-could-cause-twice-as-many-deaths-as-distributing-them-equally/
4- https://www.cdc.gov/
5-
6- https://www.nejm.org/
7- https://www.france24.com/ar/
8- https://www.thelancet.com/
9- https://hub.jhu.edu/2021/09/13/ccp-global-covid-dashboard-vaccine-hesitancy/
10- https://www.eiu.com/n/rich-countries-will-get-access-to-coronavirus-vaccines-earlier-than-others/
11- https://www.nytimes.com/interactive/2021/03/31/world/global-vaccine-supply-inequity.html
12-