الجزء الأول

الاوقاف فى القدس

الأستاذة آمال الخزامي

  • الخميس 08, يوليو 2021 04:07 م
  • الاوقاف فى القدس
القدس من أهم المدن المقدسة، حيث تتمتع بمكانة عظيمة لدى العرب، مسلمين ومسيحيين منذ عشرات القرون؛ فهى أولى القبلتين، وثالث الحرمين الشرفين، وفيها كنيسة القيامة والتي تُعتبر مقدسة لدى جميع الطوائف المسيحية. كما أن مدينة القدس قد شهدت عدداً، من الوقائع والمعارك المهمة التى تركت بصماتها على مجرى التاريخ، مما زاد من أهمية مدينة القدس، بشكل عام، وأهمية أوقاف القدس بشكل خاص ..
الجزء الأول
الأوقاف فى القدس
الأستاذة آمال الخزامي
 
القدس من أهم المدن المقدسة، حيث تتمتع بمكانة عظيمة لدى العرب، مسلمين ومسيحيين منذ عشرات القرون؛ فهى أولى القبلتين، وثالث الحرمين الشرفين،  وفيها كنيسة القيامة والتي تُعتبر مقدسة لدى جميع الطوائف المسيحية. كما أن مدينة القدس قد شهدت عدداً، من الوقائع والمعارك المهمة التى تركت بصماتها على مجرى التاريخ، مما زاد من أهمية مدينة القدس، بشكل عام، وأهمية أوقاف القدس بشكل خاص. ويؤكد على ذلك مفتى القدس، سماحة الشيخ عكرمة صبرى، قائلا :"البلدة القديمة فى مدينة القدس، وأكنافها المعروفة إنما هى كلها وقفيات بمقدساتها وبجميع مبانيها وعقاراتها "
ماذا يعني وقف المكان
    معنى الوقف، لغةً: الوقف مصدر للفعل وقف بمعنى حبس.
    شرعاً: الوقف هو حبس العين، المملوكة ملكا ً تاماً، عقاراً أو منقولاً، والتصدق بمنفعته على ذي القربى، أو غيرهم .
    الوقف فى الاسلام نوع من البر والإحسان، وكانت عمليات الوقف شائعة، في عهد الرسول (ص) والخلفاء الراشدين، واستمرت على امتداد مختلف العصور الإسلامية .
أنواع الوقف: هناك نوعان من الوقف، الوقف الخيرى: وهو ما خصص ريعه، ابتداء، لصرفة على جهة من جهات البر، كالوقف على المساجد، والمدارس، والمستشفيات ، والملاجئ ...... الخ .
الوقف الذرى: وهو ما خصص ريعة للواقف نفسه، أو لغيره من الأشخاص، الذين يحددهم، سواء اسماً ،أو وصفاً.

أركان الوقف : الواقف ،الوقف ،الموقوف عليه.
شروط الوقف: لا يجوز بيع الوقف عقاراً، أو منقولاً، إلا بمسوّغ شرعى. وعلى المتولي الشرعي للوقف المحافظة على أعيان الوقف، ومنع التعدي عليه، والعمل على رفع الاعتداء، عند حدوثه، فضلاً عن العمل على إصلاح الوقف، وترميمه، وغير ذلك من الواجبات،التى تكفل استمرار الوقف، وتأدية وظيفته.
    يجب أن تكون هناك إدارة للوقف، تقوم على خدمته، ورعايته، تتكون من ناظر للوقف، ومتولى الوقف، ثم الجابي.

الأوقاف الإسلاميه (العهدة العمرية )
    اتسم العصر الإسلامي، منذ بداية القرن السابع الميلادي (الأول الهجرى)، بالفتوحات الإسلاميه للبلاد المجاورة، وكان للقدس نصيب من ذلك، فدخلت القدس، وما حولها من مدن، مرحلة جديدة، ومهمة من تاريخها. في عهد الخلافة الاسلامية، بعد معركة اليرموك، عام 13 هجرية، 633 ميلادية، فى عهد الخليفة الثانى ،عمر بن الخطاب (رضى الله عنه)، وبقيت فلسطين، والقدس، تحت ظل الخلافة الإسلامية، حتى آخر عام 1917م، مع اختلاف مركز الخلافة، فتارة يكون الخليفة أموياً ،وتارة عباسياً، وثالثة عثمانياً.

ظلت القدس هدفاً مهماً للدولة الإسلامية منذ بداية الخلافة الإسلامية، فأرسل أبو بكر الصديق جيشاً بقيادة أسامة بن زيد، لفتح بلاد الشام، محملاً بنصائح مهمة "لاتخونوا، ولا تغدروا، ولاتغلوا، ولا تمثلوا ،ولا تقتلوا طفلاً، ولا شيخاً كبيراً، ولا أمرأة، ولا تعقروا نخلاً، ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاةً، ولا بقرة ولا بعيراً، إلا لمأكلة. وسوف تمرون بأقوام فرغوا أنفسهم في الصوامع، فدعهوهم وما فرغوا أنفسهم له". وقد تم تجهيز أربعة جيوش، لفتح بلاد الشام، كان أحدها بقيادة عمرو بن العاص، خصص لفتح فلسطين ونجح بن العاص في فتح معظم أرض فلسطين. وحين تولى عمر بن الخطاب الخلافة بعد وفاة الصديق، عام 13م، أكمل ابن الخطاب مسيرة الفتح، بإرسال جيش، بقيادة أبى عبيدة بن الجراح، مع سبعة من خيرة القادة للزحف الى القدس، وفتحها. ودارت معركة، استمرت عشرة أيام، بين الجيش الإسلامى وجيش الروم، انتصر فيها الجيش الإسلامى. ودام الحصار للروم أربعة أشهر ، استسلموا بعدها، بشرط تسليم المدينة للخليفة نفسه، ووافقهم أبو عبيدة، واستمرت الهدنة، حتى جاء عمر بن الخطاب، وتسلم مفاتيحها من البطريرك صفرونيوس  ثم زار كنيسة القيامة، ولقد طلب البطريرك صفرينوس من عمر بن الخطاب (ر) ، عندما حان وقت الصلاة، أن يصلى الخليفة في الكنيسة، فاعتذر عمر، حفاظاً على المقدسات المسيحية، واختار مكاناً آخر، ليصلى فيه.

معروف بأن عمر بن الخطاب (ر) أعطى البطريرك صفرينوس "العهدة العمرية " التى جاء فيها: "هذا أمان لأنفسهم، وأموالهم، وكنائسهم، وصلبائهم، أنه لا تسكن كنائسهم، ولا تهدم، ولا ينتقص منها .. ولا من شيء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم، ولا يضار أحد منهم. ولا يسكن إيلياء أحد من اليهود ".
    كما تضمنت "العهدة" أيضاً، أن على أهل إليلياء أن يخرجوا من المدينة الروم، واللصوص، فمن خرج منهم، فهو آمن على نفسه، وماله، حتى يبلغوا مأمنهم، ومن كان فيها من أهل الأرض (وتعنى بأهل الأرض الفلاحين أصحاب الارض الاصليين )، فمن شاء منهم قعد، وعليه ما على أهل إليلياء من الجزية، ومن شاء سار مع الروم، ومن رجع الى أهله، فإنه لا يؤخذ منهم شيئ من الجزية، حتى يحصدوا حصادهم ".
    لقد فرقت "العهدة" بين طائفتين: الروم، وهم حكام غرباء، عليهم أن يخرجوا من البلاد، وبين أهل البلاد الأصليين، النصارى، الذين لهم حق البقاء فى بلادهم، يتمتعون بالحرية الدينية، ضامنين سلامة أموالهم، وأرواحهم ، ودور عبادتهم. وتعد هذه "العهدة " أكبر دليل  سماحة الإسلام مع "أهل الكتاب".

توجه عمر (ر)، بعد ذلك ، إلى المكان الذى تقع فيه الصخرة المشرفة، التى انطلق منها معراج الرسول (ص)، وكان قد تجمعت عليه القاذورات، فأخذ عمر ينظفها بنفسه هو ومن معه من الصحابة، ثم أمر ببناء أول مسجد في الإسلام فى مدينة القدس .
    مكث عمر (ر)، عدة أيام، في بيت المقدس، لبحث شؤونها ثم غادر إلى المدينة المنورة، بعد أن خطب في الناس، عين يزيد بن سفيان عاملاً على إدارة مدينة القدس، تحت إمارة ابى عبيدة، وعين سلامة بن قيصر إماما للصلاة، وعلقمة بن مجزر مشرفاً على شؤونها العسكرية .
    ظلت فلسطين تحت الحكم الإسلامى حتى آلت الخلافة إلى معاوية بن أبى سفيان بعد معركة صفين، على النحو المعروف، وذهب إلى بيت المقدس، ليعلن خلافتة من هناك (عام 40 هـ – 661 م) وكان من أهم ما قام به الأمويون بناء الحرم القدسى الشريف، الذى يتألف من المسجد القبلي ومسجد قبة الصخرة، وما بينهما، وحولهما من منشأت، على مساحة 144000 متراً مربعاً. وقد بناها عبدالملك بن مروان ، عام 66هـ – 685م، وأوقف على نفقاتها خراج مصر لسبع سنوات متصلة. وقد اكتمل بناؤها، عام 72هـ.
    لقد أزدهرت القدس في عهد الخليفة عبدالملك بن مروان، وعهد ابنه، الوليد بن عبدالملك .
    استمر إعمار الحرم القدسى، خلال مراحل التاريخ الإسلامي، سواء أيام العباسيين، أو السلاحقة أو الفاطيميين، أو المماليك. وجاء الإعمار على شكل أعمال بناء، وتوسيع لمساجد الحرم، أو ترميمها، وأحياناً وقف مبان, وسبل لزائري القدس، للصلاة، والزيارة.
    يشتمل الحرم المقدسى على أربع حوائط: شمالى وجنوبى، وشرقى وغربى، والصخرة المشرفة، وقبة الصخرة، والمسجد القبلي وقباب المسجد الأقصى، ومآذن المسجد الأقصى. فضلاً عن أروقة، وسبل الحرم ،وهى سبيل قايتباى، وسبيل شعلان، سبيل بابا الحبس، وسبيل البديرى، وسبيل قاسم باشا، وسبيل السلطان السليمان.
    شملت العقارات المقدسية الموقوفة على الحرم، الآتى: دار الأيتام الإسلامية، تكية خاصكى سلطان، كلية روضة المعارف،المدرسة البكرية،حمام الشفا، دكاكين على مقربة منه، في سوق القطائين، دار حبس الرباط، دار حبس الدم وغيرها.
    المصلى المرواني: يقع في الجهة الجنوبية الشرقية من المسجد الأقصى المبارك، وكان يطلق عليه، قديماً، التسوية الشرقية من المسجد الأقصى. يتكون من (16) رواقاً ، تبلغ مساحتها (4000) متراً مربعاً، أى مايقارب (4) دونمات، وللتسوية مداخل عديدة، منها مدخلان من الجهة الجنوبية، وخمسة مداخل من الجهة الشمالية، وخصص فى، زمن عبدالملك بن مروان، كمدرسة فقهية متكاملة، ومن هنا أطلق عليه اسم المصلى المرواني.
يشتمل الحرم القدسي على سور يحيط بالمسجد الاقصى المبارك من جهاته الاربعة ....... ويعتبر كل ما في داخل هذا السور هو (المسجد الأقصى المبارك ).

    ظلت القدس طوال فترةالحكم الاسلامي، مزدهرة، ومنارة علمية، ودينية فى آن، حتى حملة الفرنجة الأولى (عام 1099م-492هـ) وفيها تمكن الفرنجة من احتلال المدينة المقدسة بعد قتال امتد اسبوعين، قتل خلاله الفرنجة داخل المسجد الأقصى ما يزيد عن السبعين ألفا، كثير منهم من أئمة المسلمين، وعلمائهم، وعبادهم، حيث قام الفرنجة بمحاصرة المسلمين فى الحرم الشريف وأعطوهم مهلة ثلاثة أيام، للخروج من المدينة، ومن يتأخر سيقتلونه. وأبقوا على العرب النصارى لكن بدون سيادة دينية، حيث ألغوا البطريركية الأرثوذكسية، وأقاموا، بدلاً منها أخرى لاتينية .
    استمر احتلال الفرنجة لمدينة القدس حتى حررها صلاح الدين الأيوبى، بعد انتصاره فى موقعة حطين، ودخل مدينة القدس فى ذكرى الإسراء والمعراج، يوم 27 رجب 583هـ ، 20 تشرين الأول /أكتوبر 1187م. وقد كان صلاح الدين نموذجاً للفاتح المسلم على غرار عمر بن الخطاب، حيث أعطى الأمان للمعتدين من الفرنجة، على أنفسهم، وأموالهم، حتى بلغوا الساحل. ثم قام صلاح الدين بتعمير بيت المقدس من جديد، وأمر بعودة كل أبناء القدس اليها .