يقول الكاتب سيتجادل المؤرخون والعسكريون والسياسيون لعقود حول تفاصيل ما حصل في أفغاناستان، وما هو الخطأ الذي ارتكبته الولايت المتحدة في "تدخلها" في أفغانستان. قد اتضحت فكرة مهمة خلال السنوات الماضية وهي أنه لايمكن احتلال العالم الإسلامي من خلال قوتنا الاقتصادية والعسكرية.
لقد ذهبت الولايات المتحدة إلى أفغانستان لتقيم "العدالة" من أجل ضحايا أحداث سبتمر 2001، ولكنها فشلت. ولأن دبلوماسيينا وسياسيينا نسوا قضية مهمة وهي أن كسر طقم من الزجاج الصيني لا يمكن إعادته بتجميع بقاياه ولصقها، بل بالبحث عن الفيل المتسبب في ذلك.
لقد ذهبنا لنقيم دولة ليبرالية وديمقراطية ونسينا أن السياسة ذات صلة وثيقة بالثقافة وهنا يقصد الموروث المعنوي للأمم. ومنها الدين الذي يمثل رأس الحربة في الثقافة عند المسلمين خاصة.
المسلمون لديهم عقيدة قد تكون جاءت بالصدفة الوراثية، ولكنها مهمة جدا. فهم لا يستسلمون بسهولة، والدين الإسلامي له قوة وتأثير كبيرين على المسلمين. والدين عموما له هذا التاثير، ولكن لخوائنا الروحي لم نفهم هذه الحقيقة.
هذه المقدمة من المقالة تعطينا نحن المسلمين درسا مهما يأتي من رجل غربي وصحفي متمكن، وهو انه مادام الإسلام يحكم حياتنا ورؤيتنا للحياة، فلن تستطيع قوة احتلالية مهما تعاظمت أن تقيم طويلا بين أظهرنا، وأن الاحتلال لن يدوم مهما طال.
وقد تنبه كثيرون إلى هذه الحقيقة ، ولذلك بعد أحداث سبتمبر 2001، كان الشعار الذي رفعه مفكرون وسياسيون أمريكيون وغربيون هو "لابد من كسب العقول والقلوب". بمعنى آخر احتلال العقول و القلوب.
وسارع القوم للبحث وكتابة الدراسات، وموّلت مراكز أبحاث كثيرة دراسات عن العالم الإسلامي، وكيف يمكن تغييره. ولعل من أهم تلك الدرسات المنشورة تلك التي نشرها معهد راند في واشنطن عن استراتيجية التغيير المطلوبة. وهي التواصل مع "المعتدلين" من المسلمين، وتشجيعهم على الكتابة والحديث عن فكرة مهمة وهي "تحديث الإسلام". والباحثة الرئيسة في هذه الدراسة امرأة يهودية هي زوجة زلماي خليل الأفغاني الأمريكي الذي عمل مبعوثا للإدارة الأمريكية في أفغانستان.
ولاغرابة في أن موجة التحلل من القيم ومراجعة المناهج الدراسية وإقامة مراصد أمريكية تمولها جهات كثيرة، من أجل التاكد من خلو المناهج في البلاد العربية والإسلامية من "التحريض على العنف" وهم يقصدون "الجهاد"، وكذلك نشر الأفكار الغربية و الثقافة الغربية على نظاق واسع. ولهذا ظهر كتاب كثيرون يسيئون لرموزنا التاريخية، ويطالبون بقراءة "حداثية" للقرآن الكريم، وتشويه السنة النبوية من خلال الهجوم الفاضح على البخاري ومسلم وكتب الحديث كلها. والتوجه إلى ما اسموه "تمكن" المرأة، وفرض اتفاقية سيداو على العالم الإسلامي، والتضييق على المدارس الإسلامية وجمعيات تحفيظ القرآن الكريم.
وببلاهة أحيانا وسوء نية أحيانا أخرى وجدنا كثيرا من وزارات الأوقاف وبعض هيئات العلماء تقوم بهجوم منظم على تلك المؤسسات، ولم تسلم من ذلك الجماعات و الحركات الإسلامية. فنشرت فتاوى التكفير وتحريض الحكام على العاملين للدين بدعوى أنهم يحرضون على الخروج على الحكام . بل زادت على ذلك بإنشاء هيئات "إسلامية" لنشر فتاوى كثيرة حول عقائد المسلمين كالولاء والبراء و الانتماء وحقيقة أن الدين عند الله الإسلام. ووقع في الفخ بعض الإسلاميين.
ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل تعداه إلى فرض القبول بالشذوذ الجنسي و التسامح معه، وفرض التطبيع مع العدو.
هذه الأمور يظنها بعض البسطاء صدفة أو أنها جاءت لتطوير نظم التعليم وإصلاحه، ولكن الغربيين -ولله الحمد- لايخبئون نواياهم، ويتحدثون علنا عن خططهم، ولكن قومنا - إلا من رحم الله- لايقرأون ما يكتبه أولئك.