زلزال يعصف بالشرق الأوسط

مقالات وأبحاث

  • الأربعاء 31, ديسمبر 2025 09:38 ص
  • زلزال يعصف بالشرق الأوسط
حتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يوم الجمعة 26 ديسمبر/كانون الأول 2025، اعتراف إسرائيل بإقليم أرض الصومال الانفصالي، دولة مستقلة وذات سيادة. الأمر الذي قوبل بموجة كبيرة من الرفض العربي والإسلامي؛ لا سيما من مصر، والسعودية، وقطر، وتركيا، وجامعة الدول العربية، ومجلس التعاون الخليجي، والاتحاد الأفريقي الذي أدان هذا الإعلان.
زلزال يعصف بالشرق الأوسط
أحمد الحيلة
أعلن رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يوم الجمعة 26 ديسمبر/كانون الأول 2025، اعتراف إسرائيل بإقليم أرض الصومال الانفصالي، دولة مستقلة وذات سيادة.
الأمر الذي قوبل بموجة كبيرة من الرفض العربي والإسلامي؛ لا سيما من مصر، والسعودية، وقطر، وتركيا، وجامعة الدول العربية، ومجلس التعاون الخليجي، والاتحاد الأفريقي الذي أدان هذا الإعلان.
الموقف العربي والإسلامي، الرادع لإسرائيل سياسيا ودبلوماسيا واقتصاديا مدخل ضروري للجم التطرف الإسرائيلي
لماذا أرض الصومال؟
يقع إقليم أرض الصومال، الذي أعلن انفصاله عن دولة الصومال عام 1991، ولم يحظَ باعتراف دولي، في الطرف الشمالي الغربي من الصومال، وتبلغ مساحته 175 ألف كيلو متر مربع، أي أنه يقع على الضفة الغربية من باب المندب في مواجهة الشواطئ اليمنية.
من هنا يكتسب هذا الإقليم أهميته من الجغرافيا السياسية التي تعطيه ميزة التحكم بأهم ممر مائي دولي تمر عبره نحو 10% من تجارة النفط البحري العالمية، وآلاف السفن التجارية بين أوروبا وآسيا، مرورا بقناة السويس التي تعد أهم مصادر الدخل القومي لمصر والتي تقدر بـ 10 مليارات دولار سنويا.
ناهيك عن ارتباط باب المندب وتأثيره المباشر على ميناء بورتسودان السوداني، وحركة الملاحة والتجارة بين آسيا وميناء جدة، المرفق البحري الأهم على الساحل الغربي للسعودية، والذي يستقبل آلاف السفن سنويا، وأكثر من مليون حاوية من الوارد والصادر ضمن الحركة التجارية للمملكة.
علاوة على أنه ممر حيوي للقطع العسكرية البحرية للعديد من الدول التي تهتم بأمن البحر الأحمر والتجارة الدولية والتموضع في المناطق الحيوية عالميا؛ كالولايات المتحدة الأميركية، والصين، والاتحاد الأوروبي، ومصر والسعودية.
إسرائيل تهدد الشرق الأوسط
إعلان إسرائيل الاعتراف بأرض الصومال، لم يكن موقفا أخلاقيا مع هذا الإقليم الانفصالي، وإنما هو مدخل لتعظيم مصالحها على حساب الصومال والشعب الصومالي، فإسرائيل تعيش على تفتيت المفتت وتعلو على جثث الآخرين، فموقفها من إقليم أرض الصومال فيه انتهاك للقانون الدولي والإرادة الدولية، كما أنه يتناقض مع سلوك إسرائيل مع الفلسطينيين الذين تقتلهم وترفض الاعتراف بحقهم في دولة فلسطينية وفق القانون الدولي والإرادة الدولية.
إسرائيل لم تذهب إلى أرض الصومال لتزرع صحراءه أو لتقيم مشاريع استثمارية فيه، إنما ذهبت لتبني لنفسها قواعد أمنية وعسكرية مفترضة، تحقق لها القدرة على اللعب مع الكبار في الشرق الأوسط، لا سيما بعد معركة "طوفان الأقصى" التي فرضت تحديات كبيرة على أمن الاحتلال واستقراره في المنطقة العربية.
فالسعودية ترفض التطبيع مع إسرائيل، وتتمسك بالمبادرة العربية للسلام (قمة بيروت 2002)، أي إقامة الدولة الفلسطينية شرط التطبيع، وهذا لا يعجب إسرائيل، وترفضه بشدة، وبالتالي فإن تموضع إسرائيل في إقليم أرض الصومال الانفصالي، يشكل لها نقطة قوة في مواجهة السعودية التي تتأثر حكما بأي اضطراب يحصل عبر أو بشأن باب المندب الممر الدولي الحيوي.
ومن غير المستبعد لاحقا أن تقوم إسرائيل، إن نجحت في التموضع في أرض الصومال، بالتواصل مع المجلس الانتقالي الجنوبي الساعي لانفصال جنوب اليمن عن شماله، ما يفتح أرض اليمن على مصراعيها لإسرائيل، فتصبح على الحدود الجنوبية للسعودية عبر محافظة حضرموت التي سيطرت عليها قوات المجلس الانتقالي نهاية ديسمبر/كانون الأول 2025.
وعلى صلة بالموضوع، فإسرائيل لها ثأر مع أنصار الله الحوثيين في صنعاء، الذين قصفوا الكيان المحتل طوال عامين من حرب الإبادة إسنادا للفلسطينيين في غزة، وأثروا على الاحتلال واستنزفوه أمنيا واقتصاديا، بمنعهم كافة السفن التي تتعامل مع إسرائيل، ما أدى لإغلاق ميناء أم الرشراش (إيلات) على البحر الأحمر.
وقد وجدت إسرائيل نفسها عاجزة عن فعل شيء في اليمن البعيد عنها نحو ألفي كيلو متر، وتجهل دروبه السياسية وخارطة قواه الداخلية، فأوقعها في شرك جهلها الأمني وبعدها الجغرافي، بعد أن انسحبت الولايات المتحدة الأميركية من الاشتباك مع أنصار الله الحوثيين، وتركت إسرائيل تواجه اليمن وحدها.
ومن هنا فإن إسرائيل ستجد ضالتها إذا تموضعت عسكريا في إقليم أرض الصومال، ليكون لها قاعدة ومنطلقا لاستهداف أنصار الله الحوثيين من قرب، ويوفر عليها عناء الإغارة على اليمن، عن بعد يصل لألفي كيلو متر.
وفي هذا السياق، فقد أعلن زعيم أنصار الله في اليمن عبدالملك الحوثي، أن أي تواجد إسرائيلي في أرض الصومال سيكون هدفا عسكريا لقواتهم، وسيعتبرونه تهديدا مباشرا للأمن الإقليمي، مع تأكيده على دعم الشعب الصومالي ووحدة أراضيه.
لا ينفصل عن هذا المسار، حاجة إسرائيل للاقتراب من بحر العرب وبحر عُمان ومضيق هرمز المدخل إلى الخليج العربي، وإطلالتها على حركة السفن الإيرانية عبر باب المندب وفي البحر الأحمر اتصالا بالبحر الأبيض المتوسط، في ظل ارتفاع منسوب العداء والمواجهة بين إيران وإسرائيل التي ناقش رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، المشروع النووي والصواريخ الباليستية، وفرضية تجدد الحرب ضد إيران مع الرئيس ترامب، أثناء زيارته البيت الأبيض نهاية ديسمبر/ كانون الأول 2025.
يضاف إلى ذلك، توسع إسرائيل في مواجهة النفوذ التركي في الشرق الأوسط؛ فمن المواجهة السياسية في سوريا، إلى التحالف الإسرائيلي الجديد مع اليونان وقبرص والتوقيع معهما في ديسمبر/كانون الأول، على خطة تعاون عسكري لعام 2026، بهدف تعميق الشراكة الأمنية بين الدول الثلاث في مواجهة تركيا شرق المتوسط.
وإن نجحت إسرائيل في التموضع في إقليم أرض الصومال، فستصبح على مقربة من أكبر قاعدة عسكرية تركية خارجية (تركصوم)، مقامة في دولة الصومال، ما يزيد من الاحتكاك الأمني بين إسرائيل وتركيا، لا سيما أن الأخيرة تربطها علاقات جيدة أيضا مع السودان والحكومة السودانية التي لم تمانع من إعادة تأهيل تركيا جزيرة سواكن، المدينة والميناء التاريخي القديم في عهد الدولة العثمانية، الذي يقع على بعد 60 كيلومترا جنوب مدينة وميناء بورتسودان السوداني على البحر الأحمر.
تبقى مصر إحدى أهم الدول العربية المتأثرة من اعتراف إسرائيل بإقليم أرض الصومال، فوجود إسرائيل على ضفة باب المندب الغربية مقابل اليمن، يضع قناة السويس تحت رحمة الوجود الإسرائيلي.
وإذا كانت إسرائيل تستجلب معها الاضطرابات الأمنية والصدامات العسكرية في ظل أهداف اليمين الصهيوني المتطرف، الساعي لإعادة رسم الشرق الأوسط وفق المعايير الإسرائيلية، وفي ظل ما سيخلقه التموضع الإسرائيلي في إقليم أرض الصومال الانفصالي من اضطرابات في القرن الأفريقي، تصبح مصر في المرمى، ومجالها الحيوي في الجغرافيا السياسية مضطربا؛ من ليبيا إلى السودان إلى شرق المتوسط، وانتقالا إلى القرن الأفريقي عبر البحر الأحمر.
هذا ناهيك عن أن إسرائيل تربطها علاقات إستراتيجية أمنية وعسكرية مع إثيوبيا التي تتحكم بمياه نهر النيل.
ثمن السكوت
ما يُغري إسرائيل في المنطقة، دعم الولايات المتحدة الأميركية التي لم تنتقد أو ترفض اعتراف إسرائيل بإقليم أرض الصومال الانفصالي، وإنما اكتفت خارجيتها بالإشارة إلى أنها لم تغير موقفها من وحدة الأراضي الصومالية، وهي التي كانت تعلم وشريكة في الاتصالات التي كانت تجري مع إقليم أرض الصومال الانفصالي لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة أثناء حرب الإبادة الجماعية.
هذا بالإضافة إلى أن موقف 57 دولة عربية وإسلامية من حرب الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في غزة كان دون الحد الأدنى المطلوب، ما خلق قناعة لدى إسرائيل بأن العرب لا يريدون ولا يرغبون في المواجهة ويخشونها، ما أغرى إسرائيل ويغريها في الاستمرار في العبث بأمن المنطقة وفقا لمنطق اليمين المتطرف الذي قصف إيران، واليمن، وقطر، وما زالت تحتل أراضي عربية في لبنان وسوريا، وتسعى للتموضع في القرن الأفريقي.
صحيح أن الدول العربية تداعت جامعتها للاجتماع، وأدانت ورفضت اعتراف إسرائيل بإقليم أرض الصومال، وأعلنت 21 دولة عربية وإسلامية ومنها السعودية، وقطر، ومصر، وتركيا، وعُمان، واليمن، وإيران، ومنظمة التعاون الإسلامي..، رفضها القاطع اعتراف إسرائيل بإقليم أرض الصومال، إلا أن هذا الموقف من غير المرجح أن يغير الهدف والمسار الإسرائيلي.
فما زالت إسرائيل تنظر للمواقف العربية على أنها مجرد تصريحات إعلامية لا تنطوي على إجراءات عملية مهددة لمصالح إسرائيل أو رادعة لها، وأنها ستخفت مع مرور الزمن، وبالتالي تمضي إسرائيل بما هي عليه من سياسات استعمارية مهددة لأمن الشرق الأوسط وسلامة دوله.
ومن هنا يصبح الموقف العربي والإسلامي، الرادع لإسرائيل سياسيا ودبلوماسيا واقتصاديا مدخلا ضروريا للجم التطرف الإسرائيلي، وقد تصبح إعادة النظر في مسار التطبيع وما يسمى بالاتفاقات الإبراهيمية أولوية، مع أهمية دعم الشعب الفلسطيني الذي يشكل بصموده خط دفاع متقدم عن فلسطين وعن الأمن القومي العربي والإسلامي في مواجهة المشروع الصهيوني الاحتلالي.