لماذا حدث هذا كله؟

مقالات وأبحاث

  • الخميس 18, ديسمبر 2025 12:15 م
  • لماذا حدث هذا كله؟
كثيرة هي اللحظات التي كان يسيطر فيها على تفكيري سؤال واحد: لماذا حدث هذا كله؟! ولا أجد إجابة.
لماذا حدث هذا كله؟
رشا فرحات
كثيرة هي اللحظات التي كان يسيطر فيها على تفكيري سؤال واحد: لماذا حدث هذا كله؟! ولا أجد إجابة.
صحيح أنني كنتُ أخجل من رفع رأسي إلى السماء وطرح السؤال عليه مباشرة، لكنه كان يدقّ في رأسي كمطرقة على مدار الأربع وعشرين ساعة، حتى خفتُ أن أفقد شعور اليقين.
قبل يومين، بدأتُ قراءة شهادة شاب مقاتل عاش لعامين في جحيم الأنفاق، يخوض معركة لم يكن هو أيضًا يظنّ أنها ستطول إلى هذا الحد.
ليست رواية وصاحبها ليس كاتبا.
ما شدّني هو أن مذكراته تلك كان يغلب على حروفها الكثير من الفرح والتأمل والامتنان !!
ماذا يتأمل هذا؟ وعلى ماذا يفرح؟!
حين فقد ورفاقه مصدر المياه لأيام طويلة، لم يصف شعور العطش أو الجوع أو الألم، بل وصف السعادة التي غمرته عندما تدفق الماء من ماسورة قريبة في النفق المحتجزين فيه. وكيف تأتي النعم العظيمة أحيانًا في هيئة قطرة ماء!
أشعرني أنّ تلك الحياة القاسية كانت—بطريقة ما— مفعمة بالنِّعم، لأنه بعد كل ابتلاء: جوع، عطش، عتمة… كان هناك فرحٌ يكتبه بإسهاب !!
في ثلاثين يومًا متواصلة من الجوع، لم يحكِ كثيرا في تفاصيل الأسى تحت هذه الجملة "الطعام لم يكن موجودًا لثلاثين يومًا" وكأنّ الأمر حدثٌ عابر لا يستحق التوقف، بينما الحدث الأهم بالنسبة له هو أنهم استطاعوا ختم القرآن ثلاث مرات خلال تلك الثلاثين الجائعة!
عامان في نفق، عتمة لا تُطاق، وجوه الرفاق الراحلين أمامه واحدًا تلو الآخر، صوت القنابل التي قد تسقط في الدقيقة القادمة… ومع ذلك، هو يكتب. بل في سطوره يقدّم لنا الأمل على طبقٍ من إبادة!
هل هذا هو معنى الوصول إلى درجة: أن تعبد الله كأنك تراه؟!
يقينٌ كامل بربٍّ عادل لن يضيع هذا الصبر.
اعتقد أن هذه درجة لا تُكتب، بل تُحسّ. لا توصف، ولا يمكنك أن تدعو أحدًا للوصول إليها، لأنها علاقة بينك وبين الله، حتى أنت نفسك لا تفهم كيف وصلتَ إليها! لكن حين نقرأ كيف كنت تعيش… نعرف جيدًا كيف وصلت خاصة حينما يكون مبدأ الحياة الذي تعيش عليه هو" وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا"
سبحانك يا رب… وشكرًا لك لأنك سترتنا، ولأنك—وفي كل مرة—جعلتَ الابتلاء على قدر الصبر.
- استطاع الشهيد محمد زكي ارسال هذه الأوراق لشقيقه قبل استشهاده بأربعة أيام في منتصف يوليو الماضي .