سيكولوجية التخلف: الحل الإسلامي د. صالح نصيرات

الدكتور صالح نصيرات

  • الجمعة 13, أغسطس 2021 10:58 م
  • سيكولوجية التخلف: الحل الإسلامي  د. صالح نصيرات
ذكرنا في المقالة السابقة ملامح الأمراض النفسية التي تعاني منها الشعوب و الأفراد المتخلفون عن الريادة و التقدم الحقيقي المبني على القيم الربانية، والتي تؤدي إلى تكريس التخلف والتعايش معه. وقلنا إن الولع بالغالب وتقمص شخصيته أحد تلك الأمراض. والإسلام دين يدعو المسلم إلى الاستقلالية، وعدم العيش قي جلباب الآخر. فسمة الأمة المسلمة أنها لها ذاتيتها "صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة" ونحن له عابدون"، ولها شخصيتها التي تأخذ تصوراتها وقيمها من القرآن الكريم وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، الذي بعثه الله رحمة للعالمين "وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه، ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله" وفي الحديث إنكار على الذوبان في الآخر والسير على نهج الآخر الضال؛ عن أبي سعيد رضي الله عنه، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُم شِبْراً بشبْر، وذراعاً بذراع، حتَّى لو سَلَكُوا جُحْر ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ))؛ قلنا: يا رسول الله؛ اليهودُ والنَّصارى[1]؟ قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((فَمَن؟!)) ؛ رواه الشيخان

أما النرجسية والاغترار بالذات والشعور بالاستعلاء على الآخر، فهذا خلق ذميم، يتنافى مع مفهوم المساواة البشرية. فخيرية الأمة مبنية على الإيمان و العمل، وليس على أساس العرق أو اللون أو ملكية الاشياء. "كنتم خير أمة أخرجت للناس، تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر، وتؤمنون بالله". وقوله سبحانه وتعالى " ولا تعجبك أموالهم ولا أولادهم"، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم " ألا لا فضل لعربي على أعجمي ولا أبيض على أسود إلا بالتقوى". وفرق كبير بين العزة التي جعلها الله سبحانه وتعالى لنفسه ولرسوله وللمؤمنين وبين التكبر واحتقار الآخر الذي يؤدي إلى الظلم والاستعباد " ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين، ولكنّ المنافقين لا يعلمون".

وللمسلم أهدافه الخاصة التي يشتقها من فهمه للتوجيهات الربانية. فالحياة الدنيا متاع الغرور، والآخرة هي الحيوان، ولخلق الإنسان حكمة ربانية "أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون، فتعالى الله الملك الحق". فالدنيا وما يترتيب عليها من وجود وسائل وأدوات للعيش الهانئ والتيسير على الناس، ليس غايات ، بل هي نِعمٌ من الله سبحانه وتعالى لهذا الإنسان، يوظفها في ما يحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. ولذلك فإن رؤية المسلم واضحة، فلا تعود الوسائل غايات، ولا يتعلق المسلم بها وينسى غاية خلقه وهي العبودية الكاملة لله سبحانه وتعالى.

والتقدم و التخلف في نظر الإسلام لا يعني فقط البناء المادي، و لا كثرة العرَض، ولا التصنيع و التطوير،. فالتمكين لدين لله ليس هدفه الدنيا ومادياتها، بل بناء حياة تقوم على العدل و المساواة بين بني البشرـ ومحاربة الظلم والانتصار للمظلوم من الظالم "الذين إن مكنّاهم في الأرض اقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور

ولعل الإشارة إلى الصلاة والزكاة تحديداً إشارات إلى أن العبادتين  تهدفان إلى تزكية النفس و الروح، وبناء مجتمع متراحم متكافل، متحاب متعاضد،. أما الأمر بالمعروف فهو عبادة عظيمة تبني مجتمع التناصح  الذي يوجه فيه الكبير الصغير والعالم الجاهل، والنهي عن المنكر حتى لا ينشأ الجيل على حب المنكرات ولا الإلف بها، أو التعايش معها، حتى لا يتكرّس الفساد و الظلم و التمييز وأكل حقوق العباد، ومنع الناس ما منحهم الله سبحانه من حقوق الحياة و العيش الكريم، والوقوف في وجه المستبد الذي يريد تعبيد الناس لهواه كما فعل فرعون قديما ويحاول فراعنة اليوم القيام به. 

هذه الحلول الإسلامية كفيلة ببناء مجتمع طموح، يتشبّع بروح المسؤولية، معتز بذاته وهويته بعيداً عن الذوبان في الآخر، مميزاً في أخلاقه وسلوكه. وغير ذلك فهو التيه والدخول في جحر الضب، فتصبح الأمة والأفراد نسخاً مشوّهة، تتبع أهل الضلال والانحراف وتظن أنها محسنة . فهي سائرة في الخلف، تابعة ذليلة ، بلا قيمة ولا مكانة "قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا، الذي ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.."". ،