المكانة الدينية التأسيسية للقدس في الإسلام المكي

الأستاذ صالح لطفي صالح بعير

  • الخميس 12, أغسطس 2021 03:02 ص
  • المكانة الدينية التأسيسية للقدس في الإسلام المكي
انداح الإسلام الى العالمين بعد هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم الى طيبة شرفها الله رب العالمين واعتبر العصر المدني عصر التشريع والتوسع فيما اعتبر العصر المكي عصر التأسيس والتقعيد بشقيه العقدي والدعوي-التعبوي. في هذه المقالة سأتناول البُعد الجغرافي في علاقاته مع الدين في الاسلام المبكر اي الاسلام المكي وكيف استحالت القدس جزءا اساس من منظومته العقدية الجغرافية،لتكون أحد ركائز الجغرافيا الدينية في عهده عليه الصلاة والسلام ويبدو انها بانتظار دور قادم.
المكانة الدينية التأسيسية للقدس في الإسلام المكي.

صالح لطفي.. باحث ومحلل سياسي


انداح الإسلام إلى العالمين بعد هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى طيبة التي شرفها الله رب العالمين، واعتبر العصر المدني عصر التشريع والتوسع فيما اعتبر العصر المكي عصر التأسيس والتقعيد بشقيه العقدي والدعوي.

في هذه المقالة سأتناول البُعد الجغرافي في علاقاته مع الدين في الإسلام المبكر أي الإسلام المكي وكيف استحالت القدس جزءاً أساسياً من منظومته العقدية الجغرافية، لتكون أحد ركائز الجغرافيا الدينية في عهده عليه الصلاة والسلام، ويبدو أنها بانتظار دور قادم.

في الفترة المكية التي اتسمت بحرب شاملة شنها كُبراء مكة على رسولنا الأعظم ومن اتبعه خاصة من المستضعفين، وبعد أن خاف رسول الله صلى الله عليه وسلم على أتباعه من الاستئصال طلب ممن يستطيع الهجرة منهم أن يقوم بذلك.
هاجر في السنة الخامسة للبعثة ثلة تجاوزت الثمانين بقليل إلى الحبشة والتعليل النبوي أنّ فيها حاكماً عادلاً، وهذا الحاكم  كان يدين بالمسيحية إلا أن صفة العدل دفعت الرسول لإرسال الصحابة إليه لا إلى اليمن البلد الأقرب والناطق بالعربية والتي كانت تشهد صراعاً دينياً. واختيار رسول الله للحبشة كان اختياراً ذكياً وعبقرياً، فالحبشة كانت البوابة الخلفية لإفريقيا ومصدراً أساسياً للاقتصاد وحرية التدين والأمن المعيشي وهذه هي متطلبات تلكم المرحلة لمن هاجر من الصحابة رضوان الله عليهم.  إن هجرة الصحابة الى الحبشة شكل الدعامة الأولى للانتشار الجغرافي للدين الجديدالأسلام، ليس بمعنى الدعوة فهم لا يفهمون اللغة الأمهرية الحبشية وكذلك أهل الحبشة لم يفهموا العربية إلا قليلاً من القساوسة والرهبان، ومجرد وجود الصحابة بهيئاتهم ولباسهم وصلاتهم وأخلاقهم مَثَلَّ الدعوة العملية للدين الجديد واعتبرت الجغرافيا البائنة بين الحبشة ومكة مسرحاً للدين الجديد. وفي السنة الثانية عشرة للهجرة أسري بالرسول صلى الله عليه وسلم من بيت الله الحرام إلى المسجد الأقصى كما نصت مطالع سورة الإسراء وفضلاً عن البعد العقدي في موضوع الإسراء ثمة بُعد ديني يتعلق بالأرض المقدسة وبيت المقدس فجغرافية هذه المنطقة دينية بامتياز، ولذلك تحولت الأرض المقدسة مع إسراء الرسول إليها وعروجه الى السموات العلى وربط البُراق بياناً أخر يُضاف الى جغرافية الإسلام الأول فتكون مساحات الجغرافيا الدينية ممتدة من الحبشة الى مكة ومن مكة الى القدس وكانت هجرته عليه الصلاة والسلام الى المدينة المنورة في البيان الثالث ونقطة الإرتكاز الثالثة في الدعامة الجغرافية للدين الجديد، وهذا المثلث الممتد من الحبشة بمساحاتها الواسعة وجزيرة العرب واسعة الأرض وبيت المقدس كمرتكز لأرض الشام والهلال الخصيب وهذه إيماءة نبوية مبكرة للجغرافيا الدينية التي استوى عودها الأخير في أوائل الدولة الأموية التي تعتبر حضارياً من المئة الأولى التي حدثنا عنها الرسول الأكرم.

لقد كانت الحبشة مفتاح الدعوة وحمالة لمعنى انتشار الدعوة في غير تربتها وعلى غير وطنها وهو ما يعني انتشار الدعوة وهو ما استلهمته عديد الحركات الإسلامية والدعاة وكانت القدس نقطة ارتكاز عقدي ربط الإسلام الأول بالاسلام القادم وربط وحي السماء حيث افترضت الصلاة بحياة المسلم الفرد حيث شكلت الصلاة حجر الرحى في حياته ذلكم أن وظيفتها تعبدية تعمق الصلة بالله واجتماعية سياسية واخرى أخلاقية مجتمعية وبذلك تكون مدينة القدس ومحورها الأقصى مرتكز الجغرافيا الدينية، وهذه الجغرافيا لن تنتهي، قد تتقلص نوعاً ما وتتراجع بسبب ضعف الأمة، كما هو راهن الأمة اليوم، ولذلك تبقى القدس والمسجد الأقصى في مرويات "شطن أحدكم" مبينة لجغرافيا الدين في الأرض المقدسة، فهي تمتد وتتقلص (لنتذكر الفترات الصليبية والتتارية والظلم الذي ساد البلاد في فترات مختلفة من تاريخ الممالك الإسلامية بكونه منافياً  للعدل وكل وطن ينتشر فيه البغي والظلم يعافه أهله ويتمنون زواله) لكنها لا تزول كما حدث مثلاً في اوروبا فقد تقلص فيها الى الحد الأدنى وانتهى وجودياً في شبه الجزيرة الأيبيرية.

لقد بدأ الاسلام مسيرته الجغرافية في مثلث الحبشة ومكة والقدس وانتشر الاسلام في ربوع العالم مجتازاً الحبشة الى العمق الافريقي ومكة الى كامل الجزيرة والارض المقدسة الى كامل بلاد الشام وما وراء النهر .
نعم انطلقت الفتوحات من المدينة المنورة وانداحت الى ربوع المشرق وشمال افريقيا والساحل الاوروبي وأواسط اسيا وكانت الانطلاقات التأسيسية الأولى بتصوراتها العقدية-القدرية النبوية من مكة وبيت المقدس إلى باقي أرجاء المعمورة.

في رحلة المعراج فرضت الصلاة على المسلمين والصلاة ركن الاسلام الوحيد الذي لا يسقط ابداً ولا في أي حال لا لأنها بيان التعبد والعلاقة مع الرب فحسب بل ولانها أسرع وأقرب العلاقات مع الله وكما أن القدس أقرب نقاط اقتراب جغرافيا الارض من جغرافيا السماء.
وكما بدأت المسيرات التأسيسية الأولى من مكة والقدس ستعود  لتنطلق مجدداً من القدس ومكة وما الأحداث الجارية في الارض المقدسة إلا بيانات وإرهاصات للقادم وما ذلك على الله بعزيز.

مع إطلالة عام هجري جديد نلحظ جغرافيا التدين كيف تُحارب من قبل الصليبية العالمية لمصلحة الحداثة الوافدة.
الملفت للنظر أن القدس اليوم محط نزاع ديني وأيديولوجي تقوده جماعات التطرف الديني في الوقت ذاته كشفت أحداث هبة رمضان أن جغرافيا الدين حاضرة وبقوة في الارض المقدسة.

في ظلال الهجرة نجدد فهمنا العقدي والتعبيد والسياسي للعلاقة بين القدس وبيت المقدس وبين بيت المقدس ومكة والمدينة والحبشة وما بينهم من أرض وجغرافيا لاننا على يقين ان البشرية اليوم احوج ما تكون للدين الخالص.