بيت المقدس ليست سلعة ولا محورا ولا عقارا مملوكا لأحد

الأستاذ سعود ابو محفوظ

  • الإثنين 17, أبريل 2023 10:02 م
  • بيت المقدس ليست سلعة ولا محورا ولا عقارا مملوكا لأحد
بيت المقدس ليست سلعة ولا محورا ولا عقارا مملوكا لأحد لتوظيفه لصالح آخر • وتبقى القضية المقدسة قبلة الأمة، ومعراج سموها، ومحراب اشعاعها على العالمين، ومنبرانتصارها على الظالمين، وديوان ريادتها للبشرية التائهة، وسيادتها للانسانية المعذبة والأخذ بيدها نحو مرافئ العدل والمرحمة والأمان والسلام.

• ان مصير بيت المقدس وحوض البركة الأول من حولها ومن بعدها الأكناف الطاهرة يحدد مصير العالم بمجموعه، وان رحلة الاسراء وامامة المصطفي صلى الله عليه وسلم للرسل كافة والنبيين عامة، في أحد معانيها القوامة والسيادة والريادة والقيادة وعدم التبعية لمحور أو التزكية لأحد، بل هي الأولى في كل شئ فهي القبلة الأولى، التي فتحها المصطفى مباشرة عام عام 621م لحظة تسلل اليهود اليها بتسهيلات من الغزو الفارسي، فجاء المصطفى ليفرد عليها مظلة التوحيد، وحده دون جيش ولا دولة ولا شعب ولا أمة، ذلك ان بيت المقدس يطاول الشرف من يخدمها ويعمل لها ولاتقبل الاستخدام أو التجيير أو التمحور، وهي البقعة الوحيدة التي أجمع الجمهور على انه لا يعمر فيها ظالم، ولاتقبل الضيم، فكيف تنصر بمن يسلبون حرية الخلق؟!
• فالمسجد الأقصى مسألة قرآن وعقيدة وفرقان ومفاصلة كاملة، لاتقبل الخلل ولاترضى الخطل ولا يستقيم معها التخليط ومعاندة ما استقر في وجدان الأمة الجمعي، فهي ورثة محمد، وعهدة عمر، وميراث الصحابة،  وأنفاس السلف الصالح، وصولة نورالدين الشهيد، وصرخة الناصر صلاح الدين وجولة المماليك العظام،  ووديعة سليمان القانوني، ومالكها مجموع الامة المسلمة وان كانت وطنا لأهلها ومن يسكنها منهم، ولا يتصرفون بها أو بشانها دون سواهم من الكافة.  
• هذه قضية القضايا المحورية للأمة، ونقطة التقاء أشواق ابنائها، وهي الجامع الأعلى لمجموع توجهات قواها الحية، ومحور التحرك المركزي لشعوبها، فلا يجوز لأحد انتزاعها من نصابها العظيم وتوظيفها الجائر والمعتسف لصالح البعض بالاسم، مع ما يترتب على ذلك من اغتيال لأحلام وتوجهات وأدوار واسهامات ودعوات وزفرات ودموع ابناء الامة من أقصاها الى أقصاها نحو أقصاها المبارك، ناهيك عن توهين الاجماع المتنامي حول العالم الاسلامي نحوها، وتبديد الجهود التي تراكمت من خلال نزوات ميكروفون متكرر الانفلات ومأسور لحالة دون سواها.
• أما الطائفة المنصورة بمواصفاتها النبوية الشريفة الست، و التي نبتت في محاضن الأقصى وأخذت تتشكل في المسرى، فانه يحسب لهم انهم تفوقوا على المستحيل في صمودهم الاسطوري طيلة أكثر من قرن، وجهادهم الاستثنائي في مواجهة أمكر دهاقنة العدوان، لم يلينوا فكانوا الاشارة الملهمة، ولم يتبدلوا فكانوا الشرارة الملهبة، ولم يغيروا فكانوا دفقة الدم في شرايين ابناء الأمة وبلسم الروح لقدواتها ونخبها، ومن الوفاء لتضحياتهم الصبر على اللأواء وعدم الانزلاق لدركات ترهات الأضطرار التي هوت بكثيرين من صفوة السالكين، الذين تناسوا بركة المكان والزمان والانسان والتاريخ والجغرافيا ... وفوق ذلك كله توفيق الرحمن الذي لايغادر صغيرة ولا كبيرة.
• لا اريد التذكير بالجزائر وفيتنام وجنوب أفريقيا وغيرها، بالأمس استطاعت حركة جبلية محاصرة معزولة تمسكت بما تعتقده بحسب فهمها، ولم تساوم جيرانها ممن تسببوا في تسهيل احتلال بلدها ورفضت عروضهم الاستقطابية رغم اعتصارها للحاجة واعسارها لها، فصمدت لقذف آلة جهنمية لتحالف دولي نادر فما وهنت ولا استكانت، وقدمت عن طيب خاطر (😎 شهداء و(35) جريحا "يوميا" وعلى مدار عشرين عاما حتى نالت حريتها!!! ، ان معركة تحرير الأقصى لم تبدأ بعد، وان حرب استنقاذه لم تدشن وان أهوال استردادة ملحمة قادمة، فلا مجال الا استيعاب كل القدرات والامكانات وريادة مجموع الأمة كلها دون انزلاقات غير محسوبة وترويج لحظي مؤسف، فاليهود لديهم استراتيجية لئيمة ورؤية زنيمة ينتظم فيها الكل الصهيوني من (112)دولة، فلا يحق تضييق الواسع وتنفير الراغبين في ممارسة حقهم في نصرة مقدساتهم ، فالمسألة دينية عميقة وليست وطنية محدودة وهي قدرية وليست لحظية.
• ان الوجدان الجمعي للأمة المسلمة موحد على أولوية المسجد الأقصى في النصرة وأحقية بيت المقدس في المناصرة، لأنها قضية تسموعلى كل خلاف وهي محط اتفاق وعنوان التلاقي الخالي من التجافي، فلا يصح معها الاستحواذ او التوظيف الفج، ذلك ان بوصلة كل القوى الحية والصادقة في الامة تتجه الى الاقصى رغم تغييب المرجعية الاسلامية السنية دون غيرها قسرا وقهرا، وتلزيم الامة لأنظمة قبلية وعسكرية مفروضة وخائبة لأجل الاستفراد ببيت المقدس لغايات انزال باراشوتي لأورشليم يهودية للأنقضاض على وجودها، واستزراع "الهيكل" المزعوم لالتهام المشهد القدسي الشريف وفق مخططات جاهزة ومرسومة يقوم عليها أفاكون مهووسون متحكمون اليوم في قرار المؤسسة الاحتلالية.

• سيحتدم الصراع الرهيب بين باطل أسود يبغي عاصمة يهودية صرفة لدولة يهودية خالصة تكون وسيلة لاقامة " الهيكل" الذي تتحطم لأجله الدول وتسجد له الشعوب، وبين حق أبلج  ينصره ربانيون موحدون يسيرون على نهج المصطفى صلى الله عليه وسلم، ويجددون الفتح العمري العسكري لبيت المقدس في 2/5/635م والتي شد الرحال اليها لاستلام مفاتيحها دون سواها من مدائن وحواضر الفتح في الجزيرة والروم وفارس وأرمينيا واذريجان ومصر وبرقة.
• قامت "اسرائيل" من العدم بقرار أممي ظالم، وجاهر حسن البنا بأنه لن يبطلها الا الاسلام وهذا ما تدحرجت رأسه من أجله، بعد ان جمع وحرك - رغم التحديات - من المجاهدين المصريين والسوريين والعراقيين  والاردنيين الى فلسطين، بما يوازي سبع ماجمعته الجيوش العربية بقيادة الجنرال الانجليزي كلوب باشا في نكبة عام 1948م، ثم من رحم الاخوان انبثقت كل حركات المقاومة رغم الاستهداف بما فيهم حركة فتح وحركة الجهاد وحركة حماس، التي قدم تيارها العريض عشرات الالوف من الجرحى والشهداء على خطى الأولين حتى غدت حماس أيقونة المقهورين العرب والمسلمين من طلاب الحرية المغدورة.
• لقد أخطأ المفاوض الفلسطيني عندما تعامل مع القضية الفلسطينية كعقار فلسطيني وحول الاقصى المبارك الى سلعة على طاولة التفاوض وقدم أريحا أولا،  ويرتكب غيره نفس الخطأ عندما يلحق مسارها بمحاور ذات مشاريع قهرية لحاضنة القضية المقدسة في ربوع الامة، التي تغلي كبراميل لهب، وتضطرم كبركان غضب، وتخزن الالم التراكمي ولا تقدم على الاقصى قضية، ذلك ان الأمة طاقة هائلة وجبارة وصاعق التفجيرلديها هو المسجد الاقصى حصرا، ولا تتسامح مع المسائل العقدية تحت أي تبرير قصير المدى ضيق الأفق.


سعود ابو محفوظ .
 ليلة 27 رمضان 1444 للهجرة.