العلمانية العربية والحلف الدنس مع الانقلابات والديكتاتورية

الدكتور صالح نصيرات

  • الخميس 16, يونيو 2022 11:34 ص
  • العلمانية العربية والحلف الدنس مع الانقلابات والديكتاتورية
سيختلف بعض القراء مع العنوان، وسيقولون لنا إن العلمانية في صورتها الجزئية أو الشاملة لم تتحقق في بلاد العرب. ويضربون أمثلة كثيرة على ذلك. وهذا من حقهم. ولكن السؤال هو هل حكم العرب منذ الحرب العالمية الأولى وظهور الدولة القطرية بنظام يعتبر الإسلام مرجعيته الأساسية؟ وهل تم تطبيق الشريعة بأي صورة كانت؟ وهل ما فعله نميري وبعض الأنظمة الأخرى كان نابعا من إيمانهم بصلاحية الشريعة للحياة أم بسبب ضغوط شعبية من الحركات الإسلامية والشعوب؟ وهل كان ما فعلوه يصب في صالح الإسلام أم جاء بنموذج فج اعتنى بجزئية واحدة هي نظلم العقوبات و الحدود، مع أن الإسلام دين شامل والعقوبات جزء يسير من هذا النظام المتكامل.

 فالعلمانية العربية منذ ما بعد الاستقلال اشاحت بوجهها عن الإسلام، وحاربت القيم والتعاليم الإسلامية التي تقوم على العدل والمساواة بين أبناء الشعب، وتكافؤ الفرص والشورى الحقيقة. ورعت أنظمة العسكر والقبيلة العلمانية ووظفتها لمحاربة كل قيمة إسلامية، وخدعت الناس في كثير من الأحيان بتبني نسخة من الإسلام يكرّس الاستبداد والظلم والطاعة العمياء لولي الأمر. هذه النسخة عملت على تمكينها مؤسسات دينية رسمية اختير قادتها بعناية لتحقيق حلم العلمانية بفصل الدين عن الحياة وجعله شأنا شخصيا في أدنى حدوده. حيث تدخلت في المساجد ومؤسسات الوقف والمدارس الإسلامية ووضعت مناهج تربوية علمانية تروج لقيم نرى ثمارها اليوم في هذا التدهور الحقيقي في الحياة العربية ماديا ومعنويا. 
لقد أتيح للعمانية فرصا كثيرة النيل من الإسلام من خلال مراكز دراسات ومؤسسات إعلام ومدارس حكومية وخاصة وجامعات لاتعترف بالدين إلا في أضيق نطاق. فالرؤية الإسلامية للحياة والكون والإنسان لم تكن هي المرجعية في عامة المؤسسات الحكومية والخاصة. ولولا الحركات الإسلامية التي حوربت أكثر من حرب العلمانية على المحتل الغاصب، لولا تلك الحركات التي اشتغلت على تأصيل الفكر وتقديم رؤى ومؤسسات على أساس المرجعية الإسلامية لرأينا واقعا اسوأ بكثير مما نراه اليوم. 
لقد اشتغلت العلمانية العربية بدهاء كبير، فعلمت على إنتاج "مشايخ" ومؤسسات علمائية همها الأساس ترهيب الناس  من العمل الإسلامي. وجعلت كل من يدعو إلى الشريعة وتطبيق الإسلام "خارجيا" يوظف الدين لصالح حزبه أو جماعته. ولم تتوان العلمانية العربية عن التحالف مع تلك المؤسسات بالترغيب الذي تمثل في مناصب ومال وجاه ناله كل من سار في ركبها، وبرر جرائمها في القتل و السجن والتعذيب والتصييق في الأرزاق والوظائف على كل من يحمل الفكرة الإسلامية كمنظومة متكاملة للحياة، والترهيب بفصل كل عالم أو شيخ يصدع بالحق  من وظيفته، ومراقبة بيوت الله، حتى أصبح الذهاب إلى المسجد في دول عربية كثيرة شبهة يؤاخذ عليها فاعلها. 
واليوم وبعد الضربات المتوالية للحركات الإسلامية والسعي الحثيث لشق صفها وتصفية مؤسساتها وسرقتها بعد أن تيقنت تلك الدول أن الخيار الإسلامي هو خيار الشعوب في مجمعها عدا قلة لاتكاد تذكر من العلمانيين وسدنة الأنظمة العسكرية والقبلية منها، بعد كل ذلك كله نرى اليوم مخططا منظما تحركه مؤسسات دولية لم تخف حقيقة كراهيتها للدين، وعبّرت عن ذلك في تقارير وكتب وتوجيهات يروج لها عملاء محليين زرعوا في كل المؤسسات الأكثر فاعلية وعلاقة بالناس للقضاء على المفاهيم التي تنهض بالأمة، ورعت التفاهة والتافهين، وقدمت لهم كل الدعم لإلهاء الشعوب عن قضياها الحقيقية في حياة كريمة عزيزة. هذه الفئات العلمانية تقتنص الفرصة لهجمة منظمة على الدساتير والمناهج والقيم بلا هوادة، بمررات يسوّقها إعلام رخيص مرتزق من دول هم انقلابييها البقاء في الحكم ولو على جماجم الناس.
إن مهمة حاملي الفكرة الإسلامية اليوم عظيمة. وعليهم التفكير بطرق وأدوات ووسائل مختلفة، ويتقدموا لمجتمعهم بمبادرات عملية ما أمكنهم ذلك. وعدم الاستسلام كما فعلت  -وللأسف الشديد-  فئة منهم قبلت أن تنقلب على نفسها وفكرها ومبادئها، وسارت في طريق رسمه لها العلمانيون المستبدون القابضون على المال و السلطة باسم المراجعات وهي في الحقيقة تراجعات، فقدموا أسوأ الأمثلة للتراجع والانحدار من أجل مناصب ومواقع يظن أصحابها أنهم نالوها لعظمة فيهم أو تميز في علمهم، وهي في الواقع لم تكن لتأتي لولا التنازلات والتراجعات الحادة التي سيندمون عليها، لأنهم ببساطة ضللوا الناس وأظهروا لهم أن "الإسلاميين" طلاب مناصب ولعاعات دنيوية، وهم في الواقع لايمثلون إلا أنفسهم. "والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لايعلمون"