حكم الإسلام في مشاركة العدو اليهودي في أعياده ومنه عيد (حانوكاه)

أ . د. صالح الرقـب

  • الخميس 24, مارس 2022 11:06 م
  • حكم الإسلام في مشاركة العدو اليهودي في أعياده ومنه عيد (حانوكاه)
يحتفل اليهود بعيد الأنوار حانوكاه"، وتعني بالعبرية "تدشين" في الخامس والعشرين من شهر كيسليف (حسب التقويم العبري)، ويتمُّ الاحتفالَ بهذا العيد إحياءً لذكرى تدشين الهيكل الثاني في القدس سنة 164 ق.م،
حكم الإسلام في مشاركة العدو اليهودي في أعياده ومنه عيد (حانوكاه)

أ. د صالح حسين الرقب

يحتفل اليهود بعيد الأنوار حانوكاه"، وتعني بالعبرية "تدشين" في الخامس والعشرين من شهر كيسليف (حسب التقويم العبري)، ويتمُّ الاحتفالَ بهذا العيد إحياءً لذكرى تدشين الهيكل الثاني في القدس سنة 164 ق.م، ومن أهمِّ عادات هذا العيد وتقاليده: إشعال الشموع في الشمعدان الثماني المُسمَّى "حانوكاه" بعد غروب الشمس، بحيث يتمُّ في ليلة العيد الأولى إشعال شمعة واحدة، تضافُ إليها شمعةً واحدةً كلَّ ليلةٍ، حتَّى الليلة الثامنة التي يتمُّ فيها إشعال الشموع الثماني جميعاً، وتتلى صلوات خاصة بالعيد خلال إشعال الشموع. ويعدُّ هذا العيدُ من الاعياد اليهودية الخطرة على مقدساتنا الإسلامية، فهو العيدُ الوحيدُ المرتبطُ بحسبِ مزاعمهم وأساطيرهم بهيكلهم المزعوم، وبالتَّالي ينعكسُ التَّهديدُ المباشرُ على المسجد الأقصى المبارك، وعيدُ الحانوكاه ليس من الأعياد اليهودية المذكورة في التوراة، لكنَّه من أكثر الأعياد اليهودية شعبيةً، ففي هذا العيدُ تنشطُ المنظمات اليهودية العاملة لإعادة بناء الهيكل، مثل منظمات: نساء لأجل الهيكل، وطلاب لأجل الهيكل، واتحاد منظمات الهيكل بدعوة المستوطنين الصهاينة إلى المشاركة الواسعة في اقتحامات مكثفة ومستمرة للمسجد الأقصى المبارك، بذريعة إقامة طقوس وشعائر تلمودية في المسجد الاقصى للاحتفال بعيد الأنوار، ومن ضمنها الدعوة لإدخال الشمعدان اليهودي إلى قلب المسجد الاقصى المبارك، إضافة إلى نصب شمعدان آخر عند حائط البراق.

       وقد شارك هذا العام مجموعةٌ من المسؤولين القادمين من دولتي الإمارات العربية والبحرين الاحتلال الصهيوني فعالية إضاءة الشموع ضمن طقوس عيد حانوكاه اليهودي عند الحائط الغربي للمسجد الأقصى (حائط البراق)، والذين حرصوا على إظهار الفرحة والحماس أثناء المشاركة. وممَّا يؤسفُ له أنَّه قد أقيمت إحدى فعالياتِ عيد حانوكاه اليهودي في مدينة دبي بمشاركة عدد من الإماراتيين. حيث أضاء برج خليفة في دبي احتفالًا بأولِ ليلةٍ من عيد حانوكاه اليهودي في دولة الإمارات.

     إنَّ العيد قضيةٌ دينيةٌ عقديةٌ، وليست عادةً دنيويةً كما دلَّ عليه قول الرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "لكل قوم عيد وهذا عيدنا" رواه البخاري ومسلم، وعيد اليهود يدلُّ على عقيدة فاسدة، مصحوبة بطقوس شركية كفرية، ومعلوم أنَّ الأعياد من جملة الشرعِ والمناهج والمناسك، التي قال الله سبحانه: (لِّكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ) الحج:67، كالقبلة والصلاة والصيام.

ولمَّا كانت أعيادُ اليهود أعيادًا خاصةً بمعتقداتهم الكفرية تبيَّنَ أنَّ مشاركتهم في أعيادهم، ومنه عيد حانوكاه (عيد الأنوار) هو موافقة لهم في الكفر، ذلك أنَّ الأعيادَ هي من أخصِّ ما تتميَّزُ به الشرائع، ومن أظهر ما لها من الشعائر، فالموافقة فيها موافقة في أخصِّ شرائع الكفر، لقد ثبت في شروط عمر رضي الله عنه التي اتفقت عليها الصحابة، وسائر الفقهاء بعدهم: أنَّ أهل الذمة من أهل الكتاب لا يظهرون أعيادهم في دار الإسلام، فإذا كان المسلمون قد اتفقوا على منعهم من إظهارها، فكيف يسوغ للمسلمين مشاركتهم فيها؟ أو ليس فعل المسلم لها أشد من فعل الكافر لها. وروى البيهقي بإسناده عن البخاري أنَّه سمع سعيد بن سلمة سمع أبان، سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: "اجتنبوا أعداء الله في عيدهم"،([1]) وهذا نصٌ صريحٌ في النهي عن مشاركتهم ولقائهم، والاجتماع بهم في يوم عيدهم؟ وعن سفيان الثوري عن ثور بن يزيد عن عطاء بن دينار قال: قال: "عمر: ولا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم، فإنَّ السَّخطةَ تنزلُ عليهم"، وعن عبد الله ابن عمرو قال: "من بنى ببلاد الأعاجم وصنعَ نيروزهم ومهرجانُهم وتشبه بهم حتى يموت، وهو كذلك حشرُ معهم يومِ القيامة". ([2])

وممَّا يدلُّ على تحريم المشاركة في أعياد اليهود ومنها عيد حانوكاه قوله تعالى: (وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا) الفرقان:72، فسَّرها العلماء بأعياد المشركين، قال القرطبي: "وفي رواية عن ابن عباس أنَّه أعياد المشركين". ([3])

     وقال مجاهد: يعني أعياد المشركين،([4]) وقال أبو العالية، وطاوس، ومحمد بن سيرين، والضحاك، والربيع بن أنس، وغيرهم: هي أعياد المشركين،([5]) وروى بإسناده عن عمرو بن مرة: (لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ) لا يمالئون أهل الشرك على شركهم، ولا يخالطونهم"([6])، ومعلوم أنَّ أعيادَ اليهود يمارسون فيها طقوسهم، وكلُّها زورٌ قولاً وفعلاً، (وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا) المجادلة:2.

إنَّ مشاركة الكفار في أعيادهم هو نوع من التَّشبه بهم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من تشبه بقوم فهو منهم" رواه أبو داود، قال عبد الله بن العاص: "من بنى بأرض المشركين، وصنع نيروزهم ومهرجاناتهم، وتشبه بهم حتى يموت حشر في يوم القيامة وهذا يقتضي أنه جعله كافرا بمشاركتهم في مجموع هذه الأمور أو جعل ذلك." ([7]) وهذا تهديد ووعيد خطير. قال ابن القيم رحمه الله في كتابه "أحكام أهل الذمة" حيث قال: "وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرامٌ بالاتفاق، مثل أن يهنئَهم بأعيادهم وصومهم، فيقول: عيد مبارك عليك، أو تَهنأ بهذا العيد، ونحوه فهذا إن سَلِمَ قائلُه من الكفر فهو من المُحرَّمات، وهو بمنزلةُ أنْ تهنئه بسجوده للصليب بل ذلك أعظم إثمًا عند الله، وأشد مقتًا من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس، وارتكاب الفرج الحرام ونحوه، وكثيرٌ ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك، ولا يدري قبح ما فعل، فمن هنأ عبدًا بمعصيةٍ أو بدعةٍ، أو كُفْرُ، فقد تعرَّضَ لَمقتِ الله وسخطه". ([8])

إنَّ مشاركةَ اليهود في أعيادهم ومنها المتعلقة بتدشين هيكلهم المزعوم (حانوكاه) فيه اعتراف وإقرار صريح بملكية اليهود لأرض فلسطين الإسلامية المباركة والمقدسة من الله تعالى، وهذا من أعظم الخيانات لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وللأمة المسلمة. كما أنَّ في المشاركة في هذه الأعياد مظاهرةٌ ومعاونةٌ للعدوِّ اليهودي المحتل، وتُعدُّ صورةً من صور المولاة والمودة والرضا بما هم عليه من الباطل والكفر، وهذا كفرٌ وردَّةٌ عن الدين، وقد جاء النَهيُّ عن ذلك، وقد أجمع أهل العلم على أنَّ من ظاهرَ الكفَّارَ من أهل الكتاب وغيرهم من الملل الكفرية على المسلمين وساعدهم بأي نوعٍ من المساعدة فهو كافرٌ مثلهم، وقد قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) المائدة51، فقوله تعالى: (وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ) معناه: فإنَّه يصير من جملتهم، وحكمه حكمهم. وهذه الموالاة تدلُّ على فساد في اعتقاد صاحبها، خاصة من جهة منافاتها لعمل القلبِ من الحبِّ والبغضِ، قال ابن حزم: "صحَّ أنَّ قول الله تعالى: (وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) إنما هو على ظاهره: بأنه كافر من جملة الكفار، وهذا حق لا يختلف فيه اثنان من المسلمين". فكل من ساعد ظالمًا أو قدَّم له عوناً أو دعماً أو تأييداً لظلمِه هو ظالمٌ مثلُه، وشريكٌ له في الإثمِ والوزرِ بقدر ما قدَّم، وبقدر ما أيَّد وساند. كما أن موالاة اليهود بمشاركتهم في أعيادهم يدلُّ على عدم الإيمان بالله ورسوله والقرآن الكريم، قَالَ تعالى: (وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ). وَمِثْلُهُ قَوْله تَعَالَى: (لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) المائدة51. والمشاركة نوع من مودتهم ومحبتهم، كما إنَّ موالاة العدو الصهيوني بمشاركتهم في أعيادهم فسق وضلال كبير: قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ) الممتحنة:1.

      إنَّ مشاركة اليهود في أعيادهم هو من الموالاة للعدو الصهيوني التي تُعرِّضُ المشاركين فيها لسخط الله تعالى، ولعذاب جهنم وبئس المصير، قال تعالى: (تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ  وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) المائدة:80-81. ومعلوم أنَّ مظاهرة الكافرين ومعاونتهم على محاربة المؤمنين من أخص صفات المنافقين، فهم في الظاهر مع المؤمنين، لكنَّهم في الحقيقة مع الكفار عيوناً وأعواناً لهم، قال تعالى: (بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً) النساء 138-139. وقال تعالى: (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دائرة فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ) المائدة52، والمرض هنا مرض القلب، وهو النفاق. ولقد حكم الله تعالى بالظلم  على من والى العدو الصهيوني بمشاركته في أعياده، قال تعالى: (إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) سورة الممتحنة:9.

     وأيضاً فالمشاركة مع الكفرة في أعيادهم نوع من التعاون على الإثم والعدوان، فالواجب على كل مسلم وعلى كل مسلمة ترك ذلك، يقول الله سبحانه) :وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ (المائدة:2.


[1]-اقتضاء الصراط المستقيم في مخالفة أصحاب الجحيم 1/199.

[2]-اقتضاء الصراط المستقيم في مخالفة أصحاب الجحيم 1/200.

[3]- الجامع لأحكام القرآن: أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر القرطبي، تحقيق : هشام سمير البخاري، دار عالم الكتب، الرياض، المملكة العربية السعودية، 1423هـ/ 2003م 13/ 78.

[4]- معالم التنزيل: محيي السنة ، أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي ،حققه وخرج أحاديثه محمد عبد الله النمر وعثمان جمعة ضميرية وسليمان مسلم الحرش: دار طيبة للنشر والتوزيع، الطبعة الرابعة، 1417هـ-1997م 6/98.

[5]- تفسير القرآن العظيم: أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير، تحقيق: سامي بن محمد سلامة، دار طيبة للنشر والتوزيع، الطبعة  الثانية 1420هـ - 1999م 6/120

[6]- تفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم: أبو محمد عبد الرحمن بن محمد بن إدريس بن المنذر التميمي، تحقيق: أسعد محمد الطيب، مكتبة نزار مصطفى الباز، المملكة العربية السعودية الطبعة الثالثة 1419هـ، 8/2737.

[7]- اقتضاء الصراط 1/201.

[8]- أحكام أهل الذمة: ابن قيم الجوزية، المحقق: يوسف بن أحمد البكري - شاكر بن توفيق العاروري، رمادى للنشر، الدمام- الطبعة الأولى 1418- 1997، ص 441.