المسجد الاقــصى روح مدينة القدس .. (1) الأستاذ صالح لطفي

الأستاذ صالح لطفي صالح بعير

  • الأربعاء 09, فبراير 2022 09:02 م
  • المسجد الاقــصى روح مدينة القدس .. (1)   الأستاذ صالح لطفي
مدخل.. هذه مقالات ثلاثة اهديها لأولئك الذين المحهم في قدر الغيب يُعَدون إعداداً ربانياً لحملة الأمانة بعد أن تاهت الإنسانية ظالمة لنفسها ولما يحيط بها من حجر وشجر وعمران وبيئة ، وقد اقترب موعدهم حتى بات امرهم اقرب الينا من حبل الوريد . ألمحهم وهم يدخلون حواري القدس العتيقة مسبحين مهللين مكبرين إيذاناً بعصر جديد تكون في الكلمة للإنسان-الانسان ، أنسان الوحي لا أنسان الألة..
المسجد الاقــصى روح مدينة القدس.. (1)
صالح لطفي  ، باحث ومحلل سياسي...
مدخل..
هذه مقالات ثلاثة اهديها لأولئك الذين المحهم في قدر الغيب يُعَدون إعداداً ربانياً لحملة الأمانة بعد أن تاهت الإنسانية ظالمة لنفسها ولما يحيط بها من حجر وشجر وعمران وبيئة ، وقد اقترب موعدهم حتى بات امرهم  اقرب الينا من حبل الوريد .
ألمحهم وهم يدخلون  حواري القدس العتيقة مسبحين مهللين مكبرين إيذاناً بعصر جديد تكون في الكلمة للإنسان-الانسان ، أنسان الوحي لا أنسان الألة..
المسجد الأقصى الكائن الحي الذي لا يموت بموت الحضارات..
المسجد الاقصى  في الفكر الاسلامي كائن حي لأن رؤيتنا لبيت المقدس تنطلق اساسا من نصوص الوحي ومن حركة الحياة التي خلفها لنا الرواد الاوائل  بعد تحرير المدينة من الاحتلال الروماني-البيزنطي ومن تبعهم على مدار التاريخ الاسلامي من شد للرحال والتزامه كحال الغزالي ابو حامد ومن جاء من بعده  محررا للمسجد الاقصى من الاحتلال الصليبي فالقدس والمسجد الاقصى قيم طاهرة مقدسة حية في النفوس المؤمنة وبمقدار حياتها حية في قلب الانسان المؤمن بمقدار حياتها على ارض الواقع  من حيث علاقاتها مع الانسان الفرد  ذلك اننا  ونحن نتابع موقف الاسلام دينا وتراثا وتاريخا من القدس والمسجد الاقصى والارض المقدسة سنجد اننا امام "حالة حية " تضخ الحياة وتمنحها للآخرين وهي بهذه الحالة صيرورة من اقدار الحق تبارك وتعالى في محورية العلاقة مع القضية الفلسطينية والقدس والمسجد الاقصى وهذا هو سر روحها ودفعها المستمر للمسلمين على الارض المباركة. ولعل كل واحد منا وهو يعبر من  بوابات البلدة القديمة ونمر في ازقتها العتيقة ينتابنا الشعور العظيم كم من الانبياء والصديقين والصالحين والمجاهدين مروا من هذه الازقة واذا دخلنا بوابات المسجد ينتابنا الشعور الاخر كم من الصحابة والسلف والعلماء والزهاد والوراع والمجاهدين مرغوا وجوههم بتراب هذا البيت المقدس ثمَّ ينتابك شعور قدري أخر يربطك بالنبي الاعز الاكرم محمد صلى الله عليه وسلم وهو امام بالانبياء والمرسلين من لدن ادم الى زمانه،  فتتساءل لعل مكان جلوسي هذا سجد نبي او رسول او مَلكٌ فتستشعر كم هو حي هذا المسجد في النفس والزمان والمكان ، لذلك قدرية هذا المكان ارتبطت بالاحداث العظام القادمة علينا التي ستكون السبب الاساس في تخليص البشرية من أطول عبودية وأكثرها تعقيدا مرت عليه. وإذا كان الجسد بدون روح لا قيمة  فكذلك الارض بلا مسجد لا قيمة لها لأنّ الروح هي جوهر الحياة واذا كانت الروح في سياقاتنا الفلسفية هي هوية كل امة تتخلق بها دينا وفكرا فمعنى ذلك ان كل امة لها هويتها وهذه الهوية المعبرة عمليا عنها هي روحها الحقيقية وهذه الروح تتم تنميتها وتعزيز مقوماتها من خلال الكثافات الفكرية والدينية التي تعتمدها هذه الروح ... في سياقاتنا الاسلامية "أحب البقاع إلى الله المساجد" ، وللمساجد دور اساس في بناء الهويتين الثقافية والدينية للامة ولا اخال امة بدون ثقافة اذ الثقافة هي هويتها وبالتالي هي روحها التي تدفعها الى التقدم والرقي ولذلك كان المسجد ولا يزال هو هو روح الامة المحمدية وما ينسحب على مساجدنا في كل بقاع الارض ينسحب بالضرورة على المسجد الاقصى المبارك رغم ما يحيق به  ن مكائد إن كانت لتزول منها الجبال... بل تزداد دافعيته الروحية بين المسلمين وهو يتعرض للإذلال والاحتلال والتدنيس  واذا كانت المساجد هي الرمز الحركي للانتفاضة الأولى  بسبب ما تمده من حيوية وحيَوات فإنَّ ما شهده المسجد الاقصى من اعتداءات اسرائيلية آثمة منذ احتلاله والى هذه اللحظات يزيد من عمق العلاقة بينه وبين عموم المسلمين وبينه وبين اهل القدس بشكل خاص ولعلني لا ابالغ اذ قلت في هذا المقام أنَّ ثبات المسجد الاقصى امام عُتلِات الاحتلال ودهائه ومكره الذي لا يتوقف يمنح سكان القدس دفعات لا تتوقف للثبات امام هذا الاحتلال الذكي العبقري الذي لا ييأس ولا يكل ولا يمل وكأنني بهذا السياق بعملية طردية لا تتوقف فمكر الاحتلال يواجهه مسجد أسس على التقوى من أول يوم فيه ومن حوله رجال يحبون أن يتطهروا  .. على رباه درج الانبياء والاحبار والصديقون من بني اسرائيل وعلى مدارحه تربت وترعرت الصديقة الطاهرة المطهرة مريم بنت عمران "رضي الله عنها " وعلى ثراه أمَّ  رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم بالنبيين والمرسلين فكانت هذا الدفعات التاريخية الحاضرة في ذهنية المقدسيين  وساكنة الأرض المقدسة وما حولها دافعاً لتحمل أذى الاحتلال ليقينهم ان ما زرعته يد الله لا طاقة لبشر بخلعه ورميه واستبداله وهل أعظم من هذا الدفع الروحي من دفع.

فضائل المسجد الأقصى والدور التأسيسي القادم ..
لا يخفى على أحد فضائل المسجد الاقصى وهذه الفضائل لها دور تأسيسي في تعميق العلاقة بين المسلم أينما كان والمسجد فكيف بمن يعيش في فلسطين وكيف بمن يعيش في مدينة القدس. قال تعالى [ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ] (الإسراء:1). قال الطبري في تفسيره: "وقوله: {الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} يقول تعالى ذكره: الذي جعلنا حوله البركة لسكانه في معايشهم وأقواتهم وحروثهم وغروسهم. لأن البركة لا تفارقه جعلنا الله تعالى في بركاته ونفعنا بشريف آياته. ومن فضائله أنه ثاني مسجد وضع في الأرض ، فعن أبي ذر رضي الله عنه قال : قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الْأَرْضِ أَوَّلَ ؟ قَالَ : (الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ) قَالَ قُلْتُ : ثُمَّ أَيٌّ ؟ قَالَ : ( الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى )، قُلْتُ : كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا ؟ قَالَ : (أَرْبَعُونَ سَنَةً ، ثُمَّ أَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلَاةُ بَعْدُ فَصَلِّهْ فَإِنَّ الْفَضْلَ فِيهِ ) (متفق عليه). 
ومن فضائله أنه قبلة المسلمين الأولى قبل نسخ القبلة وتحويلها إلى الكعبة ، فعن البراء رضي الله عنه قال : (صَلَّيْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ - أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ - شَهْرًا ثُمَّ صَرَفَهُ نَحْوَ الْقِبْلَةِ). (متفق عليه).. وعن عبدالله بن عمرو - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن سلمان بن داود - عليهما السلام - لما بنى بيتَ المقدس سأل الله - عز وجل - خِلالاً ثلاثًا: حُكمًا يُصادِف حكمه، فأوتيه، وملكًا لا ينبغي لأحد من بعده، فأوتيه، وسأل الله تعالى حين فرغ من بنائه ألا يأتيه أحد لا ينهزه إلا الصلاة فيه أن يخرجه من خطيئته كيوم ولدته أمه). (رواة النسائي)... وجاء عن ميمونة مولاة النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها قالت: يا رسول الله، أفتِنا في بيت المقدس، فقال: ((ائتوه، فصلُّوا فيه، فإن لم تأتوه وتُصلُّوا فيه، فابعثوا بزيت يُسرَج في قناديله).( رواة أبوداود).
فضائل المسجد الأقصى تتسم بالديمومة لا تتوقف بمجرد احتلاله أو السطو عليه ليس بسبب مسجديته فحسب بل وبسبب موقعه القدري المرسوم منذ اللحظات الأولى لبناء حضارة الانسان من يوم هبوط ادم وزوجه عليهما السلام الى الأرض لاعمارها  حضارة ومدنية ، وهذا هو سر عطائه الذي لا ينضب أبداً ، وهو ما يمنحها بُعداً روحانيا لا يتوقف..
الاسس الروحية للمسجد الاقصى..
الاسس الروحية للمسجد نجدها في الكتاب والسنة واثار العلماء وعمليات التحرير  للقدس والاقصى وفي مراغمات الواقع الذي يعيشه المقدسيون يوميا فكم من شهيد سقط على تراب هذا المسجد المقدس وكم من جريح ومعاق بسبب سياسات الاحتلال فهل تراجع المقدسيون عن حبهم له وقالوا للعالم الاسلامي هذا المسجد تعالوا فخذوه .. لا ، بل قالوا انها امانة اكرمنا بها وسنحافظ عليها  ونشد عليها بالنواجذ  رغم انني اصارحكم القول ان اهلنا في المدينة المقدسة يحتاجون من كل مسلمي العالم الوقوف الى حانبهم في هذه الظروف المقيتة التي تحيق بنا من اطراف الارض الاربعة
كل امة تصنع لها مثالا تقدسه ليكون روحها الذي تبثه بين ابنائها واجيالها تراكم حوله الهويات الفردية والجماعية لتكون حوله هوية واحدة فهذه الولايات المتحدة جعلت من تمثال الحرية مثالا روحيا جامعا لها يعبر عن ثقافتها الليبرالية البرجماتية " النفعية " وتقديس حرية الفرد ، ولكل أمة قصتها التي تماثلها واقعا ملموسا ليكون هويتها الماثلة وليكون روحها الدائمة ولذلك قدست ما شاءت أن تقدسه ومن نافلة القول أن اشير ألى ان تقديس الامكنة ميراث بشري نشأ مع الانسان منذ لحظات حضارته الاولى ومنذ لحظة هبوط الانسان الاول كانت الطهارة هي معلمه التأسيسي الاول ذلك أنه كان قريبا من الملائكة والطهارة هي المضمون الاساس والاهم للقداسة اذ القداسة لها وجهان مادي ماثل امامنا هو الطهارة واخر غيبي نافذ في العقل هو الروح التي يبثها هذا المقدس. 
وفي حالتنا الموضوعية حيث العلاقة بين المسجد الاقصى وسكان المدينة المقدسة علاقة لا تنفصم برسم التاريخ والجغرافيا والواقع تكون لبركة المسجد الاقصى من حيث هو البيت المقدس إذ كل مقدس حامل لمعاني البركة التي تدور حولها معاني العطاء والثراء والخيرية ولا ابالغ اذ قلت ان سكان مدينة القدس رغم الظلم النازل عليهم من هدم للبيوت وتقتير في الارزاق واعتقالات اناء الليل واطراف النهار وانشغالهم بالمعاش والبقاء الا ان نفوسهم شامخة عالية  وما ذلك الا بسبب صلتهم الروحية بهذا البيت المقدس... وانا ارى ان روحية المسجد الاقصى تتجلى في سكان مدينة القدس عموما في خمسة اطارات يمكن للخبير النطاس بعلاقات الناس بالمسجد اكتشافها بيسر وسيجد  أننا أمام سياقين مرتبطان فيما بينهما بأصرة عقدية تشكل معلما روحيا حاضرا في كل بيت مقدسي . ومن ذلك في السياق التعبدي التاريخي –العقدي:

اعتقاد عديد السكان المسلمين ان القدس هي محل الطائفة الظاهرة على الحق وقد نص على تواتر احاديثها الحبر ابن تيمية في الصراط المستقيم وعند اهل القدس قناعات ان من اصلابهم من سيحظى بهذه الجائزة.

 العلاقة القدسية مع المدينة من حيث الحشر وفي هذا يقول ابن تيمية " فإلى بيت المقدس وما حوله يعود الخلق والأمر  وهناك يُحشر الخلق" وهذه المسلمة عند العلماء  تمنح القدس مكانتها الخاصة تماما كما  تجعل من المسجد ذا روحانية عالية اذ هم في صلواتهم وسجداتهم يتنسمون لحظات الوحي الاولى كما لحظات الحشر الاولى وهو ما يجعل بعضهم  في حالة من الربانية العالية.

حررت اكثر من مرة من نير الاحتلالات التي ابتليت بها لتكون في قلب كل مسلم غيور.

انها تشهد الخلافة الاسلامية  الاخيرة على هذه الارض.

وفي السياقات الخاصة المعاشة سنلحظ فيه:
1-الحب الغامر للمسجد لدى عموم الناس حتى غير المصلين وما انتفاضة البوابات عنا ببعيد.
2-التزام الكثير من سكان المدينة رغم الحصار والبطش والعنت الصلاة في المسجد الاقصى .
3-الزهو والفخر انهم ساكنة المسجد الاقصى المبارك" في لغتهم الحرم" .
4-استعدادهم النفسي والعملي للتضحية بالمهج والارواح من اجل الحفاظ عليه.
5-تململهم وتذمرهم وبل واعلان سخطهم  ورفضهم النفسي والعملي لما آل اليه المسجد بسبب خيانات اطراف عربية وفلسطينية وتآمرهم عليه من اجل بقاء سلطانهم والحفاظ على كراسيهم  وقد دفعه هذا الوضع لئن يكونوا ذا مزاج شديد القسوة اتجاه من يتاجر بالقدس والاقصى وحب لا ينقطع وشكر لا يتوقف لمن يقف الى جانب ويناصر البيت المقدس.
ان هذا الذي اشرت اليه غيض من فيض روح المسجد السارية في نفوس العامة والخاصة من شعبنا الفلسطيني...