المسجد الأقصى وقود الثورات.. وبوابة السلم والحرب

  • الثلاثاء 27, سبتمبر 2022 10:37 ص
  • المسجد الأقصى وقود الثورات.. وبوابة السلم والحرب
الحديث عن الأقصى ليس حديثًا عن مساحة مكانيّة، وإنما حديث عن عقيدة، فهو ملك للمسلمين وحدهم، ولا علاقة للصهاينة فيه، ولا يملك أحد كائنًا من كان حق التنازل عن ذرة تراب منه.
المسجد الأقصى وقود الثورات.. وبوابة السلم والحرب
القدس المحتلة – المركز الفلسطيني للإعلام
الحديث عن الأقصى ليس حديثًا عن مساحة مكانيّة، وإنما حديث عن عقيدة، فهو ملك للمسلمين وحدهم، ولا علاقة للصهاينة فيه، ولا يملك أحد كائنًا من كان حق التنازل عن ذرة تراب منه.
وقد تبنت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) يوم 18 تشرين الأول/ أكتوبر 2016 قرارًا ينفي وجود أي ارتباط ديني لليهود بـالمسجد الأقصى وحائط البراق، ويعدهما تراثًا إسلاميًّا خالصًا.
وفي هذا التقرير نستعرض معكم أبرز المحطات التاريخية التي عاشها المسجد الأقصى المبارك في التاريخ الحديث، وكيف كان شرارة انطلاق عديد الثورات والهبات الفلسطينية ضد المحتل.
ثورة البراق 1929
في حديث خاص لـ"المركز الفلسطيني للإعلام"، قال الباحث في تاريخ فلسطين المعاصر، عوني فارس: اندلعت ثورة البراق في أعقاب محاولات الصهاينة الاستيلاء على حائط البراق في 15 آب/ أغسطس 1929، بعد مسيرة للصهاينة ضمت عدة آلاف رفعت شعار "الحائط حائطنا"، وقد رد الفلسطينيون بتظاهرات ضخمة انطلقت في اليوم التالي من المسجد الأقصى، وقد عمت الأحداث مدن فلسطين الرئيسة مثل القدس وصفد وحيفا والخليل، واستمرت حتى بداية تشرين الأول/ أكتوبر من العام ذاته.
ارتقى في ثورة البراق 120 شهيدًا، وبلغ عدد الجرحى 232، في حين قتل من اليهود 133، وجرح منهم 341.
أدت الثورة إلى نشر ثقافة التضحية ورفع شأن الشهداء بين الفلسطينيين، كما أدت إلى إصدار قرار بريطاني وآخر دولي بأحقية المسلمين بالحائط.
مجزرة الأقصى عام 1990
حدثت مجزرة الأقصى يوم الاثنين 8 تشرين الأول/ أكتوبر 1990، حين حاول متطرفون يهود مما تسمى بجماعة أمناء جبل الهيكل بقيادة "غرشون سلمون"، وضع حجر الأساس لما يسمونه الهيكل الثالث في ساحة المسجد الأقصى، فقام المرابطون من أهل فلسطين، والذين قُدر عددهم بـ4 آلاف مصل بمنعهم، فأطلق جنود الاحتلال النار على المصلين، ما أدى إلى استشهاد 21 وإصابة 150 بجروح، كما اعتقلوا 270 شخصًا، وفقًا لفارس.
هبة النفق 1996
اندلعت في 25 أيلول/ سبتمبر عام 1996، حين افتتحت حكومة الاحتلال نفقًا في البلدة القديمة، يقع ضمن مبان قديمة قائمة تعود للعصرين الأموي والأيوبي، وتقع أسفل المدرسة التنكزية وحوش محمد الخليلي، ومكتبة المسجد الأقصى المبارك وسوق القطانين والمدرسة المنجكية، والنفق عبارة عن قناة رومانية بطول 60 مترًا محفورة بالصخر، وعرضها أقل من متر، وارتفاعها عدة أمتار.
ويوضح عوني فارس أن افتتاح النفق كان محاولة من سلطات الاحتلال لتأكيد سيادتها على المدينة وسعيها لتغيير معالمها.
ويضيف: واجهت قوات الاحتلال الاحتجاجات الفلسطينية بالعنف، حيث ارتقى في الأحداث 63 شهيدًا، وأصيب 1600 جريح.
وكانت هبة النفق أولى المواجهات الشعبية الكبرى مع الاحتلال بعد توقيع اتفاق أوسلو.
انتفاضة الأقصى 2000
اندلعت الانتفاضة الثانية "انتفاضة الأقصى" في أعقاب اقتحام شارون للمسجد الأقصى في 28 أيلول/ سبتمبر عام 2000، وقد جاءت بعد تعثر مسيرة التسوية ووصول المفاوضات بين منظمة التحرير ودولة الاحتلال إلى طريق مسدود.
وامتازت هذه الانتفاضة بتعدد أدوات المقاومة فيها، حيث استخدم الفلسطينيون العمليات الاستشهادية داخل مناطق “48” وعمليات إطلاق النار على الحواجز والنقاط العسكرية الإسرائيلية ومهاجمة المستوطنات عبر الأنفاق.
في المقابل استخدم الاحتلال أقسى أدواته القمعية، فاقتحم مدن الضفة الغربية فيما أسماه عملية "السور الواقي" عام 2002، وشرع في بناء جدار الفصل العنصري، وباشر بسياسة الاغتيالات التي طالت عددًا كبيرًا من القادة الفلسطينيين كأحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي وأبو علي مصطفى وغيرهم.
وقد استشهد من الفلسطينيين حوالي 4412 وجُرح 48322، مقابل 1069 قتيلاً و4500 جريح من الإسرائيليين، وفقًا لفارس.
وكان من نتائج الانتفاضة انسحاب الاحتلال من قطاع غزة، وتعزيز وجود المقاومة فيها، ورحيل ياسر عرفات في ظروف غامضة، وإعادة بسط السلطة الفلسطينية سيطرتها على الضفة الغربية، واستنزاف قوى المقاومة في الضفة.
هبة القدس 2015
يقول الباحث المختص في تاريخ فلسطين المعاصر، عوني فارس: اندلعت هذه الهبة في أعقاب عملية "ايتمار" الشهيرة التي نفذتها خلية للمقاومة في الأول من تشرين الأول/ أكتوبر عام 2015، وعملية الطعن التي نفذها مهند الحلبي في قلب البلدة القديمة في القدس بعد يومين.
ويضيف: كلتا العمليتين جاءتا بعد سلسلة هجمات وحشية نفذها المستوطنون كان أعنفها حرق عائلة دوابشة من بلدة دوما في محافظة نابلس في 31 تموز/ يوليو 2015 على يد مجموعة من جماعة "تدفيع الثمن" اليهودية المتطرفة.
في حين تعرض المسجد الأقصى المبارك قبيل هبة القدس إلى هجوم وحشي من جنود الاحتلال ومستوطنيه، تحول خلالها الأقصى إلى ساحة حرب حقيقية من خلال إطلاق القنابل الصوتية والغازية والرصاص المطاطي تجاه المصلين والمرابطين، ما أدى إلى اندلاع أكثر من حريق داخله وإلحاق خسائر كبيرة فيه، كما استمرت اقتحامات المستوطنين في عام 2015 شبه يوميّ، ومُنع المسلمون من دخول الأقصى في أوقات معينه في خطوة لتقسيم المسجد الأقصى زمانيًّا.
تبع ذلك موجة من المظاهرات التي عمت مدن الضفة الغربية وتركَّزت على مداخل المدن، كما شهدت الهبة سلسلة من الهجمات بالسكاكين وعمليات الدهس التي نفّذها فلسطينيون، واستهدفوا فيها جنودًا ومستوطنين.
ويؤكد فارس أنَّ الهبة جاءت بعد سنوات من تراجع الفعل المقاوم بفعل سياسات الاحتلال والسلطة الفلسطينية، وقد لعبت معركة العصف المأكول التي اندلعت عام 2014 واستمرت عدة أسابيع، دورًا محوريًّا في رفع معنويات الفلسطينيين في الضفة الغربية وتشجيعهم على مواجهة الاحتلال.
هبة باب الأسباط 2017
اندلعت هذه الهبة في أعقاب إغلاق المسجد الأقصى في 14 تموز/ يوليو 2017، بعد عملية إطلاق نار ضد شرطة الاحتلال نفذها ثلاثة شبان من أم الفحم عند باب حطة، ورفضت سلطات الاحتلال فتح المسجد إلا بعد نصب بوابات إلكترونية على أبواب المسجد الأقصى، ومنعت المصلين من أداء صلاة الجمعة.
رفض المرابطون تركيب البوابات الإلكترونية، وبدأت موجة من الاحتجاجات والاعتصامات، وصلى آلاف المرابطين عند باب الأسباط وفي الشوارع المحيطة، وتبع ذلك مظاهرات في المدن الفلسطينية وخارج فلسطين، واضطر الاحتلال إلى إزالة البوابات في 24 تموز/ يوليو 2017، ودخل المرابطون المسجد الأقصى مهللين مكبرين في مشهد مهيب.
ويرى فارس أن هذه الهبة شكلت انتصارًا لإرادة المرابطين، وتأكيدًا على مركزية الأقصى في الصراع مع الاحتلال وحالة الإجماع الشعبي على حمايته.
هبة باب الرحمة 2019
يقول: اندلعت الهبة حين أغلق الاحتلال البوابة الحديدية التي تؤدي إلى درج حجري يصل إلى مصلى باب الرحمة بأقفال في منتصف شباط/ فبراير 2019، فخلع المقدسيون القفل ثم البوابة الحديدية، وبدأوا بالصلاة في محيط المصلى.
وأقدم الاحتلال على اعتقال العشرات من المصلين خصوصًا ليلة 19 شباط/ فبراير، لكن الصلاة في محيط المصلى استمرت إلى أن جاء يوم الجمعة 22 شباط/ فبراير، واحتشد آلاف المصلين الذين فتحوا أبواب المصلى بالقوة، بعد أن أغلقه الاحتلال منذ عام 2003.
استمر التضييق الإسرائيلي على كل من يحاول الوصول إلى المصلى دون جدوى، حيث بقي المصلى مفتوحًا، لتحقق الهبة نقطة انتصار جديدة في مقاومة المسلمين لتهويد المسجد الأقصى.
هبة القدس 2021
اندلعت هذه الهبة في شهري نيسان/ أبريل وأيار/ مايو 2021، وشملت أحداثها عدة أحياء في القدس منها باب العمود والشيخ جرّاح وباب الواد والمسجد الأقصى وكنيسة القيامة، وحاولت سلطات الاحتلال تهجير 28 عائلة مقدسية تسكن الشيخ جراح في 13 نيسان (بداية رمضان)، ثم اندلعت صدامات باب العمود 22 أبريل/ نيسان، وقد وصلت الأحداث الذروة عندما حاولت جماعات متطرفة من أمناء الهيكل اقتحام المسجد الأقصى في 10 أيار/ مايو، فردت المقاومة بقصف القدس بالصواريخ واندلاع معركة سيف القدس.
شكلت هبة القدس نقطة تحول كبرى في مسار الدفاع عن القدس؛ فقد شهدت التفافًا كبيرًا من الشعب الفلسطيني في الضفة وغزة والداخل المحتل، كما أنَّها دفعت باتجاه كسر معادلة محاصرة المقاومة المسلحة في قطاع غزة وربطها بمطالب لا تتعدى احتياجات قطاع غزة، وفقًا لفارس.
يعلّق الكاتب والباحث الفلسطيني، ساري عرابي، على ذلك، بقوله: إن المسجد الأقصى من أهم عوامل التثوير في الساحة الفلسطينية، ويكفي أنه كان منطلق الانتفاضة الثانية، التي لم تنطلق مباشرة بعد فشل مفاوضات "كامب ديفد"، وإنما بعد تدنيس شارون للمسجد.
ويضيف عرابي، في حديث خاص لـ"المركز الفلسطيني للإعلام": أنه ليس أدلّ على مركزية المسجد الأقصى، بوصفه عنصر التثوير الأهم، هو دافعيته لكل الهبات والمواجهات في عموم فلسطين، منذ العام 2015 وإلى الآن.
ويرجع عرابي هذه الفاعلية للمسجد، للعلاقة العاطفية الراسخة، بين الفلسطينيين والمسجد، وشعور الفلسطينيين أنهم المؤتمنون عليه، وكونه عنصر التقاء واتفاق وإجماع بين جميع الفلسطينيين، ولا تقتصر فاعليته التحريكية على شريحة دون أخرى؛ فكل فلسطيني يجد سببًا للارتباط بالمسجد، والذي هو من جهة أخرى من أهم الروافع التي يخاطب فيها الفلسطينيون الأمة الإسلامية، بوصفه مقدسًا لها يعاني الاحتلال والانتهاك والتدنيس.
القدس في القانون الدولي
وبموجب أحكام وقواعد القانون الدولي، وتحديدًا القانون الدولي الإنساني، واستنادًا لما جاء في اتفاقية لاهاي لعام 1907 واتفاقيات جنيف لعام 1949، وعلى رأسها اتفاقية جنيف الرابعة، ووفقًا لما جاء في الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية في عام 2004 بخصوص تشييد الجدار، بالإضافة لعشرات القرارات الصادرة عن الجمعية العامة ومجلس الأمن، فإن المركز القانوني للقدس، أنها جزء من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، وينطبق عليها القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف.
وبناءً علي ما سبق فإنه لا شرعية للدولة القائمة بالاحتلال بأن تفرض قوانينها وتشريعاتها الوطنية على الأرض المحتلة، ولا يوجد لها اختصاص في ممارسة سلطاتها القضائية فيها، وأي تغيير للواقع الجغرافي أو الديمغرافي أو المساس بمعالم السيادة يعدّ من الانتهاكات الجسيمة التي يرقى بعضها لمصاف جرائم الحرب، وعليه فإن منع الفلسطينيين من الوصول للأماكن الدينية الخاصة بهم، أو محاولة المساس بالمسجد الأقصى المبارك، يعد انتهاكًا جسيمًا للقانون الدولي، والسياسات الإسرائيلية في القدس كافة تعد من الانتهاكات الجسيمة والمخالفة للقانون الدولي؛ لكون القدس أرضًا محتلة.