الأقصى في مرمى التهويد والمزايدة الانتخابية.. اقتحامات تكرس التقسيم
المركز الفلسطيني للإعلام
يشهد المسجد الأقصى المبارك، منذ أشهر، تصعيدًا متسارعًا في وتيرة الاقتحامات التي تنفذها جماعات المستوطنين المتطرفين تحت حماية مباشرة من قوات الاحتلال الإسرائيلي، في سياق باتت ملامحه أوضح من أي وقت مضى، فرض وقائع جديدة داخل المسجد، تمهيدًا لتغيير وضعه التاريخي والقانوني، وتحويله إلى ساحة صراع مفتوح بين مشروع التهويد الممنهج وحضور الفلسطينيين المرابطين.
وتشير تقارير حقوقية وصحفية نشرها موقعا العربي الجديد والجزيرة نت خلال السنوات الأخيرة إلى أن الاقتحامات لم تعد أحداثًا موسمية مرتبطة بالأعياد اليهودية فحسب، بل تحولت إلى سياسة يومية ثابتة، ترافقها محاولات متزايدة لأداء طقوس تلمودية علنية داخل ساحات الأقصى، وفرض قيود مشددة على دخول المصلين المسلمين، خصوصًا في ساعات الصباح.
من الاقتحام إلى التقسيم
وفق توثيقات متكررة، فإن الاحتلال يعمل بخطوات تدريجية على تكريس التقسيم الزماني فعليًا، عبر تخصيص فترات اقتحام يومية للمستوطنين، قبل أن ينتقل إلى ملامح أخطر تتعلق بالتقسيم المكاني، خاصة في الجهة الشرقية من المسجد، التي باتت مسرحًا رئيسيًا للانتهاكات.
رئيس مركز القدس للدراسات، حسن خاطر، يحذّر من أن ما يجري في الأقصى “ليس انفلاتًا عشوائيًا”، بل سياسة ممنهجة تهدف إلى استقطاع المنطقة الشرقية من المسجد وتحويلها إلى فضاء خاضع لسيطرة المستوطنين، تمهيدًا لفرض التقسيم الزماني والمكاني، ومن ثم الانتقال إلى مراحل أكثر خطورة تمس السيادة الكاملة على المسجد.
ويؤكد خاطر أن النيّة الإسرائيلية باتت واضحة، خصوصًا مع سماح شرطة الاحتلال بأداء صلوات تلمودية جماعية داخل الأقصى، في خرق صارخ للوضع القائم الذي أُقر بعد احتلال القدس عام 1967، والذي ينص على أن المسجد الأقصى مكان عبادة خالص للمسلمين، وتديره الأوقاف الإسلامية الأردنية.
وتشير تقارير إلى أن عدد الاقتحامات السنوية تضاعف خلال العقد الأخير، بالتوازي مع تصاعد نفوذ التيارات الدينية القومية داخل حكومة الاحتلال، والتي ترى في الأقصى “قضية سيادية ودينية” لا تقل أهمية عن مشاريع الاستيطان في الضفة الغربية.
من الناحية القانونية، تُعد هذه الممارسات خرقًا فاضحًا للقانون الدولي الإنساني، ولا سيما اتفاقية جنيف الرابعة، التي تحظر على قوة الاحتلال المساس بالمقدسات الدينية أو تغيير طابعها. كما سبق لمنظمات حقوقية دولية أن حذّرت من أن استمرار هذه السياسات قد يقود إلى تفجير الأوضاع في القدس، باعتبار الأقصى خطًا أحمر دينيًا وسياسيًا.
ورقة مزايدة سياسية
غير أن الصمت الدولي، وفق مراقبين، شجّع الاحتلال على المضي قدمًا، خاصة في ظل انشغال المجتمع الدولي بحروب وأزمات إقليمية ودولية، ما أتاح لإسرائيل هامش حركة أوسع لتكريس وقائع جديدة على الأرض.
في موازاة ذلك، يبرز عامل داخلي لا يقل خطورة، وهو الانتخابات الإسرائيلية المقبلة عام 2026، حيث يرى المختص في شؤون المسجد الأقصى إسماعيل مسلماني، أن التنافس الانتخابي داخل إسرائيل حوّل الأقصى إلى “ورقة مزايدة سياسية”، حيث يسعى كل تيار يميني أو ديني إلى إثبات تشدده عبر دعم اقتحامات المستوطنين وتوسيع حضورهم داخل المسجد.
ويؤكد مسلماني أن جماعات “الهيكل” المتطرفة تستغل أجواء الحملات الانتخابية والضغوط داخل الائتلافات الحكومية لفرض خطوات ميدانية جديدة، مشيرًا إلى أن كل تصعيد في الأقصى غالبًا ما يتزامن مع أزمات سياسية داخلية أو محاولات لكسب دعم القاعدة اليمينية المتطرفة.
وتشير تقارير إلى أن هذا التنافس الانتخابي يدفع حكومات الاحتلال المتعاقبة إلى غضّ الطرف عن انتهاكات المستوطنين، بل وتوفير الغطاء القانوني والأمني لها، خشية فقدان الدعم السياسي في الشارع اليميني.
هوية مهددة ورباط مطلوب
في مواجهة هذا الواقع، يؤكد مختصون أن المعركة على الأقصى لم تعد معركة مكان فحسب، بل معركة هوية وسيادة. فالمسجد الأقصى، بمساحته البالغة 144 دونمًا، هو حق خالص للمسلمين، وأي محاولة لاقتطاع جزء منه أو تغيير طابعه الديني تمثل اعتداءً مباشرًا على هوية القدس العربية والإسلامية.
ويشدد حسن خاطر على أن الرباط الشعبي في الأقصى يبقى خط الدفاع الأول في مواجهة مخططات التهويد، داعيًا الفلسطينيين في القدس والداخل المحتل إلى تكثيف الحضور في المسجد، كما طالب الأمة العربية والإسلامية بتحمل مسؤولياتها تجاه ما يجري.
أما مسلماني فيحذر من أن استمرار التنافس الانتخابي الصهيوني على الأقصى قد يقود إلى انفجار واسع، ليس في القدس وحدها، بل في المنطقة برمتها، مؤكدًا أن المساس بأولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين سيبقى عامل تفجير دائم للصراع، مهما طال الصمت الدولي.