عرابي: إسرائيل تسعى لإعادة تشكيل هوية غزة السياسية والاجتماعية

  • الأربعاء 24, سبتمبر 2025 10:33 ص
  • عرابي: إسرائيل تسعى لإعادة تشكيل هوية غزة السياسية والاجتماعية
قال الكاتب والمحلل السياسي ساري عرابي إن الاحتلال يسعى لإعادة تشكيل هوية القطاع السياسي والاجتماعية وفق رؤيته تتبنى أهداف إسرائيل وتحمل أفكارها، في صراع إرادات متواصل بين قوتها التدميرية وصمود المقاومة الفلسطينية، مشيرا إلى العملية الإسرائيلية الأخيرة في قطر ضد قيادة حماس أسفرت عن نتائج عكسية غير التي أرادها.
الباحث عرابي: إسرائيل تسعى لإعادة تشكيل هوية غزة السياسية والاجتماعية
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام
قال الكاتب والمحلل السياسي ساري عرابي إن الاحتلال يسعى لإعادة تشكيل هوية القطاع السياسي والاجتماعية وفق رؤيته تتبنى أهداف إسرائيل وتحمل أفكارها، في صراع إرادات متواصل بين قوتها التدميرية وصمود المقاومة الفلسطينية، مشيرا إلى العملية الإسرائيلية الأخيرة في قطر ضد قيادة حماس أسفرت عن نتائج عكسية غير التي أرادها.
وقال عرابي أن العملية الإسرائيلية الأخيرة في قطر، التي استهدفت قيادة حركة حماس، فشلت في تحقيق أهدافها الأمنية والسياسية والإقليمية، وأدت إلى نتائج عكسية على المستوى الدولي والعربي.
وأوضح في مقابلة مع المركز الفلسطيني للإعلام أن إسرائيل سعت لتحقيق ثلاثة أهداف رئيسية، لكنها جميعها لم تتحقق، بينما أسهمت العملية في تعزيز التضامن العربي والإسلامي مع قطر وغزة، وأكدت أن إسرائيل ليست خصمًا للفلسطينيين فقط، بل تواجه وعيًا عربيًا وإسلاميًا متزايدًا، وبأنها خصم للأمة العربية والمسلمة كلها.
الأهداف الأمنية والسياسية للعملية
وحدّد عرابي أن الهدف الأول للعملية كان أمنيًا مباشرًا، عبر اغتيال قيادة حماس في قطر بضربة واحدة، بهدف منع تكرار أي تهديد مستقبلي وخلق حالة ارتباك داخل التنظيم.
وأضاف أن هذا الهدف تقليدي بالنسبة للمؤسسة الأمنية الإسرائيلية ولن تتنازل عنه في المستقبل المنظور والبعيد، لكنه واجه تحديات سياسية ودبلوماسية كبيرة، إذ استهدفت العملية دولة ذات سيادة لها علاقات استراتيجية مع الولايات المتحدة ودولة وسيط بين حماس والاحتلال، ما يجعل العملية مخالفة للأعراف والمواثيق الدولية، مشيرا إلى المؤسسة الأمنية الإسرائيلية ستظل متمسكة بملاحقة واغتيال قادة حماس في أي مكان بالعالم بغض النظر عن مسار الحرب في غزة.
الهدف الثاني، وفق عرابي، كان التأثير على الحرب في غزة، إذ اعتقد الاحتلال أن اغتيال وفد حماس دفعة واحدة سيؤدي إلى حالة من الفوضى التنظيمية، ما قد يدفع قيادة الحركة في غزة للتنازل أمام الشروط الأمريكية والإسرائيلية.
كما كان الهدف داخليًا لتعزيز صورة رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو أمام المجتمع الإسرائيلي وطرح العملية كإنجاز ضمن قائمة إنجازاته المزعومة في غزة ولبنان وإيران.
أما الهدف الثالث، فكان سياسيًا وإقليميًا، لإرسال رسالة مفادها أن إسرائيل دولة مهيمنة لا يردعها أي شيء عن تحقيق أهدافها، حتى على حساب العلاقات الدبلوماسية والأعراف الدولية، ضمن ما يسمى إعادة تشكيل الشرق الأوسط، إذ أرادت إسرائيل إظهار قدرتها على ممارسة القوة في أي مكان، وأنها تفعل ما تريد بغض النظر عن العواقب السياسية أو الدولية.
وأوضح عرابي أن الأهداف الثلاثة للعملية في قطر فشلت بالكامل، حيث لم تحقق العملية الهدف الأمني المباشر، ولم تؤثر على الحرب في غزة كما توقعت إسرائيل، ولم تؤكد هيمنتها الإقليمية. بل على العكس، خلقت العملية حالة تضامن عربي وإسلامي ضد إسرائيل، رغم ضعف المواقف الرسمية.
وأضاف أن العملية جددت وعي العرب والمسلمين بأن إسرائيل ليست شريكًا، بل خصمًا، وأنها لم تثبت أنها ليست خطرًا على الدول العربية كما حاولت الترويج.
إعادة تشكيل بنية غزة
وبشأن عدوان الاحتلال الواسع على مدينة غزة ومساعي احتلالها، أكد عرابي أن الاحتلال الإسرائيلي يواصل نهجه التدميري في كل مناطق القطاع دون استثناء، “غير أن سعيه لاحتلال المدينة يهدف إلى فرض السيطرة الدائمة، وفرض قواعد على الأرض تمكنه من إعادة تشكيل القطاع بما يتوافق مع رؤيته المستقبلية”.
وأوضح أن إسرائيل ترى أن هزيمة حماس وإجبار القطاع على الاستسلام الكامل لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال السيطرة على المدينة والمخيمات الوسطى في مرحلة لاحقة.
وأشار إلى أن الاحتلال يهدف إلى إعادة تشكيل قطاع غزة بحيث لا يكون معاديا له، بحيث تديره قوى لا تحمل أي هوية سياسية أو وطنية، “يريد الاحتلال قوى عملية تعمل وفق مصالح إسرائيل”.
وأضاف: “تسعى سلطات الاحتلال لإعادة فرض نموذج إداري على غزة دون أي دور وطني، مع استبعاد السلطة الفلسطينية وحركة فتح، ومنع حماس من إدارة القطاع، بحيث تُدار غزة بقوى محلية مترابطة مع الرؤية الإسرائيلية”.
ويرى الباحث السياسي الفلسطيني أن الحد الأعلى لأهداف “عربات جدعون 2″، تدمير قطاع غزة بشكل كامل وجعله غير قابل للحياة، وربط فكرة التهجير بإعادة تشكيل البنية الحياتية للقطاع، فيما يرتبط الحد الأدنى للعملية بالسيطرة على القطاع بما فيه المدينة والمخيمات الوسطى بما يسمح داخليا بإعادة تشكيل هويته السياسية والاجتماعية.
وأشار عرابي إلى أن إسرائيل لا تهدف لإنهاء الحرب تفاوضيًا أو استعادة الأسرى، بل تواصل العمليات العسكرية بهدف فرض السيطرة وإعادة تشكيل القطاع بما يتوافق مع رؤيتها، مع إبقاء الحرب مستمرة لإثبات قدرتها على فرض “الانتصار الشامل”.
صراع إرادات
وأشار إلى أن أصواتًا داخل المنظومة الأمنية الإسرائيلية تتحدث عن مشاريع تهجير واسعة، سواء تحت ما يسمى التهجير “الطوعي” أو القسري بعد تدمير مقومات الحياة. وأوضح أن الهجرة الشاملة لم تبدأ بعد، إذ تحتاج إلى ترتيبات مالية ودولية لاستقبال السكان، وأن إسرائيل ما تزال تتواصل مع دول عديدة لترتيب ذلك، لكنه لم يحدث بعد ولم تصل لنجاحات في ذلك.
وفي المقابل، أكد عرابي أن المقاومة الفلسطينية في غزة، رغم الحصار والضعف النسبي في الموارد والأسلحة، أثبتت صمودها وقدرتها على التكيف مع الإمكانيات المتاحة، وهو ما شكل تحديًا مباشرًا للاستراتيجية الإسرائيلية.
وقال: “إسرائيل تمتلك قوة نارية هائلة، لكنها غير قادرة على ضمان تحقيق أهدافها بالكامل، ويبقى الصراع بين إرادة الاحتلال وإرادة المقاومة مستمرًا، فيما تظهر غزة صامدة رغم كل الضغط العسكري والتدمير”.
وأضاف أن استمرار الحرب يُستخدم لتحقيق ما تعتبره إسرائيل “انتصارًا شاملًا”، سواء عبر تهجير جزئي أو السيطرة الكاملة، مع استمرار الدور الإقليمي والدولي لمراقبة تطورات الصراع وتداعياته الإنسانية والسياسية. وختم عرابي بالقول إن صمود غزة والمقاومة يشكل تحديًا مباشرًا للسياسات الإسرائيلية.
وبدء جيش الاحتلال في أغسطس/ آب الماضي عدوانا واسعا على مدينة غزة تحت اسم “عربات جدعون 2″، وصعّد من وتيرة القصف وعمليات التفجير والتفخيخ التي يقوم بها باستخدام المركبات والآليات العسكرية، حيث تشهد مختلف مناطق المدينة الشرقي والغربية والجنوبية سيطرة نارية إسرائيلية جوية ومدفعية كثيفة وعمليات نسف وتدمير غير مسبوقة.
ونتيجة لعمليات النسف التي قامت بها القوات الإسرائيلية على الأرض، دُمّرت مئات المنازل، وتعرض البعض الآخر لأضرار جعلته غير صالح للاستخدام بعد ذلك تماماً، فيما اضطرح مئات الآلاف للنزوح إلى وسط وجنوب القطاع.
وبدعم أمريكي، ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 إبادة جماعية بغزة، خلّفت 65 ألفا و344 شهيدا و166 ألفا و795 مصابا، ومجاعة أزهقت أرواح 442 فلسطينيا بينهم 147 طفلا.