أمريكي (يهودي) مخادع لا تصدقوه

  • الإثنين 08, سبتمبر 2025 11:48 ص
  • أمريكي (يهودي) مخادع لا تصدقوه
المعروف عن المحلل السياسي الأمريكي الشهير توماس فريدمان أنّه صديق لرئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو، ومؤيد الى أبعد الحدود لإسرائيل خصوصًا أنه يهودي الديانة. ويبدو أنَّ هذا اليهودي فريدمان قد “بلغ السيل الزبى” عنده (ظاهريًا) من سلوكيات نتنياهو السياسية في قطاع غزة، ونراه في الفترة الأخيرة يوجه سهامه النارية بقوة الى صدر نتنياهو، في مقاله الأسبوعي في صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، وهو الذي تعتبره إسرائيل ابنها المدلل إعلاميا وسياسيًا. حتى هذا الابن لم يعد يتحمل ما يفعله نتنياهو، حسب ادّعائه.
أمريكي (يهودي) مخادع لا تصدقوه
الإعلامي أحمد حازم
المعروف عن المحلل السياسي الأمريكي الشهير توماس فريدمان أنّه صديق لرئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو، ومؤيد الى أبعد الحدود لإسرائيل خصوصًا أنه يهودي الديانة. ويبدو أنَّ هذا اليهودي فريدمان قد “بلغ السيل الزبى” عنده (ظاهريًا) من سلوكيات نتنياهو السياسية في قطاع غزة، ونراه في الفترة الأخيرة يوجه سهامه النارية بقوة الى صدر نتنياهو، في مقاله الأسبوعي في صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، وهو الذي تعتبره إسرائيل ابنها المدلل إعلاميا وسياسيًا. حتى هذا الابن لم يعد يتحمل ما يفعله نتنياهو، حسب ادّعائه.
قد يكون من واجبنا (على الأقل في هذه الفترة) أن نقول لتوماس فريدمان شكرا. لكن ليس مهما أن نسمع من فريدمان ما يفعله نتنياهو في غزة لأننا نعرف ذلك، ليس مهمًا أن نسمع من فريدمان عن الخطر الذي يشكله نتنياهو على المنطقة بما فيها اسرائيل نفسها، لأننا نعرف ذلك. والسؤال الأهم مستر فريدمان: ماذا بعد هذه الانتقادات؟ فريدمان وغيره من المحللين الغربيين الذين ينتقدون نتنياهو هذه الأيام، يعرفون أن نتنياهو “متمسح” يعني غير مبال ولا يهمه أحد، ولا يهمه من يهاجمه ولا يهمه من ينتقده لا محليًا ولا عالميًا. ما يهمه هو فقط المنصب.
لم نسمع من فريدمان (لو كان جادًا في هجومه على نتنياهو) أي اقتراح منه لرئيسه ترامب لمعاقبة نتنياهو. لم نسمع منه أية مبادرة لإبعاد نتنياهو عن الحكم. كل ما سمعناه منه هو كلام انتقادي لا يقدّم ولا يؤخر وليس من المستبعد أن يكون انتقاد فريدمان لنتنياهو بهذا الشكل الهجومي الكبير هو من أجل انقاذ إسرائيل ليس أكثر.
في الجزء التاسع من المسلسل التركي الشهير “وادي الذئاب” وفي الحلقة السادسة، يسأل أحدهم مسؤولا بريطانيا عن “سبب اعتراف المجلس البريطاني بدولة فلسطين في اجتماعه الاخير؟ فيجيبه المسؤول بكل وقاحة: “الاعتراف هو فقط لإسكات المسلمين في المنطقة وهو بالدرجة الأولى لصالح إسرائيل”. وهذا ما ينطبق بالضبط على انتقادات فريدمان لنتنياهو.
في مقال له يرسم الكاتب فريدمان صورة قاتمة لمستقبل إسرائيل تحت حكم نتنياهو المطلوب أمام المحكمة الجنائية الدولية. ويرى فريدمان أنّ “الحرب المستمرة على غزة لم تعد دفاعا عن إسرائيل بل تحوّلت إلى وسيلة لبقاء نتنياهو في السلطة، على حساب أرواح المدنيين الفلسطينيين، وصورة إسرائيل الدولية، ووحدة المجتمع اليهودي نفسه”. صحيح أنَّ فريدمان يطالب بالتوقف عن تجاهل معاناة الفلسطينيين، لكنه بموازاة ذلك يدعو الغرب الى انقاذ إسرائيل من نتنياهو. مرة أخرى يدور ويلف فريدمان ويتلاعب بالصياغات من أجل إسرائيل.
فر يدمان صبَّ جام غضبه على أبناء جلدته في حكومة نتنياهو ولا سيما بن غفير وسموتريتش، حيث يقول في مقاله: “إن هؤلاء الوزراء، يسعون إلى ملء الضفة الغربية بالمستوطنات لمنع نشوء دولة فلسطينية، وأن سموتريتش يشجع في الوقت ذاته على تهجير الفلسطينيين من الضفة وغزة لتمهيد الطريق أمام ضمهما لإسرائيل”. هنا وقع فريمان في خطأ فاحش ولا أستبعد أن يكون مقصودًا. فهؤلاء “لا يسعون” بل سعوا وعملوا على نشر المستوطنات.
يقول فريدمان “إنّ العالم لم يعد قادرا على غض الطرف عن الخسائر المدنية الفلسطينية الهائلة، ونتنياهو جعل الحرب تبدو بوضوح وكأنها محاولة لمدّ الاحتلال من الضفة الغربية إلى غزة”. مستر فريدمان عبقري في التلاعب بالكلام: فهو يتهم العالم بغض الطرف عمّا يجري في غزة والآن يحاول ذر الرماد في العيون ويحاول اقناعنا بأنّ العالم استيقظ من نومه. لكن الحقيقة هي عكس ذلك تمامًا، فالعالم يرى ويسمع ما يجري في غزة لكنه “مطنش” لا يبالي، والأمم المتحدة ومجلس الأمن عاجزان عن وقف إسرائيل لحربها على غزة. فعن أي عالم يتحدث فريدمان؟
في فقرة أحرى من مقاله، الذي يعتبره الساذجون انه مقال لجانب غزة ضد نتنياهو، يعرب الكاتب بكل وضوح عن خشيته من تشرذم يهودي بسب نتنياهو. فهو يقول في مقاله: “إنّ الحرب تهدد بتمزيق وحدة الجاليات اليهودية في الشتات بين من يرون أن الوقوف مع إسرائيل واجب أبدي، ومن لم يعودوا قادرين على تبرير أفعالها في غزة”. ويعترف فريدمان بأنه كان وراء مبادرة السلام السعودية عام 2002 والتي لا يزال العالم العربي يتحدث عنها ويدعمها. يقول فريدمان إنه “التقى ولي العهد السعودي الأمير عبد الله بن عبد العزيز في فبراير 2002، وشجعه على القيام بمحاولة شاملة لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي من خلال تطبيع العلاقات العربية مع إسرائيل، مقابل عودة اللاجئين وإنهاء الاحتلال الإقليمي الإسرائيلي”. الأمير عبد الله سارع وقتها بطرح اقتراح فريدمان وأسماه (مبادرة السلام العربية) في قمة بيروت في شهر مارس من نفس العام، وأيدها فريدمان بقوة منذ طرحها. إسرائيل رفضتها وأمريكا لم تتبناها بجدية.
بقي علينا القول إن الكاتب الأمريكي فريدمان بدأ غرامه بإسرائيل في سنّ مبكرة بعد زيارته لها في ديسمبر 1968، وقضى فترات الصيف خلال سنوات الثانوية في مستوطنة هوتريم بالقرب من حيفا، ووصف تلك السنوات بأنها كانت احتفالًا كبيرًا بانتصار إسرائيل في حرب الأيام الستة.
فكيف يمكن أن يكون شخص بهذه الصفات مثل فريدمان بين ليلة وضحاها ضد إسرائيل، وهو الذي حصل أيضا على وسام الإمبراطورية البريطانية من قبل الملكة إليزابيث الثانية، وسام من بريطانيا صاحبة وعد بلفور المشؤوم؟
لا تصدقوا فريدمان فهو أمريكي (يهودي) مخادع يتلاعب بالكلام لحماية إسرائيل وليس ضدها.