"احتلال غزة".. وهْمٌ ووهْن

  • الإثنين 01, سبتمبر 2025 11:29 ص
  • "احتلال غزة".. وهْمٌ ووهْن
لم يكن إقرار خطة احتلال غزة في السابع من أغسطس/آب 2025 سوى حلقة من مسلسل الفشل والعجز العسكري والسياسي الذي تراكم على حكومة نتنياهو المتطرفة. فبعد أكثر من 22 شهراً من العدوان المتواصل على قطاع غزة، ما يزال نتنياهو يطرح خططاً متجددة على أمل أن يجد ضالته في تحقيق صورة "النصر المطلق" الذي وعد به الداخل الإسرائيلي عدا عن حلفائه في الخارج؛ وهذا الأمر دلالة واضحة على حالة الفشل والتخبط الاستراتيجي التي يعاني منها الكيان منذ السابع من أكتوبر 2023.
"احتلال غزة".. وهْمٌ ووهْن
د. باسم القاسم
لم يكن إقرار خطة احتلال غزة في السابع من أغسطس/آب 2025 سوى حلقة من مسلسل الفشل والعجز العسكري والسياسي الذي تراكم على حكومة نتنياهو المتطرفة. فبعد أكثر من 22 شهراً من العدوان المتواصل على قطاع غزة، ما يزال نتنياهو يطرح خططاً متجددة على أمل أن يجد ضالته في تحقيق صورة "النصر المطلق" الذي وعد به الداخل الإسرائيلي عدا عن حلفائه في الخارج؛ وهذا الأمر دلالة واضحة على حالة الفشل والتخبط الاستراتيجي التي يعاني منها الكيان منذ السابع من أكتوبر 2023.
فالجيش الإسرائيلي، الذي صُنّف في المركز الخامس عشر عالميًا، والثاني في الشرق الأوسط بعد الجيش التركي الذي صُنّف في المركز التاسع عالميًا، وفقًا لتصنيف القوة العسكرية لعام 2025 الصادر عن موقع "غلوبال فايرباور" Global Firepower، يجد نفسه عاجزًا عن تحقيق "النصر المطلق" واحتلال كامل قطاع غزة البالغ مساحته 360 كيلومترًا مربعًا، في حين استطاع هذا الجيش أن يحتل، في الساعات الأولى التي تلت سقوط النظام السوري في كانون الأول/ديسمبر 2024، 235 كيلومترًا مربعًا من الأراضي السورية، وهي مساحة الأراضي المنزوعة السلاح وفق اتفاق فصل القوات على الجبهة السورية، الذي وُقّع في 31 أيار/مايو 1974. ثم وسع الجيش الإسرائيلي بعد ذلك المساحة لتشمل بين 440–600 كيلومترًا مربعًا من ضمنها مرتفعات جبل الشيخ.
هذا بالإضافة إلى حسم الحرب مع حزب الله في الجبهة الشمالية، وشن "حرب الـ12 يومًا" ضدّ إيران، وقد خرج الكيان من هاتين الحربين منتشياً ومعلناً تحقيق الأهداف التي وضعها. وبالرغم من ذلك، لم يستطع الكيان الإسرائيلي الادعاء بأنه حقق نصراً مماثلًا ضدّ قطاع غزة، بالرغم من كون القطاع محاصرًا ومحدود الإمكانيات والقدرات العسكرية والاقتصادية.
إذن، عقدة قطاع غزة ما تزال ماثلة أمام حكومة الكيان، رغم كل التسهيلات والمرونة التي يعمل بها الجيش الإسرائيلي؛ فالمُدد الزمنية المتواصلة لإنجاز الأهداف، والدعم العسكري المستمر من قبل الولايات المتحدة وحلفائها، والغطاء السياسي والمظلة القانونية التي توفرها واشنطن في الفضاء الدولي، والصمت والتخاذل الدولي والعربي المستمر، رغم كل هذا وأكثر، لم يستطع الجيش الإسرائيلي حسم الحرب في غزة.
المقاومة في قطاع غزة صامدة ومتماسكة، تبتكر التكتيكات العسكرية المتجددة، وتستعد لمفاجأة القوات الغازية بالكمائن والمصائد والمناورات، كأنها تخوض حربًا في عالم آخر وزمن آخر لا يمكن لنا (نحن خارج الميدان) تخيله أو تصوره. إنها تحاكي معارك وصمود الصحابة المجاهدين الأخيار في غزوة مؤتة ومعركة اليرموك؛ العدو من أمامها وبحر غزة ليس من خلفها، بل العدو أيضًا يحيط بها من كل جانب.
فقيادة الجيش الإسرائيلي تحاول تجنيب الجنود جسارة الالتحام مع المجاهدين في غزة، وهي ترسل التحذيرات إلى المستوى السياسي، أن لا قِبل لجنودنا بخوض هذه الحرب، وكأنها تقول لنتنياهو: "اذهب أنت ووزراؤك فقاتلوا، إننا هنا قاعدون". بات الجنود يخشون التوغل في غزة نهارًا كي لا يصبحوا فريسة سهلة للمقاومة، كما هالتهم مناظر المباني المدمرة هناك بحسب تقارير إسرائيلية. هم ليسوا في نزهة؛ فالعدو يأتيهم ليس فقط من أمامهم ومن خلفهم، بل من تحت أرجلهم؛ فشبكة الأنفاق التي زعم الاحتلال أنه دمّر معظمها ما زالت تقض مضاجع العدو، وهم يحسبون لها ألف حساب، والعربات المدرعة التي يشكو الجنود من ارتفاع درجات الحرارة بداخلها لأن مكيفاتها معطلة وهي تفتقد إلى الصيانة بسب نقص الميزانية، أصبحت هدفًا سهلاً لعبوات المقاومين، بعد أن ترك الجنود فتحاتها مشرعة للتهوية، هناك نقص في عديد هذه المدرعات بسبب تدمير وتعطيل المئات منها خلال الحرب.

لم يعتد هذا الجندي، بالرغم من مئات المناورات والتدريبات التي خاضها في السنوات الماضية، والتي تحاكي مختلف التضاريس الجغرافية والمناخات الجوية، على خوض الحروب إلا من خلال أحدث المدرعات والمركبات المريحة والذكية؛ ولذلك بلغت نسبة المتخلفين عن تلبية دعوة الالتحاق بالجيش من قوات الاحتياط أكثر من 40%، وهي نسبة ليست بالقليلة. لم تُفلح إجراءات الجيش الإسرائيلي في الأشهر السابقة، من خلال تسريح قوات الاحتياط لإنعاشهم وتهيئتهم نفسيًا وجسديًا، وتركيز العبء العسكري القتالي على القوات النظامية، في تحفيز وبث روح الفداء والتضحية لدى هذه القوات للانضمام مجددًا إلى ساحة الحرب؛ النتيجة كانت زيادة حالة الإنهاك لدى القوات النظامية، وفشل خطة إعادة قوات الاحتياط للخدمة.
الوضعية صعبة والصورة ضبابية بالنسبة لنتنياهو، فهو يغامر بآخر رهاناته، وعداد الوقت لا يُسعفه، وعدد الدول الحليفة التي ضاقت ذرعًا من سياسته يزداد، والحليف القابع بالبيت الأبيض لا يعطي شيكًا على بياض، ورجل الأعمال هناك يكره المغامرات غير المحسوبة على قاعدة "رأس المال جبان". إيال زامير، رئيس الأركان، غير متحمس لنزوات نتنياهو، وليست لديه مشكلة في تبطيء وتعطيل خطط الحكومة، ما دامت هذه حرب نتنياهو وخطته، على أمل أن يُفلح في درء الأخطار عن جنوده وليتقي شر الانتكاسة والفشل.
لن يطول الوقت حتى يكتشف نتنياهو وجنوده أن قطاع غزة مقبرة للغزاة، وإلى حين ذلك، نسأل الله أن يثبت المجاهدين، وأن يمنّ على شعبنا الصابر بالصمود والتكاتف وتحقيق النصر، "فإن مع العسر يسراً".