هل الإعداد لمواجهة الأطماع الإسرائيلية يعد انتحاراً؟
حازم عياد
أعلن الاحتلال الإسرائيلي مؤخرا عن مناورات عسكرية طارئة على الحدود الأردنية تتضمن هجوما على ثلاث محاور، ورابع جوي عابر للحدود بالقرب مطار رامون المحاذي لمدينة العقبة حيث امن الأردن المائي والغذائي و الطاقوي، عززها الإعلان عن مناورات بحرية في البحر الأحمر بعد مرور أيام عشرة على المناورة الأولى بحجة مجابهة التهديدات القادمة من البحر وما وراءه.
المناورات تزامنت مع لقاء عُقد في العاصمة عمّان ضم وزير الخارجية السوري اسعد الشيباني، والمبعوث الأمريكي توماس باراك ووزير الخارجية ايمن الصفدي، لمناقشة ملف التهدئة في محافظة السويداء السورية، ذلك لم يخل من تسريبات موقع اكسيوس الأمريكي، كشف فيها مطالب إسرائيلية نقلها المبعوث الأمريكي الى دمشق وعمّان بفتح معبر انساني بين الكيان الإسرائيلي ومحافظة السويداء عبر الأراضي السورية وآخر عبر الأراضي الأردنية، أمر رفضه الأردن وسوريا في الآن ذاته كونه يمثل انتهاكا للسيادة الأردنية على نحو يفتح الباب لأطماع لا نهاية لها.
فالاحتلال الإسرائيلي يبحث عن وسيلة واداة لابتزاز الأردن، وإضعاف جبهته عبر احداث اختراقات تتيح له فرض واقع جغرافي وسياسي جديد تحت عناوين متعددة (ممرات آمنة، ومناطق عازلة، ومنزوعة السلاح) مشاريع قابلة للاتساع مستقبلا تحت عناوين متجددة بحجة الإغاثة الإنسانية، وتوفير مناطق آمنة وعازلة لحماية المهجرين الدروز، او للتعامل مع المهجرين الفلسطينيين من الضفة الغربية، او مواجهة التهديدات الإيرانية والحوثية والارهابية غير المعروفة.
المناورة الأخيرة قدمت رسائل وسيناريوهات واضحة بالتمدد شرقي نهر الأردن بمبررات ودواعي إنسانية تارة، وأخرى لدواعي توراتية، وثالثة أمنية ترتبط بنشاط المهربين عبر الحدود والهجمات العابرة للحدود، فالمناورات ابتزاز دبلوماسي يمتد اثره الى الجبهة الداخلية وصولا الى أمنها الغذائي والمائي والطاقوي، وإقحام مدينة العقبة في مناوراته البحرية والجوية والبرية الاخيرة خير دليل على ذلك، اذ يمثل تهديداً مباشراً لأمن الطاقة وللأمن المائي والغذائي؛ كون اكبر مشاريع المياه الأردنية يأتي من حوض الديسي الذي يزود ما يقارب 5 ملايين مواطن بالمياه، 4 ملايين منهم في العاصمة عمّان وحدها، الى جانب مشروع مستقبلي يعرف بخط الناقل الوطني لمياه البحر المحلاة، ليس هذا فقط، فالعقبة “كعب أخيل” الأردن تتواجد فيها واحدة من اكبر محطات الطاقة الكهربائية وانابيب الغاز المغذية؛ ما يجعل من تعطلها كارثة وطنية تفاقم من ازمة المياه التي تعتمد بنسبة 20% على الكهرباء لنقلها الى المواطنين.
أخيرا في العقبة يقبع أمن الأردن الغذائي، وبدونها سيفقد الأردن المواد الأساسية والحيوية المشحونة بحرا كالقمح والأرز و غيرها من السلع الغذائية الأساسية، فالعقبة عقدة سلاسل التوريد وعصب الأردن التجاري.
المناورات الإسرائيلية بهذا المعنى ليست بريئة في توقيتها وأهدافها السياسية والأمنية؛ إذ تأتي كابتزاز يتوافق مع مخططات الاحتلال لإعادة هندسة وتشكيل الواقع الجيوسياسي للإقليم، وفقاً للطموحات الإسرائيلية التي عبر عنها نتنياهو صراحة قبيل انتهاء المناورات لشبكة i24 الإسرائيلية بالقول: إن لديه ارتباطاً عاطفياً بإقامة إسرائيل الكبرى، تبعه بأيام وزير الاتصالات شلومو كرعي بالقول: لِنَهر الأردن ضفتان إحداهما لنا، والأخرى أيضا، فالاحتلال انتقل من مرحلة التلميح الى مرحلة التصريح والتخطيط والتنفيذ وبتسارع كبير؛ ما يجعل من الانتظار والترقب انتحار امني وسياسي.
وفي هذا السياق، فإن لجوء الاحتلال الإسرائيلي للأداة العسكرية لم يعد مستبعداً في ظل النشاط العسكري الكثيف بتشكيل فرقة هجومية متخصصة على الحدود الأردنية ومناورات متتابعة، كان آخرها المعلن عنها في 11 من أغسطس / اب الحالي والتي لم تكن الوحيدة من نوعها هذا العام على الحدود الأردنية فهي الثالثة في اقل من 10 اشهر، اذ كان هناك مناورة في ديسمبر كانون الأول من العام الفائت 2024، وثانية في 30 من حزيران/ يونيو الماضي بعد أيام قليلة من تشكيل فرقة جلعاد 96 المتخصصة بالحدود الأردنية.
المناورات ظهرت كابتزاز للأردن وسوريا، فما لن يحققه الاحتلال بالدبلوماسية سيعمل على تحقيقه بالحرب؛ فالطموحات الإسرائيلية باتت أشد ارتباطاً بإجراءات سياسية وقانونية وعسكرية على الأرض، وأخرى دبلوماسية تفاوضية يقودها الوسيط الأمريكي توماس باراك، متنقلاً بين العواصم الثلاث عمّان ودمشق وبيروت على مدى الأشهر الماضية، مستعيناً بالتطورات الأخيرة في السويداء، والعمل الإسرائيلي الدؤوب في الضفة الغربية لضمها وفقاً لرؤية اليمين الذي أقر بالقراءة الأولى مشروع اعتماد مسمى “يهودا والسامرة” بديلا للضفة الغربية، وبدعم وتأييد من رئيس مجلس النواب الأمريكي مايك جونسون.
لا أحد في الأردن يبحث عن الحرب، او يسعى للانتحار في مواجهة غير محسوبة، غير أن الأطماع الصهيونية واضحة وتزداد وضوحاً كونها لا تقتصر على البعد الديموغرافي بتهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة، بل التمدد الجغرافي نحو الأردن وسوريا و لبنان، وسواء كان ذلك عبر أدوات اقتصادية ودبلوماسية وبعناوين إنسانية تارة، أم بأدوات عسكرية وتحت عناوين أمنية واستباقية تارة أخرى؛ ما يجعل من الترقب والانتظار وتجنب الاستعداد انتحاراً بحد ذاته.
ختاماً.. تحليل المخاطر والاستعداد لها ليس انتحاراً في ظل ازمة الكيان الوجودية وتوجهاته الايديولوجية الانتحارية للتوسع، فالاحتلال يطمح بقوة لنقل نموذج الضفة الغربية وسلطة رام الله ومرجعتيها الاوسلوية الى الإقليم برمته من سوريا الى لبنان الى الأردن ومصر، والى ما هو أبعد من ذلك إن استطاع، لتبقى يده مطلقة في المنطقة، ولتبقى الفوضى كأفضل هندسة وخيار لمشروع بقائه مستقبلاً.
حازم عياد
أعلن الاحتلال الإسرائيلي مؤخرا عن مناورات عسكرية طارئة على الحدود الأردنية تتضمن هجوما على ثلاث محاور، ورابع جوي عابر للحدود بالقرب مطار رامون المحاذي لمدينة العقبة حيث امن الأردن المائي والغذائي و الطاقوي، عززها الإعلان عن مناورات بحرية في البحر الأحمر بعد مرور أيام عشرة على المناورة الأولى بحجة مجابهة التهديدات القادمة من البحر وما وراءه.
المناورات تزامنت مع لقاء عُقد في العاصمة عمّان ضم وزير الخارجية السوري اسعد الشيباني، والمبعوث الأمريكي توماس باراك ووزير الخارجية ايمن الصفدي، لمناقشة ملف التهدئة في محافظة السويداء السورية، ذلك لم يخل من تسريبات موقع اكسيوس الأمريكي، كشف فيها مطالب إسرائيلية نقلها المبعوث الأمريكي الى دمشق وعمّان بفتح معبر انساني بين الكيان الإسرائيلي ومحافظة السويداء عبر الأراضي السورية وآخر عبر الأراضي الأردنية، أمر رفضه الأردن وسوريا في الآن ذاته كونه يمثل انتهاكا للسيادة الأردنية على نحو يفتح الباب لأطماع لا نهاية لها.
فالاحتلال الإسرائيلي يبحث عن وسيلة واداة لابتزاز الأردن، وإضعاف جبهته عبر احداث اختراقات تتيح له فرض واقع جغرافي وسياسي جديد تحت عناوين متعددة (ممرات آمنة، ومناطق عازلة، ومنزوعة السلاح) مشاريع قابلة للاتساع مستقبلا تحت عناوين متجددة بحجة الإغاثة الإنسانية، وتوفير مناطق آمنة وعازلة لحماية المهجرين الدروز، او للتعامل مع المهجرين الفلسطينيين من الضفة الغربية، او مواجهة التهديدات الإيرانية والحوثية والارهابية غير المعروفة.
المناورة الأخيرة قدمت رسائل وسيناريوهات واضحة بالتمدد شرقي نهر الأردن بمبررات ودواعي إنسانية تارة، وأخرى لدواعي توراتية، وثالثة أمنية ترتبط بنشاط المهربين عبر الحدود والهجمات العابرة للحدود، فالمناورات ابتزاز دبلوماسي يمتد اثره الى الجبهة الداخلية وصولا الى أمنها الغذائي والمائي والطاقوي، وإقحام مدينة العقبة في مناوراته البحرية والجوية والبرية الاخيرة خير دليل على ذلك، اذ يمثل تهديداً مباشراً لأمن الطاقة وللأمن المائي والغذائي؛ كون اكبر مشاريع المياه الأردنية يأتي من حوض الديسي الذي يزود ما يقارب 5 ملايين مواطن بالمياه، 4 ملايين منهم في العاصمة عمّان وحدها، الى جانب مشروع مستقبلي يعرف بخط الناقل الوطني لمياه البحر المحلاة، ليس هذا فقط، فالعقبة “كعب أخيل” الأردن تتواجد فيها واحدة من اكبر محطات الطاقة الكهربائية وانابيب الغاز المغذية؛ ما يجعل من تعطلها كارثة وطنية تفاقم من ازمة المياه التي تعتمد بنسبة 20% على الكهرباء لنقلها الى المواطنين.
أخيرا في العقبة يقبع أمن الأردن الغذائي، وبدونها سيفقد الأردن المواد الأساسية والحيوية المشحونة بحرا كالقمح والأرز و غيرها من السلع الغذائية الأساسية، فالعقبة عقدة سلاسل التوريد وعصب الأردن التجاري.
المناورات الإسرائيلية بهذا المعنى ليست بريئة في توقيتها وأهدافها السياسية والأمنية؛ إذ تأتي كابتزاز يتوافق مع مخططات الاحتلال لإعادة هندسة وتشكيل الواقع الجيوسياسي للإقليم، وفقاً للطموحات الإسرائيلية التي عبر عنها نتنياهو صراحة قبيل انتهاء المناورات لشبكة i24 الإسرائيلية بالقول: إن لديه ارتباطاً عاطفياً بإقامة إسرائيل الكبرى، تبعه بأيام وزير الاتصالات شلومو كرعي بالقول: لِنَهر الأردن ضفتان إحداهما لنا، والأخرى أيضا، فالاحتلال انتقل من مرحلة التلميح الى مرحلة التصريح والتخطيط والتنفيذ وبتسارع كبير؛ ما يجعل من الانتظار والترقب انتحار امني وسياسي.
وفي هذا السياق، فإن لجوء الاحتلال الإسرائيلي للأداة العسكرية لم يعد مستبعداً في ظل النشاط العسكري الكثيف بتشكيل فرقة هجومية متخصصة على الحدود الأردنية ومناورات متتابعة، كان آخرها المعلن عنها في 11 من أغسطس / اب الحالي والتي لم تكن الوحيدة من نوعها هذا العام على الحدود الأردنية فهي الثالثة في اقل من 10 اشهر، اذ كان هناك مناورة في ديسمبر كانون الأول من العام الفائت 2024، وثانية في 30 من حزيران/ يونيو الماضي بعد أيام قليلة من تشكيل فرقة جلعاد 96 المتخصصة بالحدود الأردنية.
المناورات ظهرت كابتزاز للأردن وسوريا، فما لن يحققه الاحتلال بالدبلوماسية سيعمل على تحقيقه بالحرب؛ فالطموحات الإسرائيلية باتت أشد ارتباطاً بإجراءات سياسية وقانونية وعسكرية على الأرض، وأخرى دبلوماسية تفاوضية يقودها الوسيط الأمريكي توماس باراك، متنقلاً بين العواصم الثلاث عمّان ودمشق وبيروت على مدى الأشهر الماضية، مستعيناً بالتطورات الأخيرة في السويداء، والعمل الإسرائيلي الدؤوب في الضفة الغربية لضمها وفقاً لرؤية اليمين الذي أقر بالقراءة الأولى مشروع اعتماد مسمى “يهودا والسامرة” بديلا للضفة الغربية، وبدعم وتأييد من رئيس مجلس النواب الأمريكي مايك جونسون.
لا أحد في الأردن يبحث عن الحرب، او يسعى للانتحار في مواجهة غير محسوبة، غير أن الأطماع الصهيونية واضحة وتزداد وضوحاً كونها لا تقتصر على البعد الديموغرافي بتهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة، بل التمدد الجغرافي نحو الأردن وسوريا و لبنان، وسواء كان ذلك عبر أدوات اقتصادية ودبلوماسية وبعناوين إنسانية تارة، أم بأدوات عسكرية وتحت عناوين أمنية واستباقية تارة أخرى؛ ما يجعل من الترقب والانتظار وتجنب الاستعداد انتحاراً بحد ذاته.
ختاماً.. تحليل المخاطر والاستعداد لها ليس انتحاراً في ظل ازمة الكيان الوجودية وتوجهاته الايديولوجية الانتحارية للتوسع، فالاحتلال يطمح بقوة لنقل نموذج الضفة الغربية وسلطة رام الله ومرجعتيها الاوسلوية الى الإقليم برمته من سوريا الى لبنان الى الأردن ومصر، والى ما هو أبعد من ذلك إن استطاع، لتبقى يده مطلقة في المنطقة، ولتبقى الفوضى كأفضل هندسة وخيار لمشروع بقائه مستقبلاً.