أحمد حمدية.. ختم رحلته من جنين إلى غزة بتلاوة الشهادة
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام
كثيرًا ما يعجب الناس من مشهد الاحتضار في حياة إنسان، إذا كان الأمر مرتبطًا بحالة إيمانية تصحبه في تلك اللحظات، إلا أن الأمر كان أشد عجبًا ودهشة حين شاهد المتابعون مقطع فيديو للشهيد الغزّيّ الشاب أحمد حمدية، وهو يتلو القرآن الكريم في لحظات وداعه للدنيا.
كأنه في إمامة الناس للصلاة، يتلو بذهن حاضر، وقلب خاشع، وصوت شجيّ، وذلك رغم كونه في أدنى أوقاته إلى الشهادة، بعد حياة قصيرة امتلأت بالقرآن حفظًا وعملاً وإمامة للناس، ثم دعوة وحركة وجهادًا في سبيل الله حتى قضى مقبلا غير مدبر في صفوف مقاومة الاحتلال الإسرائيلي.
ومن بين آيات القرآن، أُجري على لسان المجاهد أحمد حمدية، آيات اجتمع فيه معنيي الجهاد والثبات، والتي قال الله فيها: ﴿َإِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا ۚ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ﴾ {الأنفال : 12}، وكأنه يُلخّص قصته في أنه عاش مجاهدًا واستشهد ثابتًا.
المولد والنشأة
وُلد أحمد إبراهيم حمدية في مدينة جنين.. تلك المدينة التي تحمل إرثًا طويلاً من المقاومة، لعائلة انغرس في وجدانها حب القرآن والعمل الدعوي والنضالي، وقد أُبعد والده بعد أن أُفرج عنه من سجون الاحتلال عام 2008 إلى غزة
هناك، وتحديدا في حي الشجاعية، بدأت الملامح المقاومة لأحمد تتشكل، فكان ناشطًا في صفوف الكتلة الإسلامية في مدارس غزة، بل كان قارئًا حافظًا للقرآن وصاحب صوت رخيم ترك أثرًا في كل من سمعه. في محيطه الصغير، كان “الصوت الشجي” الذي يقود المصلين في الصفوف الأمامية ويشارك في النشاطات الدعوية والاجتماعية، تاركًا انطباعًا بأنه يسير بخطى ثابتة في طريق العلم والإيمان.
ومنذ أكثر من عقد من الزمن، يقف فتى نحيل بملامح طفولية على منصة صغيرة في إحدى مدارس شرق غزة، يقرأ بصوت شجي أمام جمع من الطلبة، وخلفه لافتة كُتب عليها “المسرح الترفيهي”، وإلى جانبه زملاؤه الذين ينصتون إليه في خشوع.
سليل الأبطال
لم يكن أحد ليتخيل آنذاك أن هذا الفتى، سيصبح لاحقًا أحد أبرز مقاتلي الصفوف الأمامية، وأن صوته الذي أبكى المصلين في مساجد جنين سيسكن ذاكرة رفاقه في ميادين القتال بحي الشجاعية؛ حيث ارتقى شهيدًا في اشتباك بطولي مع قوات الاحتلال.
قصة أحمد أطول من سنيِّ عُمره، فهي امتداد لحكاية عائلة ارتبط اسمها بالشهادة منذ سنوات طويلة؛ حيث إن والده، إبراهيم حمدية، ارتقى في الأشهر الأولى من الحرب، تاركًا أثرًا لا يُمحى في نفس أحمد وإخوته، أما شقيقه حُذيفة، فقد سبقه إلى الميدان واستشهد قبله.
ولم يتوقف إرث العائلة عند ذلك؛ فالأعمام أيضًا كانوا جزءًا من هذا السجل النضالي؛ فعمه أشرف، ارتقى شهيدًا خلال الحرب قبل أشهر، أما عمه الآخر محمد، فكان منفذ عملية العفولة الاستشهادية عام 2002، التي سُجلت كواحدة من أبرز العمليات الفدائية في تلك الحقبة.
بطل “الحدث الصعب”
وبهذا الإرث العائلي، كبر أحمد وهو يدرك تمامًا معنى أن تكون ابنًا لبيت تربى على فكرة أن البندقية والقرآن طريقان لا ينفصلان.
كان أحمد حاضرًا في كل تفاصيل العمل الدعوي والاجتماعي في منطقته، إضافة إلى حضور موهبته وتأثيرها في جمع الناس حوله بصوته الهادئ وكلماته المؤثرة.
ومع اندلاع حرب الإبادة، وجد أحمد نفسه في قلب ما بات يُعرف بـ”الأحداث الأمنية الصعبة”؛ حيث شارك في مواجهات ميدانية وأعمال مقاومة أربكت الاحتلال خلال الأشهر الأخيرة.
طموحات مجاهد
ورغم انشغاله بالعمل الدعوي والمقاوم، لم يتخلَّ أحمد عن حلمه؛ فقد التحق بكلية الشرطة، وتخرج منها قبل أشهر قليلة برتبة ملازم بحري، لكن الحياة المدنية لم تكن لتأسره؛ فمع اندلاع الحرب على قطاع غزة، اختار أن يكون في الصفوف الأمامية للمواجهة.
وعلى المستوى الشخصي، عقد أحمد قرانه قبل خمسة أشهر فقط، ليبدأ رحلة تكوين أسرته الصغيرة، غير أن الحرب باغتته سريعًا، لتسبق أحلامه وتضعه أمام قدره الذي اختاره عن قناعة.
ففي حي الشجاعية شرق غزة، الذي صار عنوانًا للمجازر والصمود، خاض أحمد اشتباكًا بطوليًا مع قوات الاحتلال، لم يكن ذلك أول اشتباك يخوضه، لكنه كان الأخير؛ ففي تلك اللحظات التي اختلط فيها رنين الرصاص بتلاوة الآيات التي طالما صدح بها صوته، ارتقى أحمد شهيدًا، مكللًا رحلته القصيرة بمجد اختاره عن وعي وإرادة.
قصة جيل
قصة أحمد ليست مجرد سيرة شاب فلسطيني حمل السلاح، بل هي انعكاس لمسار جيل كامل تربى في بيئة لا ترى تناقضًا بين التدين العميق وحمل البندقية. هذا الجيل الذي خرج من مقاعد الدراسة والمخيمات إلى خطوط المواجهة الأمامية، مدفوعًا بوعي ديني ووطني يتجاوز حدود الحياة الشخصية.
أحمد، بصوته الشجي وهدوئه المعروف، لم يكن مجرد مقاتل. لقد مثّل حالة من التكامل بين الإيمان والفعل المقاوم، بين الدعوة والسلاح، بين الأمل الذي كان يبثه في جلساته الدعوية واليأس الذي زرعه في قلوب أعدائه على خطوط النار.
وعقب استشهاده هو وأخيه زفّتهما أمهما بالصبر والاحتساب، حيث نشر أحد المواطنين في غزة مراسلة بينه وبينها، مبينًا أنها نعت ابنها حذيفة بتاريخ الـ 29 من يوليو/تموز الماضي، ثم كتبت إليه في اليوم التالي خبر استشهاد ولدها أحمد، محتسبة كليهما عند الله.
وقال محمود كلخ: “أم حذيفة حمدية.. إحدي زوجات الشهدااااء المقيمات لدينا في مدينة اليتام. في اليوم الأول نعت لي ابنها البكر حذيفة، وفي اليوم الثاني نعت لي ابنها الثاني أحمد، ليلتحقا بأبيهما”، مضيفًا: أي صبر وثبات رماه الله علي قلبك يا أم حذيفة؟”.
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام
كثيرًا ما يعجب الناس من مشهد الاحتضار في حياة إنسان، إذا كان الأمر مرتبطًا بحالة إيمانية تصحبه في تلك اللحظات، إلا أن الأمر كان أشد عجبًا ودهشة حين شاهد المتابعون مقطع فيديو للشهيد الغزّيّ الشاب أحمد حمدية، وهو يتلو القرآن الكريم في لحظات وداعه للدنيا.
كأنه في إمامة الناس للصلاة، يتلو بذهن حاضر، وقلب خاشع، وصوت شجيّ، وذلك رغم كونه في أدنى أوقاته إلى الشهادة، بعد حياة قصيرة امتلأت بالقرآن حفظًا وعملاً وإمامة للناس، ثم دعوة وحركة وجهادًا في سبيل الله حتى قضى مقبلا غير مدبر في صفوف مقاومة الاحتلال الإسرائيلي.
ومن بين آيات القرآن، أُجري على لسان المجاهد أحمد حمدية، آيات اجتمع فيه معنيي الجهاد والثبات، والتي قال الله فيها: ﴿َإِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا ۚ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ﴾ {الأنفال : 12}، وكأنه يُلخّص قصته في أنه عاش مجاهدًا واستشهد ثابتًا.
المولد والنشأة
وُلد أحمد إبراهيم حمدية في مدينة جنين.. تلك المدينة التي تحمل إرثًا طويلاً من المقاومة، لعائلة انغرس في وجدانها حب القرآن والعمل الدعوي والنضالي، وقد أُبعد والده بعد أن أُفرج عنه من سجون الاحتلال عام 2008 إلى غزة
هناك، وتحديدا في حي الشجاعية، بدأت الملامح المقاومة لأحمد تتشكل، فكان ناشطًا في صفوف الكتلة الإسلامية في مدارس غزة، بل كان قارئًا حافظًا للقرآن وصاحب صوت رخيم ترك أثرًا في كل من سمعه. في محيطه الصغير، كان “الصوت الشجي” الذي يقود المصلين في الصفوف الأمامية ويشارك في النشاطات الدعوية والاجتماعية، تاركًا انطباعًا بأنه يسير بخطى ثابتة في طريق العلم والإيمان.
ومنذ أكثر من عقد من الزمن، يقف فتى نحيل بملامح طفولية على منصة صغيرة في إحدى مدارس شرق غزة، يقرأ بصوت شجي أمام جمع من الطلبة، وخلفه لافتة كُتب عليها “المسرح الترفيهي”، وإلى جانبه زملاؤه الذين ينصتون إليه في خشوع.
سليل الأبطال
لم يكن أحد ليتخيل آنذاك أن هذا الفتى، سيصبح لاحقًا أحد أبرز مقاتلي الصفوف الأمامية، وأن صوته الذي أبكى المصلين في مساجد جنين سيسكن ذاكرة رفاقه في ميادين القتال بحي الشجاعية؛ حيث ارتقى شهيدًا في اشتباك بطولي مع قوات الاحتلال.
قصة أحمد أطول من سنيِّ عُمره، فهي امتداد لحكاية عائلة ارتبط اسمها بالشهادة منذ سنوات طويلة؛ حيث إن والده، إبراهيم حمدية، ارتقى في الأشهر الأولى من الحرب، تاركًا أثرًا لا يُمحى في نفس أحمد وإخوته، أما شقيقه حُذيفة، فقد سبقه إلى الميدان واستشهد قبله.
ولم يتوقف إرث العائلة عند ذلك؛ فالأعمام أيضًا كانوا جزءًا من هذا السجل النضالي؛ فعمه أشرف، ارتقى شهيدًا خلال الحرب قبل أشهر، أما عمه الآخر محمد، فكان منفذ عملية العفولة الاستشهادية عام 2002، التي سُجلت كواحدة من أبرز العمليات الفدائية في تلك الحقبة.
بطل “الحدث الصعب”
وبهذا الإرث العائلي، كبر أحمد وهو يدرك تمامًا معنى أن تكون ابنًا لبيت تربى على فكرة أن البندقية والقرآن طريقان لا ينفصلان.
كان أحمد حاضرًا في كل تفاصيل العمل الدعوي والاجتماعي في منطقته، إضافة إلى حضور موهبته وتأثيرها في جمع الناس حوله بصوته الهادئ وكلماته المؤثرة.
ومع اندلاع حرب الإبادة، وجد أحمد نفسه في قلب ما بات يُعرف بـ”الأحداث الأمنية الصعبة”؛ حيث شارك في مواجهات ميدانية وأعمال مقاومة أربكت الاحتلال خلال الأشهر الأخيرة.
طموحات مجاهد
ورغم انشغاله بالعمل الدعوي والمقاوم، لم يتخلَّ أحمد عن حلمه؛ فقد التحق بكلية الشرطة، وتخرج منها قبل أشهر قليلة برتبة ملازم بحري، لكن الحياة المدنية لم تكن لتأسره؛ فمع اندلاع الحرب على قطاع غزة، اختار أن يكون في الصفوف الأمامية للمواجهة.
وعلى المستوى الشخصي، عقد أحمد قرانه قبل خمسة أشهر فقط، ليبدأ رحلة تكوين أسرته الصغيرة، غير أن الحرب باغتته سريعًا، لتسبق أحلامه وتضعه أمام قدره الذي اختاره عن قناعة.
ففي حي الشجاعية شرق غزة، الذي صار عنوانًا للمجازر والصمود، خاض أحمد اشتباكًا بطوليًا مع قوات الاحتلال، لم يكن ذلك أول اشتباك يخوضه، لكنه كان الأخير؛ ففي تلك اللحظات التي اختلط فيها رنين الرصاص بتلاوة الآيات التي طالما صدح بها صوته، ارتقى أحمد شهيدًا، مكللًا رحلته القصيرة بمجد اختاره عن وعي وإرادة.
قصة جيل
قصة أحمد ليست مجرد سيرة شاب فلسطيني حمل السلاح، بل هي انعكاس لمسار جيل كامل تربى في بيئة لا ترى تناقضًا بين التدين العميق وحمل البندقية. هذا الجيل الذي خرج من مقاعد الدراسة والمخيمات إلى خطوط المواجهة الأمامية، مدفوعًا بوعي ديني ووطني يتجاوز حدود الحياة الشخصية.
أحمد، بصوته الشجي وهدوئه المعروف، لم يكن مجرد مقاتل. لقد مثّل حالة من التكامل بين الإيمان والفعل المقاوم، بين الدعوة والسلاح، بين الأمل الذي كان يبثه في جلساته الدعوية واليأس الذي زرعه في قلوب أعدائه على خطوط النار.
وعقب استشهاده هو وأخيه زفّتهما أمهما بالصبر والاحتساب، حيث نشر أحد المواطنين في غزة مراسلة بينه وبينها، مبينًا أنها نعت ابنها حذيفة بتاريخ الـ 29 من يوليو/تموز الماضي، ثم كتبت إليه في اليوم التالي خبر استشهاد ولدها أحمد، محتسبة كليهما عند الله.
وقال محمود كلخ: “أم حذيفة حمدية.. إحدي زوجات الشهدااااء المقيمات لدينا في مدينة اليتام. في اليوم الأول نعت لي ابنها البكر حذيفة، وفي اليوم الثاني نعت لي ابنها الثاني أحمد، ليلتحقا بأبيهما”، مضيفًا: أي صبر وثبات رماه الله علي قلبك يا أم حذيفة؟”.