قوارير الطعام ورسائل البحر.. الأمواج تحمل اعتذار الشعوب للمجوَّعي

  • الأربعاء 30, يوليو 2025 10:33 ص
  • قوارير الطعام ورسائل البحر.. الأمواج تحمل اعتذار الشعوب للمجوَّعي
على بعد بضعة كليومترات، تجلس أسرة صغيرة على شاطئ بحر الشيخ زويّد في مدينة رفح المصرية، يملؤون بعض القوارير بحبوب الطعام، وتمسك الصغيرة “جنات عبدون” بقلمٍ وبجوارها بعض الأوراق التي تكتب فيها رسائل تضعها مع الحبوب في كل قارورة قبل أن تلقيها في البحر.
قوارير الطعام ورسائل البحر.. الأمواج تحمل اعتذار الشعوب للمجوَّعين
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام
على بعد بضعة كليومترات، تجلس أسرة صغيرة على شاطئ بحر الشيخ زويّد في مدينة رفح المصرية، يملؤون بعض القوارير بحبوب الطعام، وتمسك الصغيرة “جنات عبدون” بقلمٍ وبجوارها بعض الأوراق التي تكتب فيها رسائل تضعها مع الحبوب في كل قارورة قبل أن تلقيها في البحر.
“من أطفال سيناء إلى أطفال غزة.. لعل وعسى يوصلوا”.. رسالةٌ ترفقها جنات في قواريرها الصغيرة إلى سكان غزة، آملة أن تصلهم عبر أمواج البحر؛ حيث تتقاسم الأدوار مع أسرتها، فيملأ الكبار القوارير بالحبوب، وتكتب جنات الرسائل وتضعها بداخلها، ثم يحمل شقيقها الصغير “بلال عبدون” ما تم تعبئته منها ليلقيها في البحر.
ورغم ما يسود المشهد في قطاع غزة من قتامةٍ في استمرار القتل والحصار والتجويع، في ظل تواطؤ دولي وخذلان عربي وإسلامي، إلا أن الشعوب لا تزال تبعث برسائلها الظاهرة والخفية، التي تُعبّر عن أن جراحات غزة تؤلمهم، وأنها لا تهنأ بطعام إذ ترى تضوّر المُجوَّعين، وأنه لولا تواطؤ كثير من الأنظمة على منع نصرة غزة، لقاسموهم رغيف الخبز، إلا أنهم لم يجدوا غير البحر رسولاً يتوسمون فيه أن يُبلّغ سكان القطاع قواريرهم الملأى ببعض الطعام.
فكرة وتجربة
الفكرة ابتكرها أكاديمي ومهندس مصري يُدعى محمد علي حسن، ونشرها على حسابه في “فيسبوك” لتلقى انتشارًا واسعًا بين النشطاء، ويبدأ في تنفيذها البعض، لتكون رسالة تضامنية أكثر من كونها حلاًّ عمليًّا يمكن أن يُسهم في تخفيف الحصار عن المُجوَّعين في غزة.
وتقوم الفكرة على ملء زجاجات مياه فارغة، سعة لتر أو لترين، بكيلوغرام من الأرز أو العدس أو غيره من البقوليات الجافة، ثم إغلاقها بإحكام وقذفها في البحر من سواحل الدول المطلة على المتوسط، مثل مصر، ليبيا، تونس، الجزائر، أو المغرب، على أمل أن تحملها التيارات البحرية إلى شواطئ غزة.
ويعتمد ذلك على التيارات السطحية في شرق المتوسط التي تتجه من الغرب إلى الشرق بسرعة تمكن العبوات من الوصول إلى شواطئ غزة في غضون 72 إلى 96 ساعة.
تفاعل النشطاء
وقد شهدت منصات التواصل الاجتماعي تفاعلًا كبيرًا مع هذه المبادرة، حيث كتب الناشط أنس الحفناوي لصاحب الفكرة: “أنت تزرع الأمل على المياه.. الفكرة عبقرية، عملية، وآمنة، ومبنية على حسابات دقيقة تحترم كل الظروف الجوية والبحرية.. هذه ليست مبادرة غذاء، هذه مبادرة حياة”.
وغرد آخر على حسابه في منصة “إكس” يقول: “هناك فكرة أفضل عبر استخدام عبوات من قساطل البلاستيك ويمكن شحنها بالهواء أو أي غاز متوفر وتلقى في البحر باتجاه الشاطئ وهذا أسرع وأضمن، ويكون تطويرها عبر أجهزة التحكم عن بعد والتي تستخدم في الإنقاذ البحري”.
في المقابل، شكّك البعض في فاعلية فكرة الزجاجات البحرية، وتحدثوا عن صعوبة وصولها إلى وجهتها. وقال عادل تامر: “كل الأفكار ليست عملية، وخاصة مع منع إسرائيل السباحة والصيد”.
أما أحمد أسامة فاقترح وضع جهاز GPS صغير مع صندوق وفيه جهاز تتبع لإثبات أن المواد الغذائية سوف تصل إلى غزة.
“سامحونا”
لكن مع ذلك ظهر شابٌّ مصريّ على أحد الشواطئ، يجلس وبحوزته بعض قوارير الطعام، يلقيها واحدة تلو الأخرى، ومع كل قارورة يلقيها، يخاطب أهل غزة بنبرة يختلط فيها الشعور بالحزن والعجز والخجل، قائلا لهم: “سامحونا.. سامحونا”.
ويرفق الشاب المصري قواريره بدعاء يقول فيه: “اللهم كما حملت نوحًا في البحر عبر موجٍ كالطود العظيم.. احمل عنا هذا إلى غزة.. سامحونا يا إخواننا، مافيش حاجة في مقدرتنا نعملها”، ثم يخاطب الشعوب قائلا: “هذه الزجاجة يمكن أن تكون سبب نجاتك يوم القيامة”.
رسائل التضامن
رسائل هذا الشاب ورسائل الطفلة جنات عبدون، وصلت إلى شعورًا قبل أن تصلهم طعامًا، فلم ينظروا للأمر من منظوره العملية، بل يمكن الترجيح أن الفكرة لم يتم اختبار نجاحها حتى الآن، لكنهم تلقوا رسائل التضامن داخل القوارير قبل أن يلتفتوا إلى ما تحتويه من طعام؛ حيث مثّلت لديهم حالة من شعور الآخرين بآلامهم.
وفي مقطع فيديو متداول لفتى غزّي، عبّر عن شكره لأهل مصر، وعن امتنانه لشعورهم بمعاناتهم، وقال: يا أهل مصر، يمكن الأكل اللي رمتوه في البحر ما وصل إلى قطاع غزة، ولكن وصل حبكم.. وصل دفء قلوبكم.. وصل الخير فينا”.
وأضاف: “يمكن الموج ما جاب (أوصل) الأكل، بس جاب ان فيه ناس لسه بتحس فينا.. فيه نا لسه بتحبنا.. فيه ناس لسه بتعطي بدون مقابل، شكرا لكم يا أهل مصر، ويا ريت كل الناس تعمل زي هيك”.
رسائل مرسين التركية
لم تقف الفكرة عند أهل مصر الذين يجاورون سكان غزة أرضًا ولغة ودينًا وتاريخًا، بل طارت في الآفاق إلى أماكن أخرى، ومنها تركيا في مدينة مرسين على شاطئ البحر المتوسط؛ حيث وقف مجموعة من المواطنين هناك لينفذوا الفكرة ومعها ذات الرسائل التضامنية لأهل غزة.
وتأتي هذه التفاعلات وسط حالة من السخط الشعبي العام لدى شعوب العالم تجاه جرائم الإبادة في قطاع غزة والحصار والتجويع الذي يفرضه كيان الاحتلال الإسرائيلي بدعم أمريكي كامل.
وقد أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية أمس ارتفاع عدد ضحايا حرب الإبادة إلى أكثر من 60,034 شهيدًا بالإضافة إلى 145,870 جرحى بإصابات متفاوتة، وأكثر من 11 ألف مفقود، ومجاعة أودت بحياة العشرات، فيما يعيش أكثر من مليوني فلسطيني في ظروف نزوح قسري وسط دمار شامل.