علي بريص… أصم سمع نداء الفقراء واستُشهد من أجل لقمة العيش

  • الثلاثاء 22, يوليو 2025 10:54 ص
  • علي بريص… أصم سمع نداء الفقراء واستُشهد من أجل لقمة العيش
في لحظة واحدة، صمت كل شيء، حتى الصرخة، علي حسن بريص (48 عامًا)، لم يكن يسمع أصوات الحرب أو صدى الطائرات، لكنه كان يسمع شيئًا أعمق: أنين الفقراء.
علي بريص… أصم سمع نداء الفقراء واستُشهد من أجل لقمة العيش
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام
في لحظة واحدة، صمت كل شيء، حتى الصرخة، علي حسن بريص (48 عامًا)، لم يكن يسمع أصوات الحرب أو صدى الطائرات، لكنه كان يسمع شيئًا أعمق: أنين الفقراء.
رجل من أولئك الذين لا يرفعون صوتهم، لكن مواقفهم تصرخ. علي، الذي وُلد أصمًّا، عاش عمره منتميًا للفقراء والمقهورين، ورحل شهيدًا في رحلته الأخيرة صباح الاثنين 21 يوليو، بينما كان يبحث عن الطحين في منطقة التحلية بمدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، عندما أطلقت قوات الاحتلال النار بدم بارد وإجرام على الباحثين عن الطعام.
يقول عمّه، سامي بريص، والدمعة تخنق الحروف: “علي لم يكن مجرد ابن أخي، كان ابن قلبي، أول حفيد للعائلة، وأول طفل أحببته بحق، كنت صبيًا لا أتجاوز العاشرة حين وُلد، وكنت أنتظر أن يكبر قليلًا لأشتري له هدية العيد من عيديتي”.
طفل خاص في القلب
وُلد علي بريص عام 1976 لأسرة غزية بسيطة، وكان مولودها البكر، وُلد وهو لا يسمع، لكن ذلك لم يُنقص شيئًا من حبه، بل زاده خصوصية.
الأسرة احتضنته كما لو أنه كنز، ودعمت تعليمه في مدارس خاصة بذوي الإعاقة، حتى أتقن لغة الإشارة، وتعلّم الحرف والكرامة، ثم عاد ليبني حياته بتعبه وجهده.
تزوج علي ورُزق بأربعة أبناء – ولد وثلاث بنات – وكان حاضرًا في حياة جيرانه وأهله، بسيطًا في مظهره، كبيرًا في قلبه، نقيًا كأن قلبه يسمع ما لا يُقال.
رجل الفقراء
لم يكن لعلي نشاط سياسي أو انتماء حزبي، انتماؤه كان دائمًا للفقراء والمحرومين. “كان يعيش بينهم، يعمل معهم، يقف في طوابير الخبز والغاز معهم، لا يطلب واسطة، ولا يتجاوز أحدًا”، يقول أحد جيرانه، وحين اشتدت الأزمة في القطاع، كان من أوائل من خرجوا يبحثون عن الطحين.
في يوم استشهاده، خرج إلى منطقة التحلية في خان يونس، مدفوعا بجوعه وجوع أسرته؛ حيث كان يُشاع أن هناك مساعدات غذائية وصلت.
هناك وفي لحظة خاطفة أطلقت قوات الاحتلال الإسرائيلي النار صوب علي ما أدى لاستشهاده على الفور، رحل دون أن ينطق، لكن دمه كان كافيًا لقول كل شيء.
شهيد جديد في العائلة
استُشهد علي، وانضم إلى شقيقه محرز، الذي سبقه إلى الشهادة قبل أشهر، ولأبناء عمومته الذين استشهدوا في ذات المسلسل الطويل الذي لم تنتهِ فصوله بعد.
“رحل علي، لكن صدى قلبه باقٍ”، يقول عمه سامي، ويضيف: “علي لم يمت وهو يقاتل، بل مات وهو يبحث عن الطحين، كأنّ الفقر نفسه بات تهمة في غزة، تُعاقب عليها بالرصاص”.
قلب أم لا يحتمل الوداع
في بيت العائلة بخان يونس، تجلس أم علي بصمتٍ ثقيل، تُحدّق في صورته المعلّقة على الحائط.
تتمتم ببطء، بصوت الأم التي فقدت ابنها البكر: “كان أول فرحتي… أول ولد شلته بإيدي… علي ما بكّى لما انولد، بس بكّت قلوبنا بحنانه… كان ساكت، بس كان قلبه يحكي لكل الدنيا”.
تصمت لحظة، ثم تواصل وقد خنقها البكاء: “ما كان يرضى حد ينام جعان… حتى وهو جعان، لما راح على التحلية، كنت حاسّة قلبي مش مرتاح… كإني ودّعته وأنا مش داريه”.
تتذكّر كيف كان يساعدها في البيت، وكيف اعتاد أن يُحضّر لها كوب الشاي كل صباح بلغة الإشارة، ثم تقول: “علي راح عشان يطعم ولاده، ما راح يحمل سلاح… راح بكيس، ورجع بكفن”.
ثم تختم بكلمات توجع القلب: “الله يرضى عليك يا يمّه… رضاي عليك بالدنيا والآخرة… قلبي انكسر وما في دوا”.
“حسبنا الله ونعم الوكيل”، يختم عمه سامي، “غزة تودّع أبناءها، واحدًا تلو الآخر، لا لشيء… فقط لأنهم يريدون أن يأكلوا”.