كتب وصيته على بندقيته ونقشها في قلوب رجاله

  • الثلاثاء 15, يوليو 2025 10:11 ص
  • كتب وصيته على بندقيته ونقشها في قلوب رجاله
في جوف الأرض الموجوعة، وعلى تخوم غزة التي ينام في صدرها اللهيب، وُلد رجل لا تُشبهه الأيام. لم يأتِ إلى الحياة باحثًا عن متّسع للعيش، بل حاملًا عبء الحلم، ناسجًا من الدمع خريطة وطن، الظل وحده كان سرّه ورفيقه.
كتب وصيته على بندقيته ونقشها في قلوب رجاله
صبا منصور
في جوف الأرض الموجوعة، وعلى تخوم غزة التي ينام في صدرها اللهيب، وُلد رجل لا تُشبهه الأيام. لم يأتِ إلى الحياة باحثًا عن متّسع للعيش، بل حاملًا عبء الحلم، ناسجًا من الدمع خريطة وطن، الظل وحده كان سرّه ورفيقه.
ما كان لمثله أن يغادر الوطن إلا على ارض المعركة، وبجوار رفاق الدرب حيث كانت الشهادة امتدادًا طبيعيًا لمسيرة بدأت يوم آمن أن هذا الوطن لا يُحرّر بالكلمات، بل بالإرادة.
ابن الخنادق، حفيد المنفى والوجع، وصدى الأذان حين يعلو في ليلٍ تقطعه الطائرات.
بسمته وُلدت من قلب النار، ويده نسجت المجد من رماد البيوت، ومن صمت المقاومين عند عتبات الفجر.
وُلد في مخيم خان يونس، حيث تُفطِم الحياة أبناءها قبل أوانهم، وتعلمهم أن يتنفسوا من شقوق الجدران، ويحملون الحجر بدل اللعبة.
لم يكن له أن يعيش حياة عادية؛ فالوجع الفلسطيني لا يترك أحدًا حياديًّا. منذ نعومة أظفاره، عرف أن قدره ليس في الدعة، بل في المواجهة، فاختار أن يكون أكثر من فرد، أكثر من مقاتل، أكثر من اسم، كان ظل.
في زمنٍ كَثُر فيه المتكلمون، وتشوّهت فيه الأسماء، صان اسمه في صدر العاصفة.
تقدّم بظلّه، وتوارى بجسده، حتى صار شبحًا.
كتب وصيته على بندقيته، ونقشها في قلوب رجاله.
من خلف الغيم رسم المعركة، ومن بين الأنقاض قاد الطوفان.
كُتب اسمه في سجلّ المطاردين، فمحاه من هناك، ليكتبه في صحائف الخالدين.
وحين فاضت الجسد، قال لها بصمت العظماء : كما أنت هنا مزروع أنا ولي في هذه الأرض آلاف البذور، ومهما حاول الطغاة قلعنا ستنبت البذور.
حين يختبئ الوطن في ظل رجل يكون محمد الضيف.