في ذكرى النكبة.... الجداريات شواهد الثبات على الحق واقتراب العودة
نابلس - نواف العامر- وكالة سند للأنباء
بين أزقة المخيمات، وفي سراديب حاراتها الضيقة، يجدد اللاجئون على الدوام، إيمانهم بحق العودة، كحق لا يمكن التنازل عنه، يظل مشرقًا كالشمس في نفوس تتوق للقرية والبيت والأرض.
ومن خلال جداريات تزين الشوارع والجدران، تمر النكبة بذكراها الأليمة، وأحداثها المأساوية، وتبدو فيها أمنيات اللاجئين وأحلامهم، متجاوزة حياة النزوح، نحو تلك الحياة المأمولة، هادئة البال مطمئنة الخاطر.
ويُعَدّ نموذج "المفتاح" شعار التمسك بالعودة، الساق العتيدة لشجرة الانتماء للوطن، تتفرع منه أغصان كثيفة بألوان العلم الفلسطيني، زينتها أوراقٌ تعد كل واحدة منها قرية وبلدة مدمرة منذ العام 1948 على أيدي عصابات الشتيرن والهاجاناه، ومسميات مماثلة بدعم بريطاني مكتمل الأركان، تحت مسمى الانتداب حينها.
وما يميز مدخل مخيم عايدة قرب بيت لحم جنوبي الضفة الغربية، أنه يضم أكبر مفتاح يمثل حق العودة في واحدة من تجليات الإرث الذي ينقله الفلسطيني للأجيال، من آمال كبيرة وأحلام ثقيلة، وهو ما عبرت عنه رسامة الكاريكاتير أمية جحا التي شبهت ريشتها فم المفتاح بفوهة بندقية تحمي الحق بالعودة.
دلالات فريدة
ولا يكاد يخلو مخيم من مخيمات الضفة الغربية والشتات، من جداريات ترمز لحق العودة ومرارة النكبة وترسخ ثقافة وطنية ودلالات فريدة وجمعية عما يعتمل في النفوس، وتختلجه الصدور الظامئة لتحقيق حلم طال انتظاره.
ويرى أستاذ علم النفس في جامعة النجاح الوطنية غسان ذوقان، أن الفن وخاصة الرسومات، يعتبر مدخلا هاما لفهم الشخصية ونمط تفكيرها، ويعبر في الوقت نفسه عن آمالها وآلامها، وهو ترجمة فعلية للواقع الذي يعيشه الانسان ويعبر عما يجول في خاطره.
ويؤكد ذوقان لـ وكالة سند للأنباء أن الجداريات التي نشاهدها في المخيمات الفلسطينية وفي الداخل والشتات يرتبط معظمها بالنكبة التي تعرض لها الشعب الفلسطيني في العام 1948، وتعبر في ذات الوقت عما يختلج في نفوس أبناء المخيمات من شوق وحنين لقراهم ومدنهم وبلداتهم، التي طرد منها الأجداد والآباء على أيدي العصابات الصهيونية، وعن ارتباطهم بأرضهم ووطنهم المسلوب.
ويردف ذوقان بأن الجداريات في الوقت نفسه، تعبير عن الهوية المفقودة وترسيخ للانتماء للقضية، رغم حداثة سن من يقومون برسمها مقارنة مع عمر النكبة، وبالتالي تأكيد على مدى توارث الأجيال وتمسكهم بمفهوم ومبدأ حق العودة.
إنعاش الذاكرة
ويصف مدير مركز يافا الثقافي بمخيم بلاطة فايز عرفات، دلالات الجداريات بأنها قسم العناية المركزة الذي ينعش الذاكرة ويربط الجيل بالقضية وثوابتها، في واحدة من أهم ارتكازاتها وتمثله النكبة وحق العودة.
ويضيف عرفات في حديث خاص بـ "وكالة سند للأنباء" أن الجداريات يرسمها فنان ويسقط جزئياتها بطريقته عبر رمزية المفتاح أحيانا وبأسماء البلدات والقرى المدمرة وأوراق الملكية والثبوتية وأنماط الحياة والتراث والتجارة والزراعة وغيرها فيها قبل النكبة، لكن خلاصتها تصب في إحياء الذاكرة وتثبيت الأحقية وضخ الآمال بالعودة يومًا.
وتُرى الجداريات عادة في مخيم بلاطة، إلا أنها في هذا العام، ووفق عرفات، لن تخرج للنور، بسبب الظروف القاهرة التي يعيشها الوطن من استهداف للوجود الفلسطيني وهويته وحقوقه.
وقام المركز، بحسب عرفات، بنقل كثير من الشواهد والأدلة المرتبطة بالنكبة للمتحف الفلسطيني في بيرزيت للحفاظ عليها مع تداعيات الاقتحامات الاسرائيلية واجتياحها المتكرر للمخيم.
بوصلة العودة
ويلتقي الباحث والكاتب الفلسطيني جهاد حرب مع سابقيه، ويشدد على أن رسالة الجداريات تعبير عن ثقافة بناء المخيمات وإرث الاجداد والآباء التاريخي، كرابط وطني وعاطفي تشير بوصلته لحق العودة.
ويضيف حرب لـ وكالة سند للأنباء أن إحدى دلالاتها رفد الثقافة الوطنية المخزونة لدى جيل الشباب الفلسطيني، الذين تراكمت ثقافتهم الوطنية والمعلوماتية والسردية الحقيقية حول النكبة وحيثياتها توالياً، من الأجداد والآباء، دون إغفال تفاصيل الحياة المعاشة.
وخلص حرب إلى أن هناك جزءًا تاريخيا مهما في الجداريات وسرديات من عايشوا النكبة، يمثله الجانب الوطني والهوية الفلسطينية، ذات العلاقة برفض الاحتلال كجهة احتلالية تسعى لتغييب التاريخ الحديث للفلسطيني، والذي يصطدم بصخرة التوعية الوطنية والحق بالعودة.
ويصادف الخامس عشر من أيار، الذكرى الـ 77 لنكبة الشعب الفلسطيني، التي كان ضحيتها تهجير نحو 950 ألف فلسطيني من مدنهم وبلداتهم الأصلية، من أصل مليون و400 ألف فلسطيني كانوا يعيشون في 1300 قرية ومدينة.
وبحسب مركز المعلومات الفلسطيني، سيطرت العصابات الصهيونية خلال النكبة على 774 قرية ومدينة فلسطينية، وتم تدمير 531 منها بالكامل، وطمس معالمها الحضارية والتاريخية، وما تبقّى تم إخضاعه لكيان الاحتلال وقوانينه.
كما شهد عام النكبة أكثر من 70 مجزرة نفذتها العصابات الصهيونية، التي أمدتها بريطانيا بالسلاح والدعم، كمجزرتي دير ياسين والطنطورة، وأكثر من 15 ألف شهيد والعديد من المعارك بين المقاومين الفلسطينيين والجيوش العربية من جهة، والاحتلال الإسرائيلي من الجهة المقابلة.
وبحسب سجلات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، بلغ عدد مخيمات اللاجئين الفلسطينيين 58 مخيما رسميا تابعا للوكالة تتوزع بواقع 10 مخيمات في الأردن، و9 مخيمات في سوريا، و12 مخيما في لبنان، و19 مخيما في الضفة الغربية، و8 مخيمات في قطاع غزة.
وسيطر الاحتلال، الذي أعلن قيام دولته على 78% من مساحة فلسطين التاريخية (27000 كيلو متر مربع)، وذلك بدعم من الاستعمار البريطاني، تنفيذا لوعد بلفور المزعوم عام 1917، وتسهيل هجرة اليهود إلى فلسطين، ودور الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة في اتخاذ قرار التقسيم رقم 181 لعام 1947
نابلس - نواف العامر- وكالة سند للأنباء
بين أزقة المخيمات، وفي سراديب حاراتها الضيقة، يجدد اللاجئون على الدوام، إيمانهم بحق العودة، كحق لا يمكن التنازل عنه، يظل مشرقًا كالشمس في نفوس تتوق للقرية والبيت والأرض.
ومن خلال جداريات تزين الشوارع والجدران، تمر النكبة بذكراها الأليمة، وأحداثها المأساوية، وتبدو فيها أمنيات اللاجئين وأحلامهم، متجاوزة حياة النزوح، نحو تلك الحياة المأمولة، هادئة البال مطمئنة الخاطر.
ويُعَدّ نموذج "المفتاح" شعار التمسك بالعودة، الساق العتيدة لشجرة الانتماء للوطن، تتفرع منه أغصان كثيفة بألوان العلم الفلسطيني، زينتها أوراقٌ تعد كل واحدة منها قرية وبلدة مدمرة منذ العام 1948 على أيدي عصابات الشتيرن والهاجاناه، ومسميات مماثلة بدعم بريطاني مكتمل الأركان، تحت مسمى الانتداب حينها.
وما يميز مدخل مخيم عايدة قرب بيت لحم جنوبي الضفة الغربية، أنه يضم أكبر مفتاح يمثل حق العودة في واحدة من تجليات الإرث الذي ينقله الفلسطيني للأجيال، من آمال كبيرة وأحلام ثقيلة، وهو ما عبرت عنه رسامة الكاريكاتير أمية جحا التي شبهت ريشتها فم المفتاح بفوهة بندقية تحمي الحق بالعودة.
دلالات فريدة
ولا يكاد يخلو مخيم من مخيمات الضفة الغربية والشتات، من جداريات ترمز لحق العودة ومرارة النكبة وترسخ ثقافة وطنية ودلالات فريدة وجمعية عما يعتمل في النفوس، وتختلجه الصدور الظامئة لتحقيق حلم طال انتظاره.
ويرى أستاذ علم النفس في جامعة النجاح الوطنية غسان ذوقان، أن الفن وخاصة الرسومات، يعتبر مدخلا هاما لفهم الشخصية ونمط تفكيرها، ويعبر في الوقت نفسه عن آمالها وآلامها، وهو ترجمة فعلية للواقع الذي يعيشه الانسان ويعبر عما يجول في خاطره.
ويؤكد ذوقان لـ وكالة سند للأنباء أن الجداريات التي نشاهدها في المخيمات الفلسطينية وفي الداخل والشتات يرتبط معظمها بالنكبة التي تعرض لها الشعب الفلسطيني في العام 1948، وتعبر في ذات الوقت عما يختلج في نفوس أبناء المخيمات من شوق وحنين لقراهم ومدنهم وبلداتهم، التي طرد منها الأجداد والآباء على أيدي العصابات الصهيونية، وعن ارتباطهم بأرضهم ووطنهم المسلوب.
ويردف ذوقان بأن الجداريات في الوقت نفسه، تعبير عن الهوية المفقودة وترسيخ للانتماء للقضية، رغم حداثة سن من يقومون برسمها مقارنة مع عمر النكبة، وبالتالي تأكيد على مدى توارث الأجيال وتمسكهم بمفهوم ومبدأ حق العودة.
إنعاش الذاكرة
ويصف مدير مركز يافا الثقافي بمخيم بلاطة فايز عرفات، دلالات الجداريات بأنها قسم العناية المركزة الذي ينعش الذاكرة ويربط الجيل بالقضية وثوابتها، في واحدة من أهم ارتكازاتها وتمثله النكبة وحق العودة.
ويضيف عرفات في حديث خاص بـ "وكالة سند للأنباء" أن الجداريات يرسمها فنان ويسقط جزئياتها بطريقته عبر رمزية المفتاح أحيانا وبأسماء البلدات والقرى المدمرة وأوراق الملكية والثبوتية وأنماط الحياة والتراث والتجارة والزراعة وغيرها فيها قبل النكبة، لكن خلاصتها تصب في إحياء الذاكرة وتثبيت الأحقية وضخ الآمال بالعودة يومًا.
وتُرى الجداريات عادة في مخيم بلاطة، إلا أنها في هذا العام، ووفق عرفات، لن تخرج للنور، بسبب الظروف القاهرة التي يعيشها الوطن من استهداف للوجود الفلسطيني وهويته وحقوقه.
وقام المركز، بحسب عرفات، بنقل كثير من الشواهد والأدلة المرتبطة بالنكبة للمتحف الفلسطيني في بيرزيت للحفاظ عليها مع تداعيات الاقتحامات الاسرائيلية واجتياحها المتكرر للمخيم.
بوصلة العودة
ويلتقي الباحث والكاتب الفلسطيني جهاد حرب مع سابقيه، ويشدد على أن رسالة الجداريات تعبير عن ثقافة بناء المخيمات وإرث الاجداد والآباء التاريخي، كرابط وطني وعاطفي تشير بوصلته لحق العودة.
ويضيف حرب لـ وكالة سند للأنباء أن إحدى دلالاتها رفد الثقافة الوطنية المخزونة لدى جيل الشباب الفلسطيني، الذين تراكمت ثقافتهم الوطنية والمعلوماتية والسردية الحقيقية حول النكبة وحيثياتها توالياً، من الأجداد والآباء، دون إغفال تفاصيل الحياة المعاشة.
وخلص حرب إلى أن هناك جزءًا تاريخيا مهما في الجداريات وسرديات من عايشوا النكبة، يمثله الجانب الوطني والهوية الفلسطينية، ذات العلاقة برفض الاحتلال كجهة احتلالية تسعى لتغييب التاريخ الحديث للفلسطيني، والذي يصطدم بصخرة التوعية الوطنية والحق بالعودة.
ويصادف الخامس عشر من أيار، الذكرى الـ 77 لنكبة الشعب الفلسطيني، التي كان ضحيتها تهجير نحو 950 ألف فلسطيني من مدنهم وبلداتهم الأصلية، من أصل مليون و400 ألف فلسطيني كانوا يعيشون في 1300 قرية ومدينة.
وبحسب مركز المعلومات الفلسطيني، سيطرت العصابات الصهيونية خلال النكبة على 774 قرية ومدينة فلسطينية، وتم تدمير 531 منها بالكامل، وطمس معالمها الحضارية والتاريخية، وما تبقّى تم إخضاعه لكيان الاحتلال وقوانينه.
كما شهد عام النكبة أكثر من 70 مجزرة نفذتها العصابات الصهيونية، التي أمدتها بريطانيا بالسلاح والدعم، كمجزرتي دير ياسين والطنطورة، وأكثر من 15 ألف شهيد والعديد من المعارك بين المقاومين الفلسطينيين والجيوش العربية من جهة، والاحتلال الإسرائيلي من الجهة المقابلة.
وبحسب سجلات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، بلغ عدد مخيمات اللاجئين الفلسطينيين 58 مخيما رسميا تابعا للوكالة تتوزع بواقع 10 مخيمات في الأردن، و9 مخيمات في سوريا، و12 مخيما في لبنان، و19 مخيما في الضفة الغربية، و8 مخيمات في قطاع غزة.
وسيطر الاحتلال، الذي أعلن قيام دولته على 78% من مساحة فلسطين التاريخية (27000 كيلو متر مربع)، وذلك بدعم من الاستعمار البريطاني، تنفيذا لوعد بلفور المزعوم عام 1917، وتسهيل هجرة اليهود إلى فلسطين، ودور الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة في اتخاذ قرار التقسيم رقم 181 لعام 1947