‏شهادة الطبيب الجريح: خليل رفاء حيدر سكيك

  • الخميس 13, يونيو 2024 11:29 ص
  • شهادة الطبيب الجريح: خليل رفاء حيدر سكيك
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. اللهم لك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً ملء السماوات والأرضين وما بينهما. اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك أن أنعمت عليّ بالحرية بعد اعتقال دام أربعين (40) يوماً في سجون الاحتلال الصهيوني الغاصب، شاهدت فيها ما يعجز اللسان عن وصفه وتعجز الذاكرة عن محيه.
‏شهادة الطبيب الجريح: خليل رفاء حيدر سكيك
منصة X
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
اللهم لك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً ملء السماوات والأرضين وما بينهما.
اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك أن أنعمت عليّ بالحرية بعد اعتقال دام أربعين (40) يوماً في سجون الاحتلال الصهيوني الغاصب، شاهدت فيها ما يعجز اللسان عن وصفه وتعجز الذاكرة عن محيه.
أنا خليل رفاء حيدر سكيك، طالب طب يستعد لتخرجه بشهادة طب عام بعد دراسة واجتهاد داما ست (6) سنوات، هذا السيناريو الذي كان يفترض أن أعيشه الآن لولا هذا الاحتلال الفاشي.
فبعد أن بدأت الحرب ولكثرة الإصابات والجرحى نتيجة العدوان الصهيوني وقلة الكادر الطبي قررت التطوع في مستشفى الشفاء الطبي لمعالجة المرضى والجرحى، وفي الثامن عشر من مارس الثانية ونصف ليلاً اقتحم الاحتلال الصهيوني المشفى وحاصره خلال مناوبتي الليلية ومن هنا بدأت القصة.
يوم الخميس 21-مارس كنت مع الكادر الطبي في قسم الطوارئ عندما استُدعي عدد من الأطباء بمن فيهم أنا للتحقيق.
وبعد تحقيق سئلت فيه عن أدق تفاصيل حياتي، سمح لي ضابط المخابرات بالمغادرة والعودة للمنزل الذي أنزح فيه مع عائلتي، خرجت بلباس الاعتقال مكبل اليدين رافعاً يديّ فوق رأسي، ثم ما أن خرجت من بوابة المستشفى حتى تلقيت رصاصة من دبابة، شجّت رأسي وقطعت إصبعي الإبهام في اليد اليمنى وأجبرت على العودة إلى المستشفى.
لم تنته القصة بعد، في 23-مارس قرر الاحتلال السماح للمصابين والمرضى القادرين على المشي بالتوجه إلى مستشفى المعمداني، قررت الخروج معهم بصفتي مصاب، وهنا اعتقلني جيش الاحتلال الصهيوني بتهمة خلو سجل المصابين من اسمي.
من الظهر وحتى قبيل العِشاء، ظللت مكبل اليدين معصوب العينين في أحد غرف المشفى، إلى أن جاءت الشاحنة التي تقِلُّ المعتقلين.
وصلنا المعتقل قرابة منتصف الليل، ما زالنا مكبلي الأيدي معصوبي الأعين. كان جنود الاحتلال الصهيوني يدفعون بالمعتقلين من الشاحنة -بعلو طابق تقريباً- إلى الأرض.
شاء القدر أن أقع على وجهي عندما جاء دوري لألقى من قِبل جنود الاحتلال، رائحة الدم تملأ أنفي وأشعر به يسيح من وجهي، ثم يتقدم جندي نحوي طابعاً حذائه على وجهي.
نقلت إلى المعتقل بدمائي، وجهي ينزف، أنفي ينزف، أذنيّ تنزفان، أسناني كُسّرت. تمنيت الموت ألف ألف مرة لأنجو مما أنا فيه.
اشتد النزيف وتدهورت حالتي الصحية، ويوم الجمعة 29-مارس نُقلت لأحد المشافي للعلاج لأنني لم أمت بعد، في ظروف أقسى من أن تروى أجبرت على التوقيع لعملية بتخدير كامل تعالج عدة كسور في فكيّ أكون فيها مسؤولاً عن حياتي، لا أحد بجانبي سوى جنود الاحتلال، لا أمي، لا أبي، لا أحد من عائلتي يعرف ما ألمّ بي وما أنا مقدمٌ عليه.
ومن ثم أعادوني إلى مسلسل القهر والعذاب في المعتقل، لم أتلق العلاج اللازم بعد العملية، تم إهمالي تماماً حتى في مسألة الطعام، فبعد العملية لم أكن أقدر على مضغ أي شيء، وبهذا خُصصت بعذابٍ جديد يضاف لقائمة العذابات السرمدية، فلم أتذوق طعام السجن السيء المقدَّم على طبقٍ من الذل والهوان.
وبعد معاناة لا تحُدُّها الكلمات، أشرق فجر الحرية في الثاني من مايو في مدينة رفح، مبعداً عن أهلي، فاقداً إبهامي الأيمن، تصاحبني ست (6) كسور في فكيّ العلوي والسفلي، ويملأ الفراغ فمي بعد أن كُسّرت أسناني.
وها أنذا أسير في الشوارع واضعاً يدي في جيبي، راكلاً كل شيءٍ بحذائي، أصوات الطائرات تحلق في السماء والقصف يدوي من حولي. الحرب تشتد يوماً بعد يوم، أصحابي لم يُفرج عنهم بعد.
أسأل الله أن يمّن عليهم بالحرية سالمين غانمين.
شكراً لكل من تذكرني بدعوة، شعرت بدعواتكم وصلواتكم تطوف حولي، تطمئن قلبي وتمسح على ألمي.
أختم بالحمد كما بدأت وأرجو من الله أن يزيح الغمة عن شعبنا وأهلنا.