فلسطينيو 48 من انتفاضة الأقصى إلى هبّة الكرامة.. تمرّد

  • الجمعة 30, سبتمبر 2022 12:39 م
  • فلسطينيو 48 من انتفاضة الأقصى إلى هبّة الكرامة.. تمرّد
شكّلت الانتفاضة الفلسطينية الثانية (انتفاضة الأقصى) عام 2000 نقطة تحول في العلاقة بين إسرائيل وفلسطينيي 48، حين دفعوا نصيبهم في هذه المواجهة باستشهاد 13 شابا منهم برصاص الشرطة الإسرائيلية، وهو ما فتح الباب على مصراعيه في نضالهم للحفاظ على هويتهم.
فلسطينيو 48 من انتفاضة الأقصى إلى هبّة الكرامة.. تمرّد يؤرّق إسرائيل
موطني 48
شكّلت الانتفاضة الفلسطينية الثانية (انتفاضة الأقصى) عام 2000 نقطة تحول في العلاقة بين إسرائيل وفلسطينيي 48، حين دفعوا نصيبهم في هذه المواجهة باستشهاد 13 شابا منهم برصاص الشرطة الإسرائيلية، وهو ما فتح الباب على مصراعيه في نضالهم للحفاظ على هويتهم.
كل عام، يحيي فلسطينيو 48 ذكرى “هبّة أكتوبر” عام 2000 واستشهاد عدد منهم في سلسلة مظاهرات واسعة ردا على اقتحام رئيس الحكومة الإسرائيلي حينها، أرييل شارون، للمسجد الأقصى، وهو الأمر الذي أدى إلى اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية.
وكانت هبة 2000 المواجهة الأبرز لفلسطينيي الداخل بعد عقود من مواجهة “يوم الأرض” عام 1976، وقبل انخراطهم فيما عُرفت بـ “هبة الكرامة” في مايو/أيار 2021، حيث عادوا للمواجهة مع إسرائيل في انتفاضة شعبية وحّدت ساحات فلسطين التاريخية نصرة للقدس والمسجد الأقصى وتحدّيا لسياسات الاحتلال العنصرية، وتزامنت مع عدوان إسرائيلي شرس على قطاع غزة.
يعتقد المحلل السياسي أمير مخول أن هبّة فلسطينيي الداخل مطلع انتفاضة الأقصى عام 2000 كانت محطة مفصلية وحدثا حاسما في العلاقة بين فلسطينيي 48 والمحتل، وأحدثت تمردا على المشروع الإسرائيلي لتفكيك الشعب الفلسطيني عامة وعلى واقع الشعب والجغرافيا المقسّمة التي أفرزتها اتفاقية أوسلو.
وعلى النقيض من تطلعات وأهداف إسرائيل في تعاملها مع الفلسطينيين وأهالي الداخل على وجه الخصوص، يقول مخول “انتفاضة الأقصى جاءت لتثبيت هوية فلسطينيي 48 العربية والفلسطينية، ورفضهم لمشاريع الأسرلة. وفيما بعد كانت الهوية الوطنية هي المحرك الأساس لمواجهة المشاريع الإسرائيلية في الداخل، وتجلى ذلك في هبة الكرامة 2021”.
ومن الواضح جدا كما يقول المحلل السياسي أن “إسرائيل فشلت من خلال سياسات الهيمنة في جعل فلسطينيي 48 أداة تطوعها في لعبتها السياسية وفي دفعهم إلى تقديم التنازلات مقابل بعض المكاسب المعيشية وسلخهم عن القضية الفلسطينية عامة، وهذا ما كان يُحدث ردة فعل عكسية وتمردا بوجه سياساتها، إذ إن آليات القمع الإسرائيلية قوبلت بالتمسك بالهوية الفلسطينية الواحدة”.
“محو الخط الأخضر”
وفي تقرير لمركز مدى الكرمل للدراسات الاجتماعية التطبيقية، ومقره حيفا، بعنوان “الهبة الشعبية في صفوف المجتمع الفلسطيني في إسرائيل: محو الخط الأخضر” يقول أستاذ العلوم السياسية مهند مصطفى إن المشترك بين انتفاضة الأقصى عام 2000 والهبة الشعبية في مايو/أيار 2021 هو الاحتجاجات الشاملة في كل مناطق الوجود الفلسطيني.
وبرأي مصطفى، وهو مدير مركز مدى الكرمل، فإن انتفاضة الأقصى أتت نتاج خطاب سياسي لفلسطينيي 48 رافض لمشروع “أوسلو” بينما تفجرّت هبة الكرامة على الرغم من ضمور هذا الخطاب وتراجعه وصعود خطاب بديل يسعى إلى التأثير عبر الاندماج في اللعبة السياسية الإسرائيلية.
ويشير إلى أن الهبة الشعبية عام 2021 -والتي امتدت إلى الداخل- سجّلت لحظة هامة في تاريخ الفلسطينيين منذ انتفاضة الأقصى، خصوصا أنها اندلعت في خضم حالة من التشرذم السياسي.
ويعتقد مصطفى أن خطاب الاندماج بالنظام الإسرائيلي سقط خلال هبة الكرامة عبر توحيد ساحات النضال الفلسطيني، وترسيخ فكرة محو وشطب الخط الأخضر في وعي فلسطينيي 48 وما يمثله من فصل عن امتدادهم الشعبي في كل فلسطين من جهة، ومحوه في أدوات المؤسسة الإسرائيلية وأساليب قمعها وتعاملها مع الهبة الشعبية في فلسطين التاريخية عامة.
ويرمز “الخط الأخضر” إلى الحد الفاصل بين المناطق الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل في نكبة 1948 وتلك التي احتلتها بعد حرب 1967 (الضفة الغربية وشرقي القدس وقطاع غزة).
فشل عزلهم
وفي قراءة لفشل السياسات الإسرائيلية في تحييد فلسطينيي الداخل عن نضالهم الوطني، يؤكد الكاتب الصحفي طه إغبارية أن تفاعل فلسطينيي 48 مع قضية القدس والأقصى ودفعهم ضريبة الدم باستشهاد 13 شابا منهم، بداية الانتفاضة الثانية، يؤكد فشل السياسات الإسرائيلية في عزلهم وسلخهم وتحييدهم عن مشروع التحرر للشعب الفلسطيني.
وأوضح إغبارية، أن السياسات الإسرائيلية العنصرية والقمعية ضد فلسطينيي 48 أحدثت ردا عكسيا ساهم في تعزيز الهوية الوطنية خاصة لدى الجيل الجديد من فلسطينيي 48، وهو ما تجلّى في انخراطهم بانتفاضة الأقصى الذي مهّد لبلورة حراكات شبابية وشعبية عابرة لفلسطين التاريخية ومناطق اللجوء والشتات.
وتشترك الهبات الشعبية -برأي إغبارية- في كونها تأتي دائما للتمرد على اتفاق “أوسلو” الذي هدف إلى تقويض مشروع التحرر الوطني الفلسطيني وتفكيك الشعب الفلسطيني وعزله عن بعضه، ومنه أهالي الداخل الذين وصل تعدادهم إلى نحو مليوني نسمة “وهو المخطط الذي تم إحباطه في هبّة الكرامة”.
حالة تراكمية تخشاها إسرائيل
يقول إغبارية إن الداخل الفلسطيني -وعلى الرغم من القمع ومحاولات الترويض والترهيب ومساومة الحقوق بالمكاسب الاقتصادية، وحتى في ظل تشرذم مكوناته السياسية والحزبية- يتحدى ممارسات إسرائيل العنصرية التي تسعى لشطبه وطمس هويته وسلب أرضه وحقوقه كجزء من الشعب الفلسطيني عامة، لتثبيت مشروع الدولة اليهودية في فلسطين التاريخية.
وردا على سؤال عن إمكانية تكرار هبّة الكرامة والمواجهة مع المؤسسة الإسرائيلية، وتطورها لانتفاضة أوسع، يقول إغبارية “ما دامت إسرائيل تمارس العنصرية والعنف والتحريض على فلسطينيي 48، وما دامت تكرس احتلالها للشعب الفلسطيني وتستبيح القدس والأقصى وتحاصر غزة، فإن مثل هذه الهبّات ستتكرر ولربما بمشاهد وآليات مختلفة”.
لكن إغبارية يعتقد في الوقت نفسه أن “غياب التنظيم السياسي الحقيقي لفلسطينيي 48، وعدم تقوية وتطوير آليات نضالهم، سيُبقي هذه الهبات الشعبية في إطار ردود الفعل العفوية على ممارسات إسرائيل القمعية والتي قد تشكل ضغوطا على المؤسسة الإسرائيلية لنيل بعض الحقوق”.
وعليه، يرى الكاتب أنه “بدون تنظيم سياسي لفلسطينيي الداخل ستتكرر الهبات لكنها سرعان ما ستخمد، رغم أن هذه حالة تراكمية تخشى إسرائيل تداعياتها”.