حلمي المحتسب.. قاضي الأقصى وحارس المقدسات

  • الجمعة 17, أكتوبر 2025 11:40 ص
  • حلمي المحتسب.. قاضي الأقصى وحارس المقدسات
حلمي المحتسب قاض فلسطيني ولد في الخليل عام 1906 وتوفي في القدس عام 1982، وكان ركنا رئيسيا في حماية المقدسات الإسلامية فيها. شارك في تأسيس الهيئة الإسلامية العليا عام 1967، وتولى رئاستها مع انعقاد دورتها الرابعة خلفا لمؤسسها الشيخ عبد الحميد السائح.
حلمي المحتسب.. قاضي الأقصى وحارس المقدسات
الجزيرة نت
حلمي المحتسب قاض فلسطيني ولد في الخليل عام 1906 وتوفي في القدس عام 1982، وكان ركنا رئيسيا في حماية المقدسات الإسلامية فيها. شارك في تأسيس الهيئة الإسلامية العليا عام 1967، وتولى رئاستها مع انعقاد دورتها الرابعة خلفا لمؤسسها الشيخ عبد الحميد السائح.
تنقل بين المدن الفلسطينية والعاصمة الأردنية عمّان والسورية دمشق، وشغل فيها جميعا مناصب قضائية بارزة، وساعد في إخماد الحريق الذي شب في المسجد الأقصى عام 1969، وحمّل الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية الكاملة عنه.
المولد والنشأة
ولد الشيخ حلمي حسن طاهر المحتسب في مدينة الخليل عام 1906، ونشأ في أسرة تضم 7 أشقاء، وعرف بشخصيته الهادئة المتواضعة.
شارك في مقاومة الاحتلال البريطاني في أوائل الثلاثينيات من القرن الماضي، مما أدى إلى اعتقاله مرتين، وقضى في السجن نحو 4 سنوات.
في عام 1947 انتقل إلى مدينة عكا للعمل في القضاء الشرعي، إلا أن النكبة اضطرته إلى الهجرة مع عائلته إلى لبنان، حيث أقام مدة عام، ثم انتقل إلى دمشق وقضى فيها عامين.
عينه المجلس الإسلامي الأعلى قاضيا لمدينة القدس، فعاد إلى فلسطين واستقر في بيت المقدس مع عائلته.
في أعقاب النكسة عام 1967 كان الشيخ المحتسب في الأردن على رأس عمله، وكان ذلك يتطلب منه التنقل بين فلسطين والأردن ودمشق، ورغم اندلاع الحرب، آثر العودة إلى القدس رفقة عدد من علماء وشيوخ المدينة.
رزق حلمي المحتسب بـ10 أبناء، بينهم 7 إناث. وفي مطلع 1970 استشهد ابنه محمد نبيل عن عمر ناهز 25 عاما.
الدراسة والتكوين العلمي
تلقى حلمي المحتسب تعليمه الابتدائي في مدارس مدينة الخليل، ثم توجه في منتصف عشرينيات القرن الـ20 إلى القاهرة ليدرس الشريعة الإسلامية في جامع الأزهر.
أتاح التخصص الشرعي للمحتسب فرصا واسعة للعمل في القضاء الشرعي داخل فلسطين، وفي عدد من الدول العربية لاحقا.
الوظائف والمسؤوليات
بدأ حلمي المحتسب مسيرته المهنية بتدريس الشريعة الإسلامية في مدرسة الإصلاح الأهلية بمدينة الخليل، وفي أوائل ثلاثينيات القرن الـ20 عينه المجلس الإسلامي الأعلى واعظا في مدينة بئر السبع، ثم أسند إليه منصب رئيس كتاب المحكمة الشرعية في مدينة الناصرة.
وقبيل نكبة 1948 بعام، عين قاضيا شرعيا في مدينة عكا، إلا أن اندلاع الحرب حال دون أداء مهامه، واضطره للهجرة إلى لبنان، ثم إلى دمشق، وبعد تعيينه قاضيا شرعيا للقدس عاد إليها.
وفي مطلع الستينيات من القرن الـ20، أوكلت إليه مهمة العضوية في محكمة الاستئناف الشرعية، فأصبح متنقلا في عمله بين مدينتي القدس وعمان.
ثم اندلعت نكسة 1967، التي أسفرت عن احتلال إسرائيل للقدس الشرقية، مما دفع المحتسب لتأسيس الهيئة الإسلامية العليا إلى جانب نخبة من شيوخ وعلماء المدينة.
وفي السنوات اللاحقة، تولى الشيخ عددا من المناصب الرفيعة، من أبرزها:
رئاسة محكمة الاستئناف الشرعية في القدس.
قائم بأعمال قاضي القضاة في الضفة الغربية.
رئاسة الهيئة الإسلامية العليا.
رئاسة المجلس الإسلامي الأعلى.
رئاسة مجلس إعمار المسجد الأقصى وقبة الصخرة.
رئاسة مجلس أمناء كلية الدعوة وأصول الدين بالقدس.
عضو في رابطة العالم الإسلامي.
تأسيس الهيئة الإسلامية العليا
عقب احتلال إسرائيل شرقي القدس في نكسة 1967، سعت سلطاتها إلى إدراج المسجد الأقصى تحت إدارة وزارة الأديان الإسرائيلية، إلا أن علماء بيت المقدس وشيوخه وساسته رفضوا ذلك.
اجتمع الحاكم العسكري الإسرائيلي حاييم هرتسوغ بمجموعة من شيوخ المدينة، وطالبهم بإقامة صلاة الجمعة في المسجد الأقصى رغم وجود قوات الاحتلال داخله، في محاولة للتقليل من حدة الرفض الشعبي لاحتلال المدينة.
رفض رئيس محكمة الاستئناف الشرعية آنذاك عبد الحميد السائح طلب الحاكم الإسرائيلي قائلا "لا تجوز الصلاة عندنا تحت الحراب، ولن أدعو الناس إلى الصلاة ما دام جنودكم في أرض الحرم".
سحب الاحتلال على إثر ذلك الموقف جنوده من المسجد الأقصى، ودعي إلى الصلاة في يوم الجمعة الموافق 16 يونيو/حزيران 1967، فكانت أول صلاة جامعة تقام في المسجد عقب احتلاله.
استمرت محاولات الاحتلال لفرض سيطرته على المسجد الأقصى، مما دفع عددا من الشخصيات البارزة في المدينة إلى التوحد وتأسيس الهيئة الإسلامية العليا في القدس يوم 24 يوليو/تموز 1967، وكان من بين المؤسسين حلمي المحتسب.
تولت الهيئة صلاحيات مجلس الأوقاف، كما أشرفت على المحاكم الشرعية ولجنة إعمار المسجد الأقصى وقبة الصخرة.
أثار تأسيس الهيئة الإسلامية العليا قلق الاحتلال من إعادة إحياء تجربة المجلس الإسلامي الأعلى، الذي قاد العمل الديني والوطني في فلسطين أثناء الثورة الفلسطينية الكبرى ضد بريطانيا، فأعاد تسليم شؤون المسجد الأقصى إلى دائرة الأوقاف التابعة لوزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية الأردنية.
حظيت الهيئة الإسلامية العليا بتأييد شعبي من مختلف أطياف المجتمع الفلسطيني، مما جعلها مرجعية دينية ووطنية في شؤون بيت المقدس، وتولى رئاستها عند تأسيسها الشيخ عبد الحميد السائح، إلا أن الاحتلال نفاه إلى الأردن، فخلفه في المنصب الشيخ حلمي المحتسب، ثم تعاقب عليه كل من سعد الدين العلمي وحسن طهبوب ومحمد نسيبة وعكرمة صبري.
اتبع المحتسب أثناء رئاسته للهيئة منهجا واضحا في التصدي لسياسات الاحتلال، إذ وثق جرائمه بحق المقدسات، ووجه رسائل دورية إلى سلطات الاحتلال للاحتجاج على قراراتها وممارساتها الجائرة، زاد عددها على 70 رسالة.
إحراق المسجد الأقصى
في يوم 21 أغسطس/آب 1969 اندلع حريق كبير في المصلى القبلي داخل المسجد الأقصى، وتركز في موضعين: الأول عند منبر صلاح الدين، والثاني في محيط السطح الجنوبي الشرقي للمسجد.
هب المقدسيون لإطفاء الحريق، وكان من بينهم حلمي المحتسب، في حين بادرت شركة كهرباء القدس إلى قطع التيار الكهربائي عن المسجد منعا لتفاقم الاشتعال.
حاولت السلطات الإسرائيلية التنصل من المسؤولية، وزعمت في بداية الأمر أن إحراق المسجد الأقصى نجم عن تماس كهربائي، لكنها حاكمت لاحقا اليهودي الأسترالي مايكل روهان بتهمة إشعال الحريق عمدا، وادعت إصابته باضطراب عقلي يستدعي إلحاقه ببرنامج علاجي في مستشفى نفسي.
عقدت الهيئة الإسلامية العليا في القدس مؤتمرا صحفيا برئاسة المحتسب آنذاك، أوردت فيه جملة من الحجج المشيرة إلى تورط الاحتلال في الحريق، ودعمت روايتها نتائج تحقيقات قضائية عربية إلى جانب أخرى أجراها مهندسون متخصصون من العالم العربي.
ورفضت الهيئة الحكم الصادر بحق المتهم بإشعال الحريق، معتبرة أن العقوبة لا تتناسب مع جسامة الجريمة واستهدافها للمقدسات الإسلامية.
وفي أعقاب الحريق، شرعت الهيئة في خطوات عملية لإصلاح الأضرار التي لحقت بالمسجد، وشدد حلمي المحتسب على منع الحفر خشية تضرر الأقصى ومرافقه الأثرية العريقة.
الوفاة
توفي حلمي المحتسب يوم 26 يناير/كانون الثاني 1982 في بيت المقدس عن عمر ناهز 76 عاما، ودفن في مسقط رأسه مدينة الخليل.