بيان مهم حول ما يجري في الأقصى هذه الأيام

  • الجمعة 24, سبتمبر 2021 07:07 م
  • بيان مهم حول ما يجري في الأقصى هذه الأيام
مؤسسة القدس الدولية: الأقصى دخل مرحلةً مفصلية من تصفية هويته بِفَرضِ الطقوس التوراتية فيه؛ ومسؤولية الدفاع عنه تفرض واجباتٍ عاجلة على الأردن وعلى جماهير القدس والأرض المحتلة وعلى المقاومة وعلى الشعوب العربية والإسلامية
شهد المسجد الأقصى المبارك على مدى موسم الأعياد التوراتية الحالي عدواناً لم يشهد مثيله منذ احتلاله عام 1967، إذ عملت "جماعات المعبد" المتطرفة وحكومة الاحتلال على المضي قدماً في أجندة "التأسيس المعنوي للمعبد" عبر فرض كامل الطقوس التوراتية في الأقصى وكأنه قد بات "المعبد" المزعوم؛ وأمام هذا العدوان غير المسبوق على هوية المسجد الأقصى المبارك الإسلامية فإن الواجب يملي علينا اليوم أن ننقل صرختنا للأمة العربية والإسلامية وقواها الحية بأن الأقصى قد دخل مرحلة مفصلية من تصفية هويته، وبأن المعركة على الأقصى باتت معركة وجود إما أن نكون فيها أو لا نكون، وهو ما يحتم توجيه الاهتمام والطاقات نحو الدفاع عن الأقصى ودعم الرباط فيه، وتحمل المسؤوليات تجاهه بشكلٍ عملي يتجاوز البيانات والمواقف اللفظية. 
 
لقد شهد موسم الأعياد التوراتية الحالي النفخ في البوق في الأقصى يوم الأربعاء 8-9-2021 مؤذناً ببداية العام العبري من داخل الأقصى، كما شهدت الأيام التالية له صلواتٍ علنية بلباس التوبة التوراتي الأبيض، وشهد "عيد الغفران" الموافق الخميس 16-9-2021 أداء محاكاةٍ لتقديم قربان الغفران وصلواتٍ على درجات قبة الصخرة، وصلواتٍ وأناشيد توراتية من المدرسة التنكزية، فيما شهد يوم 21-9-2021 إدخال قرابين العرش التوراتية إلى الأقصى وشهد يوم الأربعاء 22-9 اقتحام 747 متطرفاً، ازدادوا إلى نحو ألف في اليوم التالي، معظمهم أدوا طقوساً توراتية بشكلٍ أو بآخر في الأقصى. 
 
إن هذا التكريس للمسجد الأقصى المبارك باعتباره مركزاً فعلياً للعبادة التوراتية تعدّه"جماعات المعبد" وحكومة الاحتلال بمنزلة "تأسيس معنوي للمعبد"، أي أنها ترى أن "المعبد" اليهودي المزعوم قد بات قائماً كعباداتٍ وطقوس وممارسة، وهذا يمهد لقيامه فعلاً في مكان الأقصى وعلى كامل مساحته، سواء بحشد الجهود حول هذا التأسيس وجعله أقرب، أو بالتدخل الإلهي المباشر لإنزاله من السماء الذي يؤمن به قطاع كبير من أولئك المتطرفين. 
 
أمام هذا العدوان التصفوي لهوية الأقصى، فإننا نتوجه بندائنا في أربعة اتجاهات:

أولاً: نداؤنا للحكومة الأردنية مرجعية أوقاف القدس 
لقد فرضت سلطات الاحتلال تحولاً تدريجياً في دور أوقاف القدس التي لم تعد تدير المسجد الأقصى اليوم، بل باتت وبكل أسف تدير الحضور الإسلامي فيه، إذ لم تعُد قادرة على أن تقرر ولا حتى أن توثق عدوان الاحتلال على الأقصى، فحراس الأقصى سمعوا صوت البوق ينفخ في الأقصى في 8-9-2021 دون أن يتمكنوا من تصوير الحادثة، وتوثيق الطقوس اليهودية التي تمكنوا من توثيقها كان من مسافة تزيد عن عشرين متراً؛ وهذا تراجع خطير في قدرة الهيئة التي تمثل الحصرية الإسلامية للمسجد على السيطرة عليه ومعرفة وقائعه، وتتطلب مراجعةً عاجلة وجدّية لبنية أوقاف القدس وأدائها ودورها، ومراجعة الموقف السياسي من الخطر الوجودي الذي يتعرض له الأقصى. 
 
يشهد دور أوقاف القدس في الأقصى انحرافاً خطيراً لم يعُد من الممكن إغماض العين عنه، وإننا نطرحه أمام الحكومة الأردنية بكل وضوحٍ وصراحةٍ داعين إلى تدارك هذا الخلل التاريخي غير المسبوق: لقد أظهر التوثيق المصور مستوطنين يسجدون عند درجات الصخرة في النقطة ذاتهاالتي طَرد منها مديرُ الأوقاف حارسات الأقصى في 21-6-2018 وهو الأمر الذي نبهت إليه المؤسسة حين حصوله؛ فهل هذه مصادفة؟ لقد أعلن عدد من الباحثين والنشطاء نقلاً عن حراس الأقصى أنفسهم أن شرطة الاحتلال أبلغتهم أنها لن تعتبر صلاة المتطرفين الصهاينة مخالفة بدءاً من "عيد الغفران" التوراتي قبل الماضي بتاريخ 10-10-2019، فنشرت إدارة الأوقاف في اليوم التالي 11-10-2019 "خبراً صحفياً" اعتبرت ذلك "إشاعات" اتهمت أصحابها بخدمة الجماعات الصهيونية المتطرفة، ليتكشّف لاحقاً أنها باتت أجندة الاحتلال المركزية في الأقصى منذ ذلك التاريخ وها هي تتقدم أكثر في كل عيدٍ يهودي؛ فما مصلحة إدارة الأوقاف في نفي العدوان الصهيوني وفي تأخير الوعي به؟ وما هي مصلحتها في توزيع التهم وتبني موقفٍ عدائي ممن ينقلون حقيقة هذا العدوان؟ 
 
علاوة على ذلك، وبين يدي توعد "جماعات المعبد" المتطرفة باقتحامٍ واسع تؤدي فيه الطقوس الدينية في يوم عرفة الموافق 30-7-2020، فوجئنا جميعاً بتعميمٍ صادر عن مدير أوقاف القدس في 28-7-2020 بمنع أي موظف أو حارس في الأوقاف من نشر أي خبرٍ يخص المسجد الأقصى إلا بإذن رسمي منه؛ بينما كان الاحتلال يلاحق أولئك الموظفين والحراس لإسكات صوتهم ومنعهم من مواجهة العدوان على الأقصى أو حتى توثيقه؛ فهل يخدم مصلحة الأقصى أن تجتمع ضغوط الاحتلال وإدارة الأوقاف على حراس الأقصى لمنع نقل صورة العدوان عليه؟

نداؤنا إلى المملكة الأردنية الهاشمية بضرورة مراجعة هذا السلوك الخطير، الذي ما زلنا نرجو أن لا يكون نهجاً سياسياً، وما زلنا نرجو أن يبقى الأردن الرسمي مدافعاً عن الأقصى يتصدى لمسؤوليته التاريخية رغم الانهيار الرسمي العربي، وكما قلنا مراراً فإن التحام الدور الرسمي الأردني بالإرادة الشعبية من شأنه أن يحمي هذا الدور ويجعله رافعةً لاستنهاض فعلٍ عربي عوضاً عن أن ينجر إلى مربع الانكفاء والتراجع. 
 
ثانياً: نداؤنا إلى المرابطين والمقدسيين وأهلنا في الداخل المحتل عام 1948 وفي الضفة الغربية 
لقد بات المسجد الأقصى مكشوف الظهر أكثر من أي وقتٍ مضى، لكن إرادتكم أثبتت بالبرهان الحي بأنها أعلى صوتاً وأمضى حداً من أي ظهيرٍ آخر يُرتكن إليه في الدفاع عن الأقصى، فأنتم أصحاب الهبات الخمس المباركة التي ألجمت المحتل حدَّه في كل مرة: في رمضان 2014، وفي انتفاضة السكاكين 2015 وفي هبة باب الأسباط 2017 وفي هبة باب الرحمة 2019 وفي هبة باب العمود واقتحام 28 رمضان في 2021. لقد كان صمودكم ورباطكم ودفاعكم عن الأقصى وعن حي الشيخ جراح هو الذي استدعى إلى الفعل عناصر القوة والردع الأخرى في معركة سيف القدس المباركة، وإننا ندعوكم إلى أن تجددوا العزم وأن تمضوا على عهدكم مع الأقصى وأمّتكُم معكم، والله معنا بقوته، فالأقصى كان مفجر الصراع على مدى ثلاثة عقودٍ خلت، ويبدو أن قدَره أن يبقى كذلك ليكون مفجر معركة التحرير بإذن الله. 
 
ثالثاً: نداؤنا إلى المقاومة ضد المشروع الصهيوني في كل أماكن وجودها 
لقد تمكنت معركة سيف القدس تحت النار من وقف اقتحامات المسجد الأقصى المبارك لمدة 19 يوماً شكلت أطول إغلاقٍ لباب الاقتحامات منذ 21-8-2003؛ وجعلت الاحتلال يزِن عودة الاقتحامات وحجم العدوان خوفاً من تداعيات الرد، وإن تكريس معادلةٍ في الأقصى والقدس مع الاحتلال ليس أمراً سهلاً ولا يمكن فرضه بمعركة واحدة فقط، وهو يتطلب الحفاظ على التحامٍ مع وقائع القدس والأقصى والحفاظ على العدوان أحد عناصر تقييم الهدوء والتصعيد. إن الاحتلال يعمل ليل نهار على تقويض ما فرضته المعركة في الميدان، وعلى إنهاء التحام المقاومة مع القدس وإعادتها إلى مربع التهدئة والتصعيد تحت ضغوط الحاجات الحياتية، وهذا ما يجب تفويته ومنع حصوله مراكمةً للإنجازات ووفاءً للشهداء وللتضحيات. وأمام عدوانٍ لم يشهده الأقصى منذ احتلاله، وأمام احتمالات تكراره في شهر 11-2021 المقبل وفي رمضان المقبل كذلك؛ فإننا ندعو المقاومة إلى استراتيجية سياسية وعسكرية تضع العدوان على الأقصى في قلب معادلات التصعيد والتهدئة ضمن الإمكانات المتاحة. 
 
رابعاً: نداؤنا إلى الشعوب والقوى الشعبية العربية والإسلامية 
إن المسجد الأقصى مقدس إسلامي ائتُمنت عليه الأمة بكل شعوبها وأجيالها، وإن الحفاظ عليه وتحريره مسؤوليتنا جميعاً، كما الحفاظ على المقدسات المسيحية والهوية العربية الأصيلة للقدس، وإن العدوان الحالي على الأقصى يحتّم ضرورة التحرك الشعبي لدعم المرابطين ونصرتهم، وللضغط على الحكومات لتتحمل مسؤوليتها تجاه الأقصى، ولتقويض موجة التطبيع التي تضفي المشروعية على العدوان على الأقصى وتشكل صكّ بيعٍ له، ونداؤنا إلى الحركات والتيارات الشعبية أن تحافظ على الأقصى والقدس في صدارة وعيها واهتمامها، وأن لا تسمح بتمرير عدوانٍ سافر كهذا دون تحركٍ شعبي فاعلٍ ضده. 
 
        بيروت في 23-9-2021