الحفريات تحت مدينة القدس.. سرقة التاريخ وتشويه المعالم
الجزيرة نت
تعود أعمال الحفر أسفل المسجد الأقصى وفي محيطه إلى فترات زمنية متعددة، غير أنّ وتيرتها ارتفعت بشكل ملحوظ عقب احتلال إسرائيل مدينة القدس في نكسة يونيو/حزيران 1967. ومنذ ذلك التاريخ واصلت السلطات الإسرائيلية تنفيذ شبكات واسعة من الحفريات والأنفاق بتمويل من سلطة الآثار الإسرائيلية وعدد من الجمعيات الاستيطانية، وفي مقدمتها منظمة "إلعاد".
وتروج الرواية الإسرائيلية أن هذه الأنشطة تهدف إلى البحث عن آثار ما يُسمى بـ"مدينة الملك داود"، رغم عدم العثور على دلائل أثرية حاسمة تدعم هذه المزاعم.
وفي إطار توظيف هذه الأنفاق لأهداف دعائية، يقيم الاحتلال عروضا صوتية وبصرية لجذب الزوار، إلى جانب فعاليات تحاكي سردية "الهيكل" المزعوم.
• وفيما يلي أبرز المحطات التاريخية لتلك الحفريات:
أول بعثة تنقيب
شهدت مدينة القدس عام 1863 أول بعثة تنقيب فرنسية بقيادة عالم الآثار ديسولسي، وكشفت عن مقابر الملوك الواقعة خارج أسوار البلدة القديمة، وادّعت أنها تعود إلى حقبة "الملك داود"، التي يؤرخها اليهود بنحو 1000 قبل الميلاد، كما عثرت البعثة على مخطط مكتوب بالآرامية نُقل لاحقا إلى متحف اللوفر في باريس.
وبعد 4 أعوام بدأ "الصندوق البريطاني لاكتشاف آثار فلسطين"، الذي تأسس عام 1865، سلسلة من الحفريات الواسعة في عشرات المواقع بقيادة المهندس الكولونيل تشارلز وارن. وتمحورت تلك الأعمال حول المسجد الأقصى وبلدة سلوان بحثا عن بقايا "الهيكل" المزعوم.
كما أنشأت البعثة نفقا يبدأ بين بابي السلسلة والقطانين، بمحاذاة الجدار الغربي للحرم بطول 25 مترا وعرض 6 أمتار وصولا إلى سبيل قايتباي. وأثناء العمل اكتشفت آبارا مائية متصلة بنبع جيحون (عين سلوان) الواقع على مسافة 300 متر من سور الحرم، إضافة إلى العثور على نفق آخر قرب باب السلسلة.
وفي الفترة ذاتها، أجرى المهندس الألماني كونراد تشيك حفريات متعددة بالتعاون مع "صندوق استكشاف فلسطين"، وعثر على مواقع أثرية مهمة مثل مغارة سليمان وبركة بيت حسدا وقناة المياه الرومانية.
ومع مطلع القرن الـ20، نفّذ الأب فنسنت حفريات قرب نبع جيحون، واكتشف أروقة ومغارات منحوتة في الصخر تحتوي على أوانٍ فخارية تعود إلى القرن الثالث قبل الميلاد، ومن خلالها خلُص إلى أن التل الجنوبي الشرقي شكّل الموقع الأول للقدس، وأن نبع جيحون كان عاملا رئيسيا في جذب السكان للاستقرار فيه.
كما قادت بعثة بريطانية برئاسة الكابتن مونتغيو بارك أعمال تنقيب بين عامي 1909 و1911، امتدت إلى ما تحت قبة الصخرة، الأمر الذي أثار غضبا فلسطينيا واسعا أدى إلى وقف الحفريات، ودفع الدولة العثمانية إلى تشكيل لجنة تحقيق رسمية في تلك الأعمال.
أما فترة الانتداب البريطاني على فلسطين، فقد استمر "الصندوق البريطاني لاكتشاف آثار فلسطين" في إجراء حفريات بمحاذاة البلدة القديمة في القدس. وفي فترة الحكم الأردني بين عامي 1948 و1967، قادت عالمة الآثار البريطانية كاثلين كنيون أعمال تنقيب واسعة على الحدود الشرقية للبلدة القديمة بحثا عن طبقاتها التاريخية.
نكسة 1967
بعد احتلال القدس عام 1967، شرعت وزارة الخدمات الدينية الإسرائيلية في تنفيذ حفريات ضخمة أسفل الجدار الغربي للمسجد الأقصى باتجاه الشمال، امتدت حتى منطقة القصور الأموية، وتحوّلت بمرور الوقت إلى شبكة من الأنفاق العميقة والواسعة.
وأشار خبراء الشأن المقدسي إلى وجود عدد كبير من الحفريات والأنفاق المنتشرة تحت أسوار المسجد الأقصى وفي محيطه، ووصل بعضها إلى الطبقة الصخرية بعمق يقترب من 9 أمتار تحت أرضية المسجد، الأمر الذي يشكل تهديدا مباشرا لاستقراره الإنشائي.
كما يصعب توثيق حجم هذه الأنفاق بدقة، نظرا لسرية معظم عمليات الحفر واستمرارها بلا توقف.
ما بعد نكسة 1967
باشرت الجامعة العبرية أواخر عام 1967 تنفيذ حفريات واسعة جنوب المسجد الأقصى، امتدت بطول 70 مترا وبعمق يصل إلى 14 مترا تحت الحائط الجنوبي، وتشمل منطقة مسجد النساء والمتحف الإسلامي والمئذنة الفخرية. وتسببت هذه الأعمال في ظهور تشققات واضحة في الجدار الجنوبي وفي بعض أجزاء المسجد. وأثناء الحفر عُثر على آثار إسلامية تعود للعصر الأموي، إضافة إلى بقايا رومانية وبيزنطية.
لاحقا، واصل الاحتلال توسيع هذه الحفريات على مسافة إضافية بلغت نحو 80 مترا، واتجهت شمالا بمحاذاة المسجد حتى وصلت إلى باب المغاربة ثم امتدت أسفل الأبنية الإسلامية التابعة للزاوية الفخرية، مما أدى إلى تضرر هذه الأبنية بشكل بالغ ودفع الاحتلال إلى تجريفها وإخلاء سكانها. كما كُشف عن أجزاء من القصور الأموية، بما فيها الحجارة الضخمة التي تميز عمارتها.
وفي 1973 انطلقت حفريات جنوب شرق المسجد الأقصى استمرت مدة عام كامل، وامتدت نحو 80 مترا شرقا، واخترقت الحائط الجنوبي للمسجد ووصلت إلى الأروقة السفلية في 4 مواقع رئيسية:
• منطقة أسفل محراب المسجد الأقصى بامتداد داخلي يبلغ نحو 20 مترا.
• أسفل مسجد عمر.
• أسفل الأبواب الثلاثة المؤدية إلى الأروقة السفلية تحت المسجد.
• أسفل الأروقة الجنوبية الشرقية للأقصى.
وتم الوصول في بعض هذه المواضع إلى أعماق تتجاوز 13 مترا، ما أدى إلى تصدعات جديدة في الجدار الجنوبي نتيجة تفريغ التربة الملاصقة له إلى أعماق كبيرة، وهو ما فاقم المخاطر على استقرار البنية الإنشائية للمسجد الأقصى.
• أبرز الحفريات والأنفاق الإسرائيلية في القدس ومحيط الأقصى
النفق الغربي (الحشمونائيم)
بدأ الاحتلال بحفره عام 1970 وتوقف بعد 4 سنوات، ثم استؤنف العمل بين 1975 و1988. ويمتد النفق بطول يقارب 500 متر وبعمق يتراوح بين 11 و14 مترا، وينطلق من منطقة حائط البراق بمحاذاة الجدار الغربي للأقصى وصولا إلى طريق الآلام.
يمر النفق أسفل عدد من الأبواب والمباني التاريخية، وأدى إلى تصدعات في منشآت عديدة، منها الجامع العثماني ورباط كرد والمدرستان الجوهرية والمنجكية، إضافة إلى الزاوية الوفائية وعشرات المنازل.
في يوليو/تموز 1988 حاول الاحتلال فتح فتحة رأسية جديدة للنفق لكن المقدسيين منعوه. وفي سبتمبر/أيلول 1996 فتح الاحتلال سرا مخرجا ثانيا قرب مدرسة الروضة، مما فجّر مواجهات واسعة عُرفت بـ"هبة النفق". سعى الاحتلال عبر هذا المخرج إلى تحسين التهوية والإضاءة وإقامة كنيس داخل النفق.
نفق باب القطانين-سبيل قايتباي
في 21 أغسطس/آب 1981، أعاد الاحتلال الإسرائيلي فتح النفق الممتد من باب القطانين شرقا باتجاه قبة الصخرة، وهو النفق الذي كان الكولونيل وارن قد اكتشفه عام 1867.
ووصلت أعمال الحفر إلى منطقة بئر سبيل قايتباي داخل حدود المسجد الأقصى، مما دفع المقدسيين للاعتصام داخله ومنع استمرار الحفر.
كان الهدف من إعادة فتح النفق هو إيصال مساره إلى أسفل مبنى قبة الصخرة المشرفة، وبسبب التشققات التي ظهرت في الرواق الغربي للأقصى فوق موقع النفق، تدخلت دائرة الأوقاف الإسلامية وأغلقت مدخله بالخرسانة المسلحة لوقف التهديدات الإنشائية.
حفريات باب الأسباط (1982-1986): نفذها الاحتلال بزعم البحث عن "بركة إسرائيل"، لكنها لم تسفر عن أي اكتشافات أثرية.
حفريات قلعة باب الخليل (1975): جرت بجوار قسم شرطة "القشلة" وانتهت دون العثور على آثار.
حفريات منطقة النبي داود: استهدفت التحقق من نتائج "الصندوق البريطاني لاكتشاف آثار فلسطين" عام 1940.
حفريات حارة شرف (1967): وصلت إلى الطبقة الصخرية الأصلية، وادعى الاحتلال العثور على جدار يعود للملك حزقيا.
حفريات باب الغوانمة: بدأت أواخر تسعينيات القرن الـ20 باتجاه قبة الصخرة وتمر في بئري ماء من آبار المسجد الأقصى، مستهدفة الوصول إلى أساسات المبنى.
نفق حمام العين (2004): بدأ من أسفل وقف حمام العين في البلدة القديمة، وأنشئت قاعات واسعة تحت الأرض وتم ربطه بالنفق الغربي، بطول نحو 200 متر، بتمويل جمعية "عطيرة كوهنيم".
نفق قاعة سلسلة الأجيال (1999-2006): يمتد من الجهة الغربية الشمالية للأقصى ويضم 7 غرف تحت الأرض، بهدف الترويج لروايات تاريخية مزعومة.
نفق مغارة سلوان: تجويف صخري يمتد من يمين باب العامود نحو الشمال، على طول نحو 300 متر، مع مخرج طوارئ قرب باب الساهرة.
نفق سلوان الجديد (2006): قرب مجمع عين سلوان، يصل عمقه إلى 12 مترا، لربط جزأين من نفق سلوان.
نفق سلوان الشرقي (2007): يمتد أسفل حي سلوان باتجاه الشمال.
نفق وادي حلوة (2008): يبدأ من حي وادي حلوة ويتجه نحو وسط بلدة سلوان، ويلتقي لاحقا بنفق سلوان-وادي حلوة، ويشكلان معا نفقا واحدا بطول نحو 600 متر.
نفق وادي حلوة-الزاوية الجنوبية الغربية للأقصى: يبدأ من حي وادي حلوة ويمتد أسفل السور التاريخي وصولا للزاوية الجنوبية الغربية للأقصى، مع مخرج في منطقة القصور الأموية الغربية.
نفق درب الحجاج (2019): يمتد من البؤرة الاستيطانية "مدينة داود" في سلوان إلى حائط البراق، بطول 700 متر، ويُروّج له باعتباره مسارا للحجاج اليهود في إطار مخطط "الهيكل الثاني". افتتحه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في سبتمبر/أيلول 2025 بمشاركة وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو.
ربط "مدينة داود" بثلاثة أنفاق (2015): أنشئت لتوصيل المدينة بالقصور الأموية وساحة البراق، تمهيدا لإقامة ما يُسمى بـ"مطاهر الهيكل".
النفق اليبوسي: نفق صخري ومائي يتفرع من أسفل هضبة سلوان وينتهي في حي البستان، بطول نحو 350 مترا.
القائمون على الحفريات الإسرائيلية
أسهمت مؤسسات رسمية وجمعيات استيطانية إسرائيلية في تنفيذ الحفريات حول المسجد الأقصى، ودعمتها وأشرفت على علماء الآثار المشاركين فيها. ومن أبرز تلك الجهات:
سلطة الآثار الإسرائيلية: وهي الجهة الرسمية المسؤولة عن التنقيب وحفظ الآثار، وتشجع الجمعيات الاستيطانية على إجراء حفريات تحت المسجد الأقصى ومحيطه، مع توفير الدعم اللازم لها.
جمعية "إلعاد": تعمل في بلدة سلوان وتمول الحفريات الإسرائيلية في مناطق مختلفة، وتسعى للسيطرة على أراضي الفلسطينيين ومنازلهم عبر المال أو التحايل القانوني، بزعم البحث عن "مدينة داود" التاريخية المزعومة. وتنفذ حفريات متعددة بلا إشراف مباشر من سلطة الآثار، وبتمويل كبير من وزارات إسرائيلية مختلفة، أبرزها حفريات "غفعاتي" قرب سور البلدة القديمة.
جمعية "عطيرة كوهنيم": واحدة من أبرز الجمعيات الاستيطانية التي تموّل الحفريات في القدس، بهدف تعزيز الوجود اليهودي وتغيير الطابع التاريخي والديني للمدينة، خصوصا في محيط المسجد الأقصى وحي سلوان.
صندوق "إرث المبكى": يدير ويشرف على الحفريات أسفل المسجد الأقصى ومحيطه، بما في ذلك النفق الغربي منذ 2004 وحفريات منطقة البراق، ويشارك في تزوير وربط الآثار بتاريخ اليهود. يُموّل الصندوق من الحكومة الإسرائيلية وتبرعات جمعيات صهيونية حول العالم.
• أهداف الاحتلال من الحفريات
البحث عن آثار يهودية تُظهر وجودا تاريخيا لليهود في القدس.
البحث عن دلائل على وجود "الهيكل" الأول أو الثاني، تمهيدا للترويج لفكرة بناء "الهيكل الثالث" المزعوم.
حفريات تطال اسوار الاقصى الملاصقة للقصور الاموية
حفريات إسرائيلية حول أسوار الأقصى الملاصقة للقصور الأموية (الجزيرة)
صياغة تاريخ عبري موهوم وذلك بربط الموجودات الأثرية بالحقبة العبرية، لتعزيز الرواية الإسرائيلية حول القدس.
تهويد محيط المسجد الأقصى وإخفاء معالمه الحضارية والتاريخية.
طمس وتدمير الآثار الإسلامية والعربية.
جذب اليهود إلى فلسطين لتثبيت الحضور اليهودي.
إقامة مدينة يهودية تاريخية في القدس.
بناء كنس يهودية ومزارات تلمودية أسفل المسجد الأقصى.
تهديد سلامة الإنشاءات في المسجد الأقصى بهدف محاولة هدمه.
تثبيت السيطرة الإسرائيلية على ظاهر الأرض وباطنها.
• المخاطر المرتبطة بالحفريات الإسرائيلية حول الأقصى
تهديد سلامة أساسات المسجد الأقصى، ما قد يؤدي إلى انهياره في أي لحظة.
محاولة محو التاريخ العربي والإسلامي في القدس.
سرقة الآثار الإسلامية والمسيحية والعربية التي يتم اكتشافها أثناء الحفريات.
تدمير طبقات أثرية تعود للفترات العربية والإسلامية.
إحداث تشققات وانهيارات في مباني البلدة القديمة وحي سلوان.
تحويل المنطقة أسفل المسجد الأقصى إلى منشآت استيطانية تخدم المشروع الصهيوني.
ردود فعل فلسطينية
في 7 أبريل/نيسان 2016، أكد مدير المسجد الأقصى المبارك الشيخ عمر الكسواني أن دائرة الأوقاف الإسلامية تجمع المعلومات حول الحفريات وترفعها إلى وزارة الأوقاف الأردنية، التي تتواصل مع وزارة الخارجية لممارسة الضغط الدبلوماسي لوقف أعمال الحفر والاعتداء على الآثار والأقصى والبلدة القديمة.
وفي يوليو/تموز 2017 أدانت لجنة التراث العالمي التابعة لـ"اليونسكو" أعمال الحفر التي تنفذها دائرة الآثار الإسرائيلية في القدس.
وفي 22 أكتوبر/تشرين الأول 2025، حذرت محافظة القدس من خطورة هذه الحفريات، مؤكدة أنها تستهدف المعالم الفلسطينية التاريخية والدينية وتخالف قانون "الوضع القائم".
وأضافت أن هذه الأعمال تهدف إلى فرض السيطرة الإسرائيلية على المقدسات، وتهدد مستقبل المدينة وهويتها الفلسطينية، ضمن مشروع سياسي طويل الأمد لتهويد المدينة القديمة وتغيير معالمها.
الجزيرة نت
تعود أعمال الحفر أسفل المسجد الأقصى وفي محيطه إلى فترات زمنية متعددة، غير أنّ وتيرتها ارتفعت بشكل ملحوظ عقب احتلال إسرائيل مدينة القدس في نكسة يونيو/حزيران 1967. ومنذ ذلك التاريخ واصلت السلطات الإسرائيلية تنفيذ شبكات واسعة من الحفريات والأنفاق بتمويل من سلطة الآثار الإسرائيلية وعدد من الجمعيات الاستيطانية، وفي مقدمتها منظمة "إلعاد".
وتروج الرواية الإسرائيلية أن هذه الأنشطة تهدف إلى البحث عن آثار ما يُسمى بـ"مدينة الملك داود"، رغم عدم العثور على دلائل أثرية حاسمة تدعم هذه المزاعم.
وفي إطار توظيف هذه الأنفاق لأهداف دعائية، يقيم الاحتلال عروضا صوتية وبصرية لجذب الزوار، إلى جانب فعاليات تحاكي سردية "الهيكل" المزعوم.
• وفيما يلي أبرز المحطات التاريخية لتلك الحفريات:
أول بعثة تنقيب
شهدت مدينة القدس عام 1863 أول بعثة تنقيب فرنسية بقيادة عالم الآثار ديسولسي، وكشفت عن مقابر الملوك الواقعة خارج أسوار البلدة القديمة، وادّعت أنها تعود إلى حقبة "الملك داود"، التي يؤرخها اليهود بنحو 1000 قبل الميلاد، كما عثرت البعثة على مخطط مكتوب بالآرامية نُقل لاحقا إلى متحف اللوفر في باريس.
وبعد 4 أعوام بدأ "الصندوق البريطاني لاكتشاف آثار فلسطين"، الذي تأسس عام 1865، سلسلة من الحفريات الواسعة في عشرات المواقع بقيادة المهندس الكولونيل تشارلز وارن. وتمحورت تلك الأعمال حول المسجد الأقصى وبلدة سلوان بحثا عن بقايا "الهيكل" المزعوم.
كما أنشأت البعثة نفقا يبدأ بين بابي السلسلة والقطانين، بمحاذاة الجدار الغربي للحرم بطول 25 مترا وعرض 6 أمتار وصولا إلى سبيل قايتباي. وأثناء العمل اكتشفت آبارا مائية متصلة بنبع جيحون (عين سلوان) الواقع على مسافة 300 متر من سور الحرم، إضافة إلى العثور على نفق آخر قرب باب السلسلة.
وفي الفترة ذاتها، أجرى المهندس الألماني كونراد تشيك حفريات متعددة بالتعاون مع "صندوق استكشاف فلسطين"، وعثر على مواقع أثرية مهمة مثل مغارة سليمان وبركة بيت حسدا وقناة المياه الرومانية.
ومع مطلع القرن الـ20، نفّذ الأب فنسنت حفريات قرب نبع جيحون، واكتشف أروقة ومغارات منحوتة في الصخر تحتوي على أوانٍ فخارية تعود إلى القرن الثالث قبل الميلاد، ومن خلالها خلُص إلى أن التل الجنوبي الشرقي شكّل الموقع الأول للقدس، وأن نبع جيحون كان عاملا رئيسيا في جذب السكان للاستقرار فيه.
كما قادت بعثة بريطانية برئاسة الكابتن مونتغيو بارك أعمال تنقيب بين عامي 1909 و1911، امتدت إلى ما تحت قبة الصخرة، الأمر الذي أثار غضبا فلسطينيا واسعا أدى إلى وقف الحفريات، ودفع الدولة العثمانية إلى تشكيل لجنة تحقيق رسمية في تلك الأعمال.
أما فترة الانتداب البريطاني على فلسطين، فقد استمر "الصندوق البريطاني لاكتشاف آثار فلسطين" في إجراء حفريات بمحاذاة البلدة القديمة في القدس. وفي فترة الحكم الأردني بين عامي 1948 و1967، قادت عالمة الآثار البريطانية كاثلين كنيون أعمال تنقيب واسعة على الحدود الشرقية للبلدة القديمة بحثا عن طبقاتها التاريخية.
نكسة 1967
بعد احتلال القدس عام 1967، شرعت وزارة الخدمات الدينية الإسرائيلية في تنفيذ حفريات ضخمة أسفل الجدار الغربي للمسجد الأقصى باتجاه الشمال، امتدت حتى منطقة القصور الأموية، وتحوّلت بمرور الوقت إلى شبكة من الأنفاق العميقة والواسعة.
وأشار خبراء الشأن المقدسي إلى وجود عدد كبير من الحفريات والأنفاق المنتشرة تحت أسوار المسجد الأقصى وفي محيطه، ووصل بعضها إلى الطبقة الصخرية بعمق يقترب من 9 أمتار تحت أرضية المسجد، الأمر الذي يشكل تهديدا مباشرا لاستقراره الإنشائي.
كما يصعب توثيق حجم هذه الأنفاق بدقة، نظرا لسرية معظم عمليات الحفر واستمرارها بلا توقف.
ما بعد نكسة 1967
باشرت الجامعة العبرية أواخر عام 1967 تنفيذ حفريات واسعة جنوب المسجد الأقصى، امتدت بطول 70 مترا وبعمق يصل إلى 14 مترا تحت الحائط الجنوبي، وتشمل منطقة مسجد النساء والمتحف الإسلامي والمئذنة الفخرية. وتسببت هذه الأعمال في ظهور تشققات واضحة في الجدار الجنوبي وفي بعض أجزاء المسجد. وأثناء الحفر عُثر على آثار إسلامية تعود للعصر الأموي، إضافة إلى بقايا رومانية وبيزنطية.
لاحقا، واصل الاحتلال توسيع هذه الحفريات على مسافة إضافية بلغت نحو 80 مترا، واتجهت شمالا بمحاذاة المسجد حتى وصلت إلى باب المغاربة ثم امتدت أسفل الأبنية الإسلامية التابعة للزاوية الفخرية، مما أدى إلى تضرر هذه الأبنية بشكل بالغ ودفع الاحتلال إلى تجريفها وإخلاء سكانها. كما كُشف عن أجزاء من القصور الأموية، بما فيها الحجارة الضخمة التي تميز عمارتها.
وفي 1973 انطلقت حفريات جنوب شرق المسجد الأقصى استمرت مدة عام كامل، وامتدت نحو 80 مترا شرقا، واخترقت الحائط الجنوبي للمسجد ووصلت إلى الأروقة السفلية في 4 مواقع رئيسية:
• منطقة أسفل محراب المسجد الأقصى بامتداد داخلي يبلغ نحو 20 مترا.
• أسفل مسجد عمر.
• أسفل الأبواب الثلاثة المؤدية إلى الأروقة السفلية تحت المسجد.
• أسفل الأروقة الجنوبية الشرقية للأقصى.
وتم الوصول في بعض هذه المواضع إلى أعماق تتجاوز 13 مترا، ما أدى إلى تصدعات جديدة في الجدار الجنوبي نتيجة تفريغ التربة الملاصقة له إلى أعماق كبيرة، وهو ما فاقم المخاطر على استقرار البنية الإنشائية للمسجد الأقصى.
• أبرز الحفريات والأنفاق الإسرائيلية في القدس ومحيط الأقصى
النفق الغربي (الحشمونائيم)
بدأ الاحتلال بحفره عام 1970 وتوقف بعد 4 سنوات، ثم استؤنف العمل بين 1975 و1988. ويمتد النفق بطول يقارب 500 متر وبعمق يتراوح بين 11 و14 مترا، وينطلق من منطقة حائط البراق بمحاذاة الجدار الغربي للأقصى وصولا إلى طريق الآلام.
يمر النفق أسفل عدد من الأبواب والمباني التاريخية، وأدى إلى تصدعات في منشآت عديدة، منها الجامع العثماني ورباط كرد والمدرستان الجوهرية والمنجكية، إضافة إلى الزاوية الوفائية وعشرات المنازل.
في يوليو/تموز 1988 حاول الاحتلال فتح فتحة رأسية جديدة للنفق لكن المقدسيين منعوه. وفي سبتمبر/أيلول 1996 فتح الاحتلال سرا مخرجا ثانيا قرب مدرسة الروضة، مما فجّر مواجهات واسعة عُرفت بـ"هبة النفق". سعى الاحتلال عبر هذا المخرج إلى تحسين التهوية والإضاءة وإقامة كنيس داخل النفق.
نفق باب القطانين-سبيل قايتباي
في 21 أغسطس/آب 1981، أعاد الاحتلال الإسرائيلي فتح النفق الممتد من باب القطانين شرقا باتجاه قبة الصخرة، وهو النفق الذي كان الكولونيل وارن قد اكتشفه عام 1867.
ووصلت أعمال الحفر إلى منطقة بئر سبيل قايتباي داخل حدود المسجد الأقصى، مما دفع المقدسيين للاعتصام داخله ومنع استمرار الحفر.
كان الهدف من إعادة فتح النفق هو إيصال مساره إلى أسفل مبنى قبة الصخرة المشرفة، وبسبب التشققات التي ظهرت في الرواق الغربي للأقصى فوق موقع النفق، تدخلت دائرة الأوقاف الإسلامية وأغلقت مدخله بالخرسانة المسلحة لوقف التهديدات الإنشائية.
حفريات باب الأسباط (1982-1986): نفذها الاحتلال بزعم البحث عن "بركة إسرائيل"، لكنها لم تسفر عن أي اكتشافات أثرية.
حفريات قلعة باب الخليل (1975): جرت بجوار قسم شرطة "القشلة" وانتهت دون العثور على آثار.
حفريات منطقة النبي داود: استهدفت التحقق من نتائج "الصندوق البريطاني لاكتشاف آثار فلسطين" عام 1940.
حفريات حارة شرف (1967): وصلت إلى الطبقة الصخرية الأصلية، وادعى الاحتلال العثور على جدار يعود للملك حزقيا.
حفريات باب الغوانمة: بدأت أواخر تسعينيات القرن الـ20 باتجاه قبة الصخرة وتمر في بئري ماء من آبار المسجد الأقصى، مستهدفة الوصول إلى أساسات المبنى.
نفق حمام العين (2004): بدأ من أسفل وقف حمام العين في البلدة القديمة، وأنشئت قاعات واسعة تحت الأرض وتم ربطه بالنفق الغربي، بطول نحو 200 متر، بتمويل جمعية "عطيرة كوهنيم".
نفق قاعة سلسلة الأجيال (1999-2006): يمتد من الجهة الغربية الشمالية للأقصى ويضم 7 غرف تحت الأرض، بهدف الترويج لروايات تاريخية مزعومة.
نفق مغارة سلوان: تجويف صخري يمتد من يمين باب العامود نحو الشمال، على طول نحو 300 متر، مع مخرج طوارئ قرب باب الساهرة.
نفق سلوان الجديد (2006): قرب مجمع عين سلوان، يصل عمقه إلى 12 مترا، لربط جزأين من نفق سلوان.
نفق سلوان الشرقي (2007): يمتد أسفل حي سلوان باتجاه الشمال.
نفق وادي حلوة (2008): يبدأ من حي وادي حلوة ويتجه نحو وسط بلدة سلوان، ويلتقي لاحقا بنفق سلوان-وادي حلوة، ويشكلان معا نفقا واحدا بطول نحو 600 متر.
نفق وادي حلوة-الزاوية الجنوبية الغربية للأقصى: يبدأ من حي وادي حلوة ويمتد أسفل السور التاريخي وصولا للزاوية الجنوبية الغربية للأقصى، مع مخرج في منطقة القصور الأموية الغربية.
نفق درب الحجاج (2019): يمتد من البؤرة الاستيطانية "مدينة داود" في سلوان إلى حائط البراق، بطول 700 متر، ويُروّج له باعتباره مسارا للحجاج اليهود في إطار مخطط "الهيكل الثاني". افتتحه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في سبتمبر/أيلول 2025 بمشاركة وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو.
ربط "مدينة داود" بثلاثة أنفاق (2015): أنشئت لتوصيل المدينة بالقصور الأموية وساحة البراق، تمهيدا لإقامة ما يُسمى بـ"مطاهر الهيكل".
النفق اليبوسي: نفق صخري ومائي يتفرع من أسفل هضبة سلوان وينتهي في حي البستان، بطول نحو 350 مترا.
القائمون على الحفريات الإسرائيلية
أسهمت مؤسسات رسمية وجمعيات استيطانية إسرائيلية في تنفيذ الحفريات حول المسجد الأقصى، ودعمتها وأشرفت على علماء الآثار المشاركين فيها. ومن أبرز تلك الجهات:
سلطة الآثار الإسرائيلية: وهي الجهة الرسمية المسؤولة عن التنقيب وحفظ الآثار، وتشجع الجمعيات الاستيطانية على إجراء حفريات تحت المسجد الأقصى ومحيطه، مع توفير الدعم اللازم لها.
جمعية "إلعاد": تعمل في بلدة سلوان وتمول الحفريات الإسرائيلية في مناطق مختلفة، وتسعى للسيطرة على أراضي الفلسطينيين ومنازلهم عبر المال أو التحايل القانوني، بزعم البحث عن "مدينة داود" التاريخية المزعومة. وتنفذ حفريات متعددة بلا إشراف مباشر من سلطة الآثار، وبتمويل كبير من وزارات إسرائيلية مختلفة، أبرزها حفريات "غفعاتي" قرب سور البلدة القديمة.
جمعية "عطيرة كوهنيم": واحدة من أبرز الجمعيات الاستيطانية التي تموّل الحفريات في القدس، بهدف تعزيز الوجود اليهودي وتغيير الطابع التاريخي والديني للمدينة، خصوصا في محيط المسجد الأقصى وحي سلوان.
صندوق "إرث المبكى": يدير ويشرف على الحفريات أسفل المسجد الأقصى ومحيطه، بما في ذلك النفق الغربي منذ 2004 وحفريات منطقة البراق، ويشارك في تزوير وربط الآثار بتاريخ اليهود. يُموّل الصندوق من الحكومة الإسرائيلية وتبرعات جمعيات صهيونية حول العالم.
• أهداف الاحتلال من الحفريات
البحث عن آثار يهودية تُظهر وجودا تاريخيا لليهود في القدس.
البحث عن دلائل على وجود "الهيكل" الأول أو الثاني، تمهيدا للترويج لفكرة بناء "الهيكل الثالث" المزعوم.
حفريات تطال اسوار الاقصى الملاصقة للقصور الاموية
حفريات إسرائيلية حول أسوار الأقصى الملاصقة للقصور الأموية (الجزيرة)
صياغة تاريخ عبري موهوم وذلك بربط الموجودات الأثرية بالحقبة العبرية، لتعزيز الرواية الإسرائيلية حول القدس.
تهويد محيط المسجد الأقصى وإخفاء معالمه الحضارية والتاريخية.
طمس وتدمير الآثار الإسلامية والعربية.
جذب اليهود إلى فلسطين لتثبيت الحضور اليهودي.
إقامة مدينة يهودية تاريخية في القدس.
بناء كنس يهودية ومزارات تلمودية أسفل المسجد الأقصى.
تهديد سلامة الإنشاءات في المسجد الأقصى بهدف محاولة هدمه.
تثبيت السيطرة الإسرائيلية على ظاهر الأرض وباطنها.
• المخاطر المرتبطة بالحفريات الإسرائيلية حول الأقصى
تهديد سلامة أساسات المسجد الأقصى، ما قد يؤدي إلى انهياره في أي لحظة.
محاولة محو التاريخ العربي والإسلامي في القدس.
سرقة الآثار الإسلامية والمسيحية والعربية التي يتم اكتشافها أثناء الحفريات.
تدمير طبقات أثرية تعود للفترات العربية والإسلامية.
إحداث تشققات وانهيارات في مباني البلدة القديمة وحي سلوان.
تحويل المنطقة أسفل المسجد الأقصى إلى منشآت استيطانية تخدم المشروع الصهيوني.
ردود فعل فلسطينية
في 7 أبريل/نيسان 2016، أكد مدير المسجد الأقصى المبارك الشيخ عمر الكسواني أن دائرة الأوقاف الإسلامية تجمع المعلومات حول الحفريات وترفعها إلى وزارة الأوقاف الأردنية، التي تتواصل مع وزارة الخارجية لممارسة الضغط الدبلوماسي لوقف أعمال الحفر والاعتداء على الآثار والأقصى والبلدة القديمة.
وفي يوليو/تموز 2017 أدانت لجنة التراث العالمي التابعة لـ"اليونسكو" أعمال الحفر التي تنفذها دائرة الآثار الإسرائيلية في القدس.
وفي 22 أكتوبر/تشرين الأول 2025، حذرت محافظة القدس من خطورة هذه الحفريات، مؤكدة أنها تستهدف المعالم الفلسطينية التاريخية والدينية وتخالف قانون "الوضع القائم".
وأضافت أن هذه الأعمال تهدف إلى فرض السيطرة الإسرائيلية على المقدسات، وتهدد مستقبل المدينة وهويتها الفلسطينية، ضمن مشروع سياسي طويل الأمد لتهويد المدينة القديمة وتغيير معالمها.