كتاب يرصد منجزات الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال

  • الجمعة 22, يوليو 2022 12:57 م
  • كتاب يرصد منجزات الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال
المبدعون هم ثروة الأوطان التي يجب على الأمة رعايتهم، وبث روح الأمل فيهم، وإطلاق العنان لإبداعاتهم واستثمارها، وفق ضوابط تحميهم من أي استغلال لغير صالح الإنسانية، فبين العقل والفكر وحسن استخدام الموهبة علاقة وطيدة
كتاب يرصد منجزات الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال
عربي 21
الكتاب: الجوانب الإبداعية للأسرى الفلسطينيين في الفترة 1985-2015م
الكاتب: رأفت خليل حمدونة.
المبدعون هم ثروة الأوطان التي يجب على الأمة رعايتهم، وبث روح الأمل فيهم، وإطلاق العنان لإبداعاتهم واستثمارها، وفق ضوابط تحميهم من أي استغلال لغير صالح الإنسانية، فبين العقل والفكر وحسن استخدام الموهبة علاقة وطيدة، تحتاج لدعم مادي ومعنوي، كيف لا والمبدعون الذين نتحدث عنهم رهن الاعتقال تحولت حياتهم، تحت قبض السجان الإسرائيلي، الذي يدرك جيداً بأن الصراع مع الأسرى الفلسطينيون هو صراع بين عقول ضحت بأغلى ما تملك لأجل الوطن، وحماية مقدسات تنتهك على مرآي ومسمع العالم، وعلى كلا فإن الصراع بين العقول المحتلة والمقاومة سينتهي لصالح صاحب الحق، وما الانتصارات المؤقتة للمحتل سوى وهم زائل، لن يطول.
ما ميز دراسة الكاتب حمدونة أنه وضع دراسة مختلفة نوعياً في المحتوى والمضمون، بعيداً عن التعاطي مع قضية الأسرى بالكثير من البكائيات، وإبراز جانب من الانتهاكات والعذابات التي كتب عنها العديد، فتحولت في ذهن المتابع والمتضامن الفلسطيني، والعربي والدولي إلى شيء مألوف، وغير جذاب، وغير منصف في آن واحد، تلك الصورة النمطية التي غيبت مئات الإضاءات والإشراقات والإبداعات والانتصارات التي تألق بها الأسرى والأسيرات، فسطرها الكاتب في دراسته للإجابة على سؤال رواده دوماً هل أبدع الأسرى خلال اعتقالهم، وتكيفوا مع واقع الاعتقال؟، وهل كانت أجسادهم صامتة في وجه الإجراءات والعقوبات التي يفرضها السجان لتحطيم معنوياتهم وللحيلولة دون تطوير امكانياتهم وقدراتهم.
استند الكاتب في دراسته على التجربة التي عاش معظمها في السجون الإسرائيلية فكان شاهداً عليها لمدة خمسة عشر عاماً، واعتمد أسلوب الشهادات الحية للأسرى والأسيرات وهي شهادة موثقة لديه، فقدم رواياتهم الشفوية كمادة تاريخية وثائقية بين دفتي كتابه.
رصد الكاتب في الفصل الأول الحركة الفلسطينية الاسيرة ومراحل تطورها، وتضمن مظاهر تضييق السجان على الأسرى الفلسطينيين، والوسائل النضالية للأسرى كحالة إبداع في مواجهة الاحتلال، ومحاولات السجان طمس الجوانب الإبداعية للأسرى.
تعد سجون الاحتلال الإسرائيلي من أقسى السجون في العالم نظراً لظروف الاعتقال بداخلها، فهي تعد من أسوأ عشر سجن على مستوى العالم؛ جراء التحقيق والتعذيب والقتل المنظم للأسرى باستخدام الأسلحة الحية، وسوء الطعام والتفتيش العارية، الاقتحامات الليلة، والاستهتار الطبي، وانتشار الحشرات، ورفض الكاتب تشبيه السجون الإسرائيلية بسجن الباستيل الفرنسي" إن استخدام مصطلح البلاستيلات الصهيونية نسبة إلى سجن الباستيل، الذي أنشأ في فرنسا بين عامي 1370- 1383م، كحصن للدفاع عن باريس، ومن ثم كسجن للمعارضة السياسيين والمحرضين على الدولة والجناة أخلاقياً، يعد قليل من قسوة الحياة في السجون الإسرائيلية" (ص47).
مُنع الأسرى من امتلاك الأوراق، والأقلام أو الكتب وضبط ما بحوزته، وكانت غرفهم تتعرض لتفتيش الدقيق ليتم خلالها قلب الغرف، وتحطيم محتوياتها، والعبث بأغراض وملابس الأسرى الأخرين(ص48) غير المعاملة غير الإنسانية، بتشغيل الأسرى وفق نظام السخرة بهدف الاستغلال والإذلال، والمهانة التي تمنع أي شكل من أشكال الإبداع.
رصد الكاتب مرحلة النضال الشامل وتحقيق الإنجازات والإنتصارات على السجان "حاولت إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية في أعقاب عملية التبادل عام 1985م، أن تنال من الحركة الوطنية الأسيرة؛ بسبب تحرير عدد كبير من قيادات السجوان الكوادر، والالتفاف عما حققه الأسرى من إنجازات مهمة جداً كنتيجة لإضراب نفحة 1980، الذي حقق إدخال التلفاز، والراديو وإدخال الكتب، والحرامات والملابس، فبدأ بحملة قمع، وفرض الإجراءات الخانقة والمذلة؛ لتصبح الحركة الأسيرة في موقف الدفاع عن منجزاتها التي حققتها بالتضحيات الغالية" (ص53).
أطلق الكاتب على وضع الأسرى بعد توقيع اتفاق أوسلو، في الفترة 1994 ـ 2000م، مرحلة النضال السياسي، إذا ارتفعت توقعات الأسرى بالإفراج عنهم وفق التسوية سياسية، ولذلك تراجعت مواجهتهم للسجان الإسرائيلي "تراجعت الاهتمامات على المستوى النضالي والاعتقالي، فتعطلت البرامج الثقافية والتنظيمية والأمنية نزولاً عن ترتيبات الإفراج المتتالية، وتواصل تعليق البرامج بانتظار المزيد من الإفراجات... فأدركت مصلحة السجون العامة أنها أمام واقع جديد يمكنها من استعادة ما انتزع منها خلال السنوات الماضية"(ص55)، لذلك شهدت تلك المرحلة موجة من العزل لعدد كبير من الأسرى والقيادات، واستفحل الأمر مع التضييق عليهم بالزيارات، الامر الذي قبول بالإضراب العام داخل السجون بتاريخ 1/5/2000م.
تصدر الأسرى المشهد السياسي الفلسطيني، مع وقوع الانقسام بين شقي الوطن، وطرحت قيادة الحركة الأسيرة، وثيقة الأسرى التي سميت وثيقة الوفاق 27/6/2007م؛ لوقف الاقتتال وهدر الدم الفلسطيني، وقابل الاحتلال ذلك "بهجمة شرسة غير مسبوقة من إدارة السجون بالتعاون مع أجهزة الأمن الإسرائيلية عليهم، مستغلة حالة الانقسام الفلسطيني في خارج السجون، وقامت بفرض واقع مشابه داخله، وقامت بفصل الأسرى وصنفتهم تنظيمياً وخاصة أسرى حركتي فتح وحماس".
أبدع الأسرى الفلسطينيون في استخدام احتجاجات سلمية وعنيفة متنوعة لتحصيل حقوقهم، ولعل أحد أهم المظاهر الإبداعية للأسرى، تسلحهم بعدالة قضيتهم، واحتكامهم للقانون الدولي والإنساني في عملية الرفض، والاحتراف في المواجهة، من خلال مناقشة جماعية مستفيضة(ص78)، وقد وضع الاحتلال العديد من العوائق لطمس الجوانب الإبداعية للحركة الأسيرة، إذ تعاملت دول الاحتلال مع الأسرى الفلسطينيين كإرهابين لا مناضلين طلاب حرية، وأسرى حرب أو معتقلين مدنيين محتجزين على أثر قضية سياسية.
استشهد (207) أسيراً فلسطينياً خلال الفترة ما بين1967- 2015م، منهم (71) أسير تحت التعذيب، ونحو(55) نتيجة الإهمال الطبي، وسوء الرعايا الصحية، و7 آخرين، ارتقوا جراء إصابتهم برصاصات قاتلة، إضافة إلى 74 أسير استشهدوا جراء قتلهم عمداً، وتصفيتهم جسدياً بعد اعتقالهم إلى جانب استهداف الأسير نفسياً بممارسة التعذيب النفسي، تحت الضغط وبالتهديد والوعيد، الأحكام العالية لقتل الإبداع لديهم، والعزل الانفرادي، وعدم تواصله مع محيطه عبر منع الزيارة عنه لمدة تزيد عن خمس سنوات( ص81)، على أن الأسرى لم يبقوا مكتوفي الأيدي عاجزين مستكينين، بل استخدموا الكثير من الوسائل النضالية داخل معتقلاتهم.
طرح الكاتب في الفصل الثاني العوامل التي ساهمت في تنمية الإبداع لدى الحركة الفلسطينية الأسيرة، الهياكل والمؤسسات التي ابدعها الأسرى لموجهة السجان الإسرائيلي، دور الحركة الأسيرة في تعزيز الجوانب الإبداعية، انعكاس المتغيرات السياسة على واقع الأسرى وانجازاتهم.
سعت دولة الاحتلال منذ بداية الاعتقال إلى تفريغ الأسرى من محتواهم النضالي، وذلك بالعمل على كسر إرادتهم الوطنية، وتحطيم روحهم المعنوية، وجعلهم يعيدوا التفكير بما فعلوا، وفيما اعتقدوا، ونقلهم من الموقع الوطني النضالي الفاعل إلى موقع اليأس الضياع الخنوع؛ إلا أن الأسرى صدموا المحتل بأدواتهم النضالية داخل الأسر للدفاع عن حقوقهم وذواتهم وأفكارهم وطموحهم.
العوامل التي ساهمت في تنمية الابداع لدى الحركة الأسيرة باستغلال الوقت، وبناء الذات الثورية، وتقوية العلاقات الفصائلية داخل السجن، وتعزيز مفهوم النقد الذاتي، والانضباط والرقابة وتشكيل المؤسسة التنظيمية التي ارتقى للوصول إليها العديد من شهداء" لقد تحمل الأسرى الكثير من العذابات في السجون الإسرائيلية، وسقط منهم عشرات الشهداء من أجل بلورة أشكال وهياكل تنظيمية، وسعوا للحفاظ على الذات التنظيمية وتطويرها، وكانوا على يقين أن تماسكهم وتنظيمهم يمنحهم قوة في مواجهة إدارة السجون" (ص93)، وغلبت هنا المصالح الوطنية العليا على الأنا والذاتية والشخاصنية، والحزبية أيضاً.
على صعيد أخر ناقش الكاتب الحالة الثقافية والتعليمية في السجون، بين صفحات الفصل الثالث، وتعرض لأدب السجون، وخصائصه ومميزاته، والمسيرة التعليمية للأسرى في السجون، وأبرز مظاهر الإبداع.
قديما قال اسحق رابين: "سنجعل من المعتقل وسيلة لتخريب هؤلاء الفلسطينيين"، ولذلك أعدت إدارة السجون الإسرائيلية، الطواقم المتخصصة والمدربة؛ لتحطيم الروح المعنوي للمناضلين وتفريغهم من محتواهم الثقافي، وتحويل السجون إلى مقابر جماعية للأسرى، وظيفتها قتل الروح الثورية، ودفعهم للندم على انتمائهم، وفي النهاية توبتهم وخلق انسان مختلف تماماً، انسان خانع مستسلم للواقع وللقوة والسيطرة الصهيونية، مقتنع بعبثية النضالي الوطني(137)، واتبعت في سبيل تحقيق ذلك" محاولات الاسقاط الأمني، والأخلاقي وضرب الأطر التنظيمية، وافتعال الأحداث، وإثارة الفوضى، ونشر الإشاعة، واستخدام وسائل ردعية وغير انسانية".
أما في الجانب الثقافي فيشير "وضعت إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية تجاه الأسرى استراتيجية تتلخص بتقويض قدراتهم، وإخراجهم عبئاً على مجتمعاتهم، وتفننت تلك الإدارة بالاشتراك مع المخابرات بابتكار أوسع الأساليب لتنفيذها"، عبر منع الدفتر، والأقلام والكتابة التي يمكن للأسير التفريغ النفسي من خلالها، ومُنعت الكتب التي تنسجم وتتوافق مع توجهات التفريغ، واستفادت إدارة السجون، من الخبراء والمختصين في العلوم السياسية وعلم النفس والاجتماع، وأحضرتهم للمعتقلات لإلقاء محاضرات وندوات وحوارات؛ بهدف التشكيك في كل ما يتعلق بالشعب الفلسطيني وتقاليد وثقافة وانتماء، وجعل الثقافة الإسرائيلية هي نافذة الاطلاع الوحيدة للأسرى (ص145).
كثيرة هي مظاهر ابداع الأسرى في السجون، التي طرحها حمدونة في الفصل الرابع، على صعيد إنجازاتهم الشخصية وبلورة المواقف، والخطوات النضالية والتجارب الإعتقالية في مواجهة السجان بالإضراب المفتوح عن الطعام، أو ما يعرف بمعركة الامعاء الخاوية، أو المعركة الاستراتيجية في السجون" هو امتناع المعتقل عن تناول كافة أصناف، وأشكال المواد الغذائية الموجودة في متناول الأسرى باستثناء الماء وقليل من الملح"، ومما لا شك فيه أن هذه المعركة تشكل خطوة بالغة الخطورة والأقسى، التي يلجأ اليها المعتقل بعد نفاذ كافة الخطوات النضالية التكتيكية الأخرى وعدم الاستجابة لمطالبهم عبر الحوار المفتوح بين سلطة الاحتلال، واللجنة النضالية الخاصة بالمعتقلين (ص190).
شكلت ظاهرة النطف المهربة حالة نضالية مستجدة بين أوساط الأسرى المتزوجين لإنجاب أطفال سفراء الحرية، أو ما عرف بالإنجاب من داخل السجون، "جميعها مسميات تدل على أحدث معركة انسانية مستجدة لصناعة الحياة، حكاية بدأت بفكرة، وانتهت بحقيقة رغم كل قيود الاحتلال، معركة اعتمدت على حرب الأدمغة بين الأسرى والسجان، قوامها التطلع للحياة بعين متفائلة" (ص200).
برزت ظاهرة تهريب النطف بين أوساط الأسرى الفلسطينيين المتزوجين ومن امضوا فترات طويلة، ومن ذوي الأحكام العالية وممن حرموا بتكوين أسر وانجاب ذرية بسبب قيام الاحتلال الصهيوني باختطافهم واعتقالهم من اهلهم وذويهم وزوجاتهم، وظلت الفكرة قرابة عقدين إلى أن تحولت لواقع يقلل مضاجع الاحتلال، واعترضت الأسرى وذويهم ثلاث إشكاليات أساسية لتحقيق تلك الأمنية، فالناحية الشرعية والاجتماعية تم تخطيها حيث" أجازت المجامع الفقهية العملية التلقيح الصناعي بين الأزواج في حالة الضرورة، فهي مباحة في حالة العجز عن الانجاب بالشكل الطبيعي، وفي حالة رغبة الزوجين في التناسل مصلحة مشروعة لهم" (ص201).
أما الناحية الأمنية، فقد رفضوا فكرة الخلوة الشرعية داخل السجن لعدم الثقة بأخلاقية العدو الإسرائيلي الذي لا يتوانى عن فضح الخلوة بالصوت والصورة واستخدامها كابتزاز، وعدم قبول الأزواج، لذلك تم اللجوء إلى تهريب النطفة المخزنة، وبدأت أول محاولة عام 2002م، ولكنها لم تنجح بسبب قلة خبرة الأسرى في حفظ حياة الحيوانات المنوية، وتوصيلها للخارج، وضعف الإمكانيات العلمية والمهنية.
سجلت الحركة الوطنية أول انتصاراتها بقدوم أول سفير للحرية عن طريق النطف بتاريخ 13/8/2012م، بقدوم أول سفير للحرية الطفل مهند ابن الأسير عمار الزبن المحكوم 27 مؤبداً و25 عاماً، بعد حصوله على فتوى دينية رسمية واحتضان مجتمعي، ومباركة عدد كبير من المؤسسات والقيادات الفلسطينية الوطنية والإسلامية؛ ليصبح عمار عنوانا لمرحلة جديدة وأساساً لبداية انطلاقة نوعية في إبداعات الحركة الأسيرة.
قدمت هذه الدراسة تفسيراً حول إنجازات الأسرى؛ التي أثرت إيجاباً على مجمل حياة الحركة الأسيرة الفلسطينية، بل على مجمل الحياة النضالية الفلسطينية تأثراً بتجاربهم لأن السجون والمعتقلات كانت ولا زالت مدرسة وطنية وتربوية ودائرة من دوائر العمل النضالي الإبداعي فصاغت وبلورة طلائع الأسرى والمعتقلين الذين كان لهم عظيم التأثير في بلورة الوعي النضالي والديمقراطي في المجتمع الفلسطيني حينما فك أسرهم فتحررت أجسادهم، لا عقولهم التي لم يستطع المحتل مع مرارة السجن السيطرة عليها قيد أنملة..
وفي ختام الدراسة طالب الكاتب بضرورة الالتفاف حول قضية الأسرى والمعتقلين وجعلها أهم القضايا الفلسطينية والعربية التي لا تقل أهمية عن القضايا الوطنية الأخرى كالقدس واللاجئين..