الرباط أصعب من الجهاد ..

  • الجمعة 05, أغسطس 2022 01:47 م
  • الرباط أصعب من الجهاد ..
الرباط صعب على النفس البشرية يحتاج إلى صبر يوازيه ، وسمي الرباط رباطا لأنه يربط النفس على ثغور الأعداء ، فقد كانوا يربطون خيولهم انتظارا للفزع ، ولذلك سموا مرابطين ، وسماه الله عز وجل رباطا لأنهم يربطون أنفسهم وخيولهم ، وكما جاء في الحديث- خير الناس- (رجل آخذ بعنان فرسه كلما سمع هيعة طار إليها يبحث عن الموت مظانه)(١)

إنه يبحث عن الموت ٠٠
إنه يكد نفسه بحثاً عن الموت في سبيل الله ٠٠
فهل تريدون أن تصبروا على الرباط ؟ 
هل تريدون أن ترابطوا حتى يأتي اليوم  الذي تجاهدون فيه ؟
ولا جهاد بلا رباط ، والرباط والصبر عليه أصعب من الجهاد ، لأن الجهاد معركة ومعركتان وثلاثة ، وقد يصبر الإنسان سنوات عديدة وهو يعد حتى يدخل معركة واحدة ٠
ولذا نجد الأعداء يعدون ويجهزون سنوات طويلة حتى يخوضوا معركة واحدة ، وكما قال ذاك اليهودي - إيجال ألون - (لقد حضرنا وأعددنا عشر سنوات متواصلة من أجل الثلاث ساعات الأولى التي ضربنا بها المطارات المصرية وحققنا بها نصرنا ) ٠ 
عشر سنوات متواصلة أعدوا من أجل الثلث ساعات الأولى التي ضرب بها اليهود المطارات المصرية عام ١٩٦٧م !!
أو تظنون أن النصر يأتي هكذا صدفة أو اعتباطا ؟!
إن النصر لا يأتي إلا حسب القوانين والسنن الإلهية ٠ 
إن لله سننا وقوانين في هذه الحياة تجري على الأحياء والأشياء ، فإذا حصلت كرامة لبشر  أو لفرد أو لولي في معركة أو في رباط فذاك خارج من السنن - المشهودة - ، بل هو جزء من سنن الله أن يكرم عباده بعد الصبر والشدة٠ ٠  
ولذلك ما انتصر الأنبياء ولا انتصر الناس إلا بعد أن رابطوا طويلا ، وبعد أن صبروا كثيرا ، فبعد أن يصل الأمر إلى شدة لا بد لها من إرادة رب العالمين ، فتوقف السنن التي يراها الناس لتأتي بسنن أخرى تنقذ بها عباده وتخلص بها أولياءه ؛  عندها تتدخل الإرادة الإلهية 
(فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون قال كلا إن معي ربي سيهدين فأوحينا إلى موسى أن أضرب لعصام الحجر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم وأزلفنا ثم الآخرين وأنجينا موسى ومن معه أجمعين ثم أغرقنا بعد الآخرين إن في ذلك لأية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم ) (٢)
وبعد صبر بني إسرائيل الطويل على الذبح ٠٠ على قتل أبنائهم واستحياء نسائهم ٠٠ بعد الصبر على إيذاء فرعون ٠٠ بعد العذاب الشديد ، وفي لحظة الضيق تدخلت الإرادة الإلهية لتنقذ العباد المؤمنين ٠
لم تتنزل الملائكة في مكة ٠٠ لم تتنزل حتى يتم قانون الله وناموسه بتربية النفوس المؤمنة على محك البلاء ،  وفي نار البلاء ،  وفي أتون التضحيات حتى تصفوا النفوس،
حتى إذا انتهت الفترة المكية وصبر من صبر وكما يقول أبو الحسن الندوي وسيد قطب : 
فلما فرغت نفوسهم من حظ نفوسهم  ، وعلم الله أنهم لا يريدون جزاء في هذه الأرض كائنا ما كان حتى انتصار هذا الدين على أيديهم، علم الله أنهم أصبحوا أمناء على شريعته ، فمكن لهم في الأرض)
 لقد خلصت نفوسهم من حظ نفوسهم ٠٠
لقد أزال الصبر كل الغيش واللبس ٠٠
لقد أزال ما يضجر القلب ٠٠ 
لقد أزال سحائب الرياء والحقد والنفاق والطمع وغير ذلك ٠٠
لقد نزلت كلها على محك الفتنة وفي أتون البلاء ؛ فخلصت نفوسهم من حظ نفوسهم ، ولم يعد لهم في هذه الأرض طمع في أي جزاء حتى انتصار هذا الدين على أيديهم ، لأنه نوع من الجزاء٠ ٠ 
علم الله أنهم أصبحوا أمناء فمكن لهم في الأرض ٠
الدكتور عبدالله عزام 

--------------------------------------
(١) جزء من حديث رواه مسلم في صحيحه ٠ 
(٢) الشعراء  : (٦١ - ٦٨)
(٣) موسوعة الذخائر ج٣ ص٣١٢