في ذكرى النكبة: لم ولن تذلّ أرواحنا

  • الجمعة 13, مايو 2022 07:52 ص
  • في ذكرى النكبة: لم ولن تذلّ أرواحنا
تتفاوت آراء الباحثين في تحديد أسباب حالة التردي والذلّ والتبعية التي تعيشها أمتنا خلال وقبيل وعلى امتداد القرن الأخير والتي برزت
في ذكرى النكبة: لم ولن تذلّ أرواحنا
موطني 48
الشيخ كمال خطيب
تتفاوت آراء الباحثين في تحديد أسباب حالة التردي والذلّ والتبعية التي تعيشها أمتنا خلال وقبيل وعلى امتداد القرن الأخير والتي برزت بواقع الهزائم والانتكاسات العسكرية بدءًا من هزيمة الدولة العثمانية أمام أعدائها ثم سيطرة وتملّك أعدائها على مقدّراتها وتقسيمها بينهم وفق اتفاقية سايكس بيكو وما تبع ذلك من احتلال فلسطين وتهجير أهلها في العام 1948، حيث ذكرى تلك المأساة ستحل بعد غد الأحد 15/5 وما تبع ذلك هزيمة حزيران عام 1967 واحتلال القدس والأقصى الشريف والضفة الغربية وسيناء والجولان، ثم ما تبع ذلك من احتلال بيروت في العام 1982 ثم احتلال بغداد من قبل الأمريكان في العام 2003 وغير ذلك من أمثلة كثيرة.
فمن الباحثين والمتابعين من يردون ذلك إلى ضعف المقدّرات العسكرية والاقتصادية لأمتنا بينما يرى آخرون أن السبب في ذلك يرجع إلى ضعف الحالة المعنوية والهزيمة الروحية والنفسية والتي لن تجدي معها كل الإمكانات العسكرية إن توفرت، وأنا من أصحاب هذه القناعة وهذا التفسير لحقيقة ما كانت وما تزال عليه أمتنا خلال القرن الأخير، وهو ما يختلف تمامًا عمّا كانت عليه أمتنا في عهودها الأولى والتي ورغم وقوع انتكاسات وهزائم عسكرية لكنها لم تصل إلى حد الهزيمة النفسية والمعنوية وإلى حد الرعب، بل والاذعان للأعداء، وإنما على العكس فإن الروح المعنوية والعزة الإيمانية سرعان ما كانت تعيد الأمور إلى نصابها.
لقد وقعت أول هزيمة بالمفهوم العسكري للمسلمين في معركة أحد وصلت إلى حد استشهاد سبعين من خيرة أصحاب رسول الله ﷺ بل إن آثار ذلك لحق به صلوات ربي وسلامه عليه بشج رأسه وكسر رباعيته وسيلان دمه الطاهر، لكن القرآن الكريم سرعان ما نزلت آياته بقول الله تعالى {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} 139 آية سورة آل عمران. ولأنهم كانوا مؤمنين حقًا وصدقًا رضي الله عنهم فإنهم وعوا الدرس جيدًا وأفاقوا من هزيمتهم العسكرية وتداركوها وظلوّا على إيمانهم وقناعتهم بأنهم الأعلون، فلم يهنوا ولم يحزنوا ولم تنكسر إرادتهم، بل سرعان ما عادت الموازين إلى ما كانت عليه وانتصر المسلمون فيما دارت بينهم وبين المشركين من معارك كان أبرزها فتح مكة ومردّ ذلك كله إلى أن أرواح المسلمين لم تذلّ ومعنوياتهم لم تنكسر.
وبعد قريب من 450 عامًا وتحديدًا في العام 1099 استيقظ المسلمون على وقع سنابك خيول الصليبيين تحتل أرضهم، بل تدنس قدسهم وأقصاهم. لقد أقام الصليبيون وطوال تسعين سنة دويلات وإمارات لهم داخل حدود الدولة الإسلامية، وكانت هذه الدويلات مثل الشوكة تؤذي كل من حولها، بل كانت تفرض هيمنتها على الإمارات الإسلامية المجاورة.
ليس أن المسلمين قد عادوا وانتصروا على الصليبيين وحسب، بل وطردوهم أذلة صاغرين بعد معركة حطين عام 1187 بل أحدثوا في نفوسهم عقدة نفسية ما زالت تلازمهم وكل ذلك بسبب أن المسلمين حتى وإن كانوا قد هزموا عسكريًا مع بداية الزحف والحملات الصليبية على الشرق الإسلامي إلا أن معنوياتهم وأرواحهم لم تهزم أبدًا وظلّوا يعيشون بقناعة وشعور أنهم الأعلون بإذن الله تعالى.
وبعد قريبًا من سبعين سنة من انتصار المسلمين على الصليبيين عام 1187 وإذا بضجيج وصخب ورعب زحوف المغول يصل إلى كل العالم الإسلامي وذلك بعد نجاح المغول باحتلال بغداد في العام 1258 وقتل مليونين من أهلها وتدميرها وتواصل زحفهم نحو بلاد الشام الأمر الذي أحدث في الأمة الإسلامية جرحًا عميقًا، لكن هذا الحال لم يطل وسرعان ما تجاوز المسلمين آثار فاجعة احتلال وتدمير بغداد عاصمة الحضارة يومها، وكان التحدي للمغول في سهل بيسان في فلسطين وتمريغ أنوف المغول في تراب سهل بيسان في العام 1260 ميلادي بعد أقل من عامين من هزيمتهم في بغداد، ويعود السبب في ذلك إلى أن المسلمين ورغم ما أصابهم في بغداد من بطش المغول إلا أن أرواحهم لم تذل ولم ينظروا إلى المغول نظرة إكبار بعد انتصارهم عليهم بل ظلّوا ينظرون إليهم أنهم برابرة متوحشون ومحتلون ولا بد من مواجهتهم بل والانتصار عليهم.
وهكذا ظلّت الأمة الإسلامية وعلى مدار تاريخها كله، ومع استمرار ارتفاع رسمها البياني وتسجيل انتصارات حاسمة في التاريخ، إلا أنها كانت تعيش فترة بين المرة والمرة وتعيش هزائم عسكرية هنا وهناك، لكن هذا الهزائم والانتكاسات سرعان ما كانت تتحول إلى انتصارات لاحقة لأن الحالة المعنوية والإيمانية والروحية كانت ما تزال تحلق عاليًا وكانت لا تقرّ بالهزيمة ولا بالذل ولا بالدونية لذلك العدو أيًا كان لونه أو جنسه أو دينه.
وإن أخوف ما يخافه أعداؤنا أن أمتنا وبرغم الفارق الهائل في الإمكانات والمقدّرات العسكرية بينها وبين أعدائها إلا أنها ما تزال تملك رصيدًا معنويًا هائلًا يمكنها بإذن الله من إعادة وضع النقاط على الحروف وإعادة رسم معالم المرحلة من جديد بما لا يتخيله أعداؤنا أو أن يخطر لهم على بال، ولقد برز هذا جليًا تحديدًا في النصف الثاني من القرن العشرين وصاعدًا عبر ظهور الصحوة الإسلامية العالمية التي لم تتوقف في اتساعها واندفاعتها رغم تعثّرها وقد برز ذلك في ثورات الربيع العربي رغم إجهاضها والانقلاب عليها من أنظمة الفساد والطغيان.
القوم يخشون انتفاضة ديننا بعد الجمود وبعد نوم قرون
يخشون يعرب أن تجود بخالد وبكل سعد فاتح ميمون
يخشون إفريقيا تجود بطارق يخشون كرديًا كنور الدين
يخشون دين الله يرجع مصدرًا للفكر للتوجيه للتقنين.