قصة للفتيان عن الأسرى في سجون الإحتلال

الصقر والضبع .. للكاتب الروائي زياد غزال

زياد غزال

  • الجمعة 31, ديسمبر 2021 06:06 ص
  • الصقر والضبع .. للكاتب الروائي زياد غزال
كان هنالك ضبع عجول في كل أمرٍ، في أكله وشربه، وفي جميع أمور حياته. وفي أحد الأيام رأى ظبياً, وكعادته هجم على الفور دون أن يلاحظ أن الظبي لا يستطيع الحراك، فإذا بالضبع وسط كمين تنغرس فيه إبر المخدر، استيقظ الضبع وهو في قفصٍ لم يرَه في حياته, وبجانبه قفص آخر داخله صقر، نظر الضبع حوله مستغرباً ثم حدّق بالصقر، سأله الصقر : من أي بلد أنت ؟
كان هنالك ضبع عجول في كل أمرٍ، في أكله وشربه، وفي جميع أمور حياته.
وفي أحد الأيام رأى ظبياً, وكعادته هجم على الفور دون أن يلاحظ أن الظبي لا يستطيع الحراك، فإذا بالضبع وسط كمين تنغرس فيه إبر المخدر، استيقظ الضبع وهو في قفصٍ لم يرَه في حياته, وبجانبه قفص آخر داخله صقر، نظر الضبع حوله مستغرباً ثم حدّق بالصقر، سأله الصقر : من أي بلد أنت ؟
لم يلتفت الضبع واستمر في النظر حوله مندهشاً. 
الصقر : أنت من بيسان ؟
التفت الضبع إلى الصقر
الصقر : أنت أقوى ضبع في فلسطين، كيف تمكنوا منك ؟ هذا غريب !!
الضبع: كيف عرفتني ؟
الصقر: أنا من جبال نابلس، كنت أراك كثيراً وأنا أحلق في السماء.
الضبع: أين نحن ؟ ..... منذ متى وأنت هنا ؟
الصقر : نحن في حديقة تل أبيب ...  وأنا هنا منذ سنتين.
الضبع : سنتان .....! سوف أخرج من هنا قبل أن يمر أسبوعان. 
   وجاء الليل وأصبح المكان خالياً إلا من الضبع والصقر، أخرج الصقر من تحت جناحه قطع صغيرة من الحديد المسنن, وأخذ يسن أسفل القضيب الخلفي للقفص.
الضبع: منذ متى وأنت تفعل هذا ؟
الصقر: من بعد وصولي إلى هنا بشهر، فبعد شهر من وصولي وجدت هذه الحديدة بجانب القفص فأخذتها وأخفيتها في جناحي, وبدأت مشوار خروجي من هذا القفص.
الضبع: ولكن ما تفعله أشبه بالجنون، هذه الحديدة الصغيرة لن تفعل شيئاً. 
الصقر: ولكنها تجعلني أعيش على أمل الخروج واستعادة حريتي.... وأن تعيش بأمل خير من أن تعيش بلا أمل.
سخر الضبع من كلام الصقر وقال بثقة عالية:
 *-:  و لكني سأريك كيف سأخرج من هنا بأيام و ليس بعشرات السنوات. 
وأنهى الصقر عمله المعتاد بأربع ساعات يومياً ثم أخفى أثر السن في القضيب و هو أثر لا يكاد يُرى ثم بعثر بجناحه ما تساقط من برادة الحديد التي لا تكاد ترى أيضاً، و في اليوم التالي، جاء أربعة من عمال الحديقة ليقوموا بغسل الضبع بالماء والصابون، اقتربوا منه شيئاً فشيئاً، وفي ذلك الحين كان هناك عاملان مستعدان, يحمل كلّ منهما ببندقية الحقن المخدرة، وفتحوا باب القفص فهجم الضبع عليهم وجرح أحدهم، ولكن ما لبث أن أطلق العاملان حقن المخدر عليه فوقع على الأرض دون حراك، نظف العمال الضبع وأعادوه إلى قفصه بعد أن قلموا مخالبه، استيقظ الضبع في الليل والتفت إلى الصقر فوجده منهمكاً في محاولة قص قضيب القفص، فقال له ساخراً :
 *-: أما زلت تعبث بهذه الحديدة ...؟
الصقر: ( مبتسماً ) لقد كنت شجاعاً  كعادتك ولكنك كنت متسرعاً أيضاً ...... التسرع أضر بك، انظر إلى مخالبك.
 نظر الضبع إلى مخالبه فوجدها قد نزعت، أغمض عينيه, ومدد جسمه كأنه يريد النوم، وأخذت الدموع تسيل من عينيه.
 سارت الأيام ومضى على الضبع في قفصه ثلاثة شهور.
وفي الصباح جاء وقت تنظيفه، وكالعادة، قيدوه وأخرجوه، وكان الضبع مطيعاً جداً هذه المرة، وعند إدخاله إلى القفص هجم على من يحمل البندقية, وعض يده فوقعت البندقية فهرب الضبع على الفور, ولكنه وجد سوراً عالياً لم يستطع أن يتخطاه، وبدأ يبحث عن ثغرة أو منطقة في السور يستطيع الخروج منها, ولكن دون جدوى، حتى أحس بطلقات المخدر تنغرس في جسمه.
استيقظ الضبع ليلاً وفتح عينيه على الصقر المنغمس كعادته في محاولة قص القضيب، أخذ يراقب الصقر دون أن يتلفظ بأي كلمة، التفت الصقر إليه فوجده مستيقظاً فقال له:
  *-: هذه المرة كنت شجاعاً وقوياً ، و هذا معروف عنك ولم تكن متسرعاً وهذا جديد عليك، ولكنك لم تكن متأنياً بالقدر الكافي، التأني إذا لم يكن كافياً يضر صاحبه، تفحص أنيابك.
 وجد الضبع أنيابه قد نزعت فصرخ صرخة قوية ثم وقع على الأرض مغشياً عليه، مضت الأيام والشهور والسنوات، حتى مضى على الضبع أربع سنوات في قفصه، وفي إحدى الليالي قال الصقر للضبع:
  *-: اذا خرجت من قفصك يوماً ، اذهب إلى بحيرة طبريا  وانتظرني عندها في الليالي التي يكون فيها القمر بدراً و إذا خرجت أنا قبلك سأنتظرك بالمثل.
 استيقظ الضبع بعد تلك الليلة وفتح عينيه واتجه نحو الصقر ليحدثه ولكنه لم يجد الصقر, ووجد قضيب القفص مقصوصاً مرمياً على الأرض، فرح الضبع بانتصار الصقر وخروجه من قفصه، ولكنه أحس بالحزن لأنه فقد صديقاً طيباً وحكيماً.
 مضت الأيام والشهور وبعد ستة شهور من هروب الصقر أُصيب الضبع بمرض أقعده وأصبح لا يستطيع المشي إلا بصعوبة، حاول أطباء الحديقة معالجته ولكن دون جدوى، وكان رأي الأطباء أن علاج الضبع يكون برجوعه للطبيعة وإلا سوف يموت، وأن على القائمين على الحديقة إرجاعه إلى الطبيعة؛ لأن بقاءه فيه ضرر للحديقة أكثر من نفعه، وفي حال تم شفاءه فإنهم سيصطادونه مرة أخرى.
وبالفعل تم إرجاع الضبع إلى بيسان ووضعوه في مكان يبعد كثيراً عن بحيرة طبريا، فأخذ الضبع يمشي ليصل إليها بمعاناة وصعوبة فائقتين؛ بسبب مرضه وسنوات سجنه، وظلّ الضبع يناضل حتى وصل إلى بحيرة طبريا ولكن القمر كان هلالاً, ويحتاج إلى أيام ليصبح بدراً، أخذ الضبع ينظر إلى كلّ طائر في السماء لعله يجد الصقر، وبعد عدة أيام استيقظ الضبع فوجد طعاماً شهياً طازجاً أمامه، ودون تفكير عرف أن الصقر هو من وضع له الطعام فنظر إلى السماء فوجد الصقر يحلق حراً عزيزاً، فرح الضبع فرحاً شديداً وصرخ عالياً منادياً الصقر، وعلى الفور هبط الصقر إلى الضبع وتعانقا وسالت من عيونهما دموع حراء، أخذ الصقر يرعى الضبع  ويساعده ليرجع سيرته الأولى شجاعاً قوياً، وكان يحضر له الطعام والعلاج ويدافع عنه اذا تعرض لعدوان، ومضت الأيام حتى رجع الضبع مثل السابق ذو بأس شديد يهابه الجميع، وذات يوم بينما كان الصقر يحلق في الجو، والضبع ينظر إليه بسعادة، إذا بالصقر يصاب ويهوي على الأرض، هجم الصيادون اليهود على الصقر ونزعوا إبرة المخدر وأخذوه ومشوا مغادرين والضبع ينظر إليهم.
أخذ الضبع ينتظر فرصة ليأخذ الصقر دون أن يقع هو أيضا في الأسر، بدا على الضبع التأني والتروي، وعندما وصل الصيادون اليهود إلى منطقة مليئة بالأشجار المتشابكة هجم الضبع عليهم وأخذ الصقر وهرب داخل الأشجار، وخلال لحظات لم يلاحَظ له أثر، استيقظ الصقر من المخدر، وقص عليه الضبع ما حدث، فقال الصقر :
 *-: في هذه المرة كنت شجاعاً مقداماً  كعادتك، و كنت أيضا متأنياً بالقدر الكافي على غير عادتك.
الضبع : أنت من علمني التأني وها أنت تقطف ثمار ذلك.
الصقر: أن تكون متأنياً لا يكفي، بل تحتاج أن تعلم الآخرين التأني حتى تحصد محصول التأني كاملاً.   
 يقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( التأني من الله والعجلة من الشيطان ) فالتأني لا يأتي إلا بخير، وكم يكون الخير عظيماً عندما يأتي بالحرية.
النهاية